Translate

السبت، 1 أبريل 2023

قصة قصيرة ( القلعة ) للكاتب السوداني أحمد عجيب





طلقانة يابخيتة

قالها ببساطة وهى تصب له كوبا من الشاى

واصلت فى صب الشاى كأن الطلاق يخص احدى جاراتها

ولم يحمل وجهها الطفولى اى تعبير سوا كان غضب او تذمر

تقبلت الامر ببساطة وقامت بما تقوم به عادة كل صباح

من عواسة للكسرة وطبيخ والاهتمام بالصغار

ثلاثة اطفال هم حصيلة زواجها من الفاروق

والواقع ان الفاروق لم يطلق بخيتة وحدها فقط طلق والديه ايضا وقريته الصغيرة

فهو الان ليس ذلك الفاروق العاطل الذى يرابط فى المواقف مستجديا اصحاب الحافلات والبصات ليعمل لديهم

الان هو فاروقا اخر حتى انه طلق الالف والام من اسمه ليكون فقط فاروق

فاسرتة الصغيرة والكبيرة لم يستوعبوا نقلته الاجتماعية والاقتصادية المهمة واجتهد معهم ليرتقى بهم وفق تصوره

بناء لهم منزلا فخيما منزل لا يشبهه منزل فى قريتهم وملابس من الماركات العالمية واغدق عليهم بالذهب والمال

بيد ان كل هذا لم يحرك فيهم ساكنا فبخيتة مع كل هذا الذهب والثياب السويسرية والعبايات الخليجية ظلت بخيتة كما عرفها وتزوجها

ووالده لم تغير فيه الجلاليب الفاخرة والشالات المطرزة والجزم الجلدية من هيئتة شيئا

فهو مازال غفير المدرسة الثانوية

حتى بعد ان اجبره فاروق على الاستقالة

مازال الرجل غفيرا

ينادى الاعيان بسيد فلان

ويتنازل من كرسيه فى مناسبة لكبارهم كدأبه دائما

رجل بسيط محبوب قانع وقنوع

لم يتفاعل مع ثروة ابنه المفاجأة

بل يراها كارثة حلت بهم

ويتحاشى نظرات وتساؤلات القرية الصامتة

نفث فاروق دخان سجارتة الفاخرة وهو يسأل سائقه الخاص عما اذا اقتربوا من وجهتهم

: قربنا ياريس

ضحك فى سره من ريس فهو ايضا كان حتى وقت قريب سائقا لريس اخر

وقفت عربة حرسه الخاص امام منزل عتيق يبدو انه من الطراز الفكتورى

منزل يطلق عليه الاهالى القلعة

أسسه الجد عبدالحفيظ التاجر المعروف

رجل عصامى اسس امبراطورية تخصصت فى تجارة المحاصيل

ولا نشاط اخر له الا ان اسرتة لم ترضى بهذا الوصف المقل

فصنعت له تاريخ نضالى وكيف انه دعم الثوار ماديا وحتى انه قلعته استضافت بعض اجتماعاتهم

وبعض متطرفى الاسرة يدعون انه اعتقل وسجن نتيجة مواقفه من الاستعمار واكتشافهم لدعمه للمقاومة

والحق لم تصمد ثروة عبدالحفيظ كثيرا بعد وفاتة فقد تلاشت وتوزعت بين اولاده الذين لم يحسنوا ادارتها وتخطوا خط والدهم ليدخلوا عوالم اخرى غير المحاصيل

من معارض سيارت والشقق وكل استثمار يرونه مربحا وسريعا لتنتهى ثروتهم اسرع مما يظنون ولم يبق الا هذا المنزل العتيق كشاهد على النعمة والعراقة

نعم فهى اسرة عريقة ومعروفة ولم تضع هذة الصفة مع ما ضاع

ولذا قصدهم السيد فاروق فهم ينقصهم المال وهو تنقصه العراقة وفق ما يعتقد

وقد اشار له احد مسشارينه بهذا الراى

ان الزواج من عائلة عبد الحفيظ حماية له ومركز اجتماعى جيد

وقبل ان يتخذ هذة الخطوة استعان بخبراء فى مجالات شتى

فهناك كورس للغات فقط بعض الكلمات ليطعم بها كلامه متى ما استدعى الامر ثم كورس اتكيت تقوم به شابة

فى كيفية استعمال الشوكة والسكين وربطة العنق وتناسق الالوان

وحتى لون الجراب يجب ان يتسق مع القميص

السيد فاروق لم يكن تعجبه هذة التفاصيل صحيح انه يبحث عن نقلة توازى مركزه المالى لكن بدون هذة التعقيدات المملة

رحبت الاسرة بضيوفهم واجلسوهم على هول داخلى مطلى حديثا

فاروق يعرف تفاصيل المنزل من الداخل

يعرف انه لا اثاثات ملائمة عدا هذا الهول واغلب الغرف فارغة تحتلها الجرذان فقط الهول هو واجهتهم لاستقبال ضيوفهم او رصفاؤهم فى طبقتهم

مع عربة عتيقة اجتهدوا فى ان تكون مقبولة لحد ما

وكثيرا ماقررت الاسرة التخلص من المنزل فهو ثروة لا بأس بها يمكنها ان تعينهم

بيد ان خوفهم من الزحف بعيدا من طبقتهم لغى الفكرة

وهم يعيشون فقط على الاسم والتاريخ

فاروق يعرف كل شى فقد اشترى احد احفادهم ليكون عينه ويمده بكل صغيرة وكبيرة ولم يكلفه الحفيد اكثر من ان يفتح محفظته

تنحنح عم نجلاء والتى طلبها فاروق بالاسم وهو طبعا لا يعرفها ولم يراها بعينه

فالاسم والتفاصيل من المستشارين

وحسب مارشح انها مقبولة وعلى اعتاب الاربعين

تلقت تعليما اكاديميا جيدا وقد رفضت الاسرة مجموعة من الخطاب العاديين

لا يمكن ان يقدموا عراقتهم مجانا

تنحنح العم

وابتدر فاروق متسائلا

: لا قيت نجلاء وين؟

القى بالسؤال وقصد ان تكون رقبته لاعلى ناظرا لفاروق من اعلى

فاروق لم تفته هذة التمثيلية ويعرف ان العم لا يملك ثمن البنزين ليقود عربته

وانه يحتال ليختار شوارع امنة من الدائنين وانه متخفى من البنك بعد عجزه عن تسديد مرابحة

يعرف كل ذلك

ولذا لم ينزعج بل اشعل سجارة فاخرة ونفث. دخانها فى وجه العم مباشرة

: طيب ياجماعة نحنا نتكلم على بلاطة

غمز له مستشاره الخاص

وهى اشارة بأن ثمة خطا فى تصرفه

تجاهل غمزة المستشار وواصل

انا جيت لصفقة

لكن نقول زواج

وجاهز لطلباتكم كلها

من تسديد ديون الاسرة

واعمل معاكم مشاريع مشتركة

وعمنا ده عنده خبرة فى الشركات

امسك لى شركة بالنص

لازم نسابتى اكونوا فى مستواى الاقتصادى

تدخل عم اخر متهلل الاسارير وحاول ان يكون طبيعيا

ولا يليق ابدا بابناء الاسر العريقة ان تبهرهم المادة

تدخل قائلا

ده كله مابهمنا نحنا بهمنا الراجل واصله

: من الاخر ماعندى اصل

ولا ابوى شيخ قبيلة ولا عندنا اطيان انا اول زول فى حلتنا اشب لفوق

تدخل العم الاول منقذا الموقف

: كلنا لادم وادم من تراب

شخصيا بهمنى الرجل الدوغرى العصامى

: شوفوا ياجماعة

انا اكون صريح معاكم

عشان ماتقولوا لى ادينا فرصة نسال منك انا حاقول كل حاجة ونحسم الموضوع اليوم

موافقة او رفض

انا ما عصامى ولا دوغرى

ولو سالتو منى حيقولوا ليكم كده

انا انتهازى

يعنى بتاع فرص

كنت سواق للسيد مرين

دخلت معاه الكوميشن

عرفت نافذين

لاقيتهم فى المزارع الليلية كنت بسوق لمرين

المهم العالم ده دخلت معاه فى كل شى

من تهريب لمخدرات

: مادام حاسى بالندم ربنا غفور رحيم

هكذا افتى العم

: لا لا انا لا ندمان ولا تبت ولا ناوى

انا يادوب اتعرفت على اجانب ومسكت السكة الصاح

: لا حول ولا قوة الا بالله

رددها العم الثانى

وهو ينظر للمستشار الذى اعيته الحيلة ولم تجدى كل غمزاته فى اسكات فاروق

فتدخل المستشار

: فى تقديرى الشخصى....

ليقاطعه فاروق

اسكت.... انا عايز اسمعهم هم

واهو عرفونى على حقيقتى

عشان مابعدين غشانا والكلام ده

: ادينا فرصة

: والله لو مشيت تانى مابرجع

اجتمعوا الان وقرروا

اجتمعت الاسرة داخل هول اخر به فقط كنبات عتيقة وكرسى بثلاثة ارجل

كان اجتماعا صاخبا المشترك فيه الدفاع عن فاروق

وانه ضحية ظروف وربنا وحده من يحاكم الناس وليس من حقهم محاكمته

ثم انهم ومن خلال خبراتهم يمكنهم اصلاحه وتقويمه وينالون ثواب استقامته بدلا من طرده ليتمدد اجرامه

ان واجب اسرتهم كاسرة وطنية عريقة هو حماية امن البلد الاجتماعى والثقافى وحفظ عاداته وتقاليده

والواجب الان احتواء فاروق حتى لا يكون شرا مستطيرا

ارتاحوا جميعا لهذا الراى وانتخبوا العم الاول ليتحدث بأسم الاسرة

حمدالله العم وشكره واستهل خطابه بموافقتهم المشروطة على قبوله عضوا فى اسرته

وهو ان يترك تجارة المخدرات

اعترض فاروق على الطلب وليس من حق احد اى احد ان يفرض عليه رايه

ثم انه له التزامات فى السوق

استفسر العم الثانى

فى اى نوع من المخدرات يعمل!؟

ان كان الحشيش فهو لا بأس به صحيح يعاقب عليه القانون لكنه اعشاب مثله مثل اى عشب

وكثيرا من الدول تسمح باستعماله فى القهاوى

اراد فارق ان يؤكد انه يعمل على كل الانواع ولم يختار تخصصا محددا بعد

الا ان المستشار تدخل مباشرة ولم يكتفى بالغمز

قال المستشار

نعم نعم السيد فاروق يعمل على الحشيش فقط

مسح العم الاول على جبهتة بعصبية

وتحركت شفته ليقول شيئا ما

الا ان غمزة من المستشار اسكتته

لتنطلق زغرودة من داخل القلعة العتيقة

 









 


-١٦-

ما أن وصل ثلاثتهم عدنان وحصانه الناطق وزوجته العنود إلى واحة كان عدنان يعرفها.

حتى طلب عدنان من العنود البقاء على ظهر الحصان حالما ينتهي من مهمة موكلة إليه ،

بقيت العنود على ظهر الحصان يتحدثان معا ويضحكان بينما توجه عدنان إلى واحة الجن .

وقف متأملا الواحة حتى ظهرت الجنية وهي لاتستطيع تمالك نفسها من شدة الفرح ؛قالت بسعادة :

-عدنان؟

-هاأنا عدت إليك ولم أخذلك؟

-لم أشك للحظة واحدة بأنك يمكن أن تخذلني ياعدنان.

-لقد إزددت جمالا ياسيدتي؟

-أرجو عدم قول سيدتي فأنت حبيبي .

شعر عدنان بأنه لامهرب من الوفاء بالعهد ولايمكن إقناعها بأنه لايمكن زواج جنية من إنسي ،وفي الواقع أن عدنان أيضا قد هام بها هذه المرة ،فقال لها :

-نسيت أن أسألك عن أسمك ؟

-أسمي زبيدة.

-بعد أن علمت بالحقيقة وهي خيانة وردة لي أود أن أشكرك ؟

-عدت فقط لتشكرني ،وماذا بشأن إتفاقنا .

-في الحقيقة أنا أصبحت مكلف ....

قالت مقاطعة:

-أعلم ..أعلم كل شيء فأنا كنت معك طوال رحلتك ياعزيزي.

-كنت معي ؟

-نعم.

-وما العمل الأن؟

-الحفاظ على العهد ..أن كل مايحدث لا يجعلني أتراجع، وقد إزددت تمسكا بك ،ولامناص من الوفاء بالعهد الذي بيننا،أريدك حتى لو كنت أنا الزوجة الثانية.

-كذلك أنا سأتمسك بك وسأبقى على العهد.

خلال مدة قصيرة عاد جميع سكان مدينة الجن إلى الله وقد دخلوا في دين الله أفواجا ووعدوا بأن يسيروا في الدعوة ونشر دين التوحيد في كافة مدن الجن الأخرى.

صعدت زبيدة على ظهر حصانها الجني ومشيا إلى العنود والحصان ولم يكونا يرونهما ،فقط عدنان من كان يراهما، وتابع الجميع طريقهم.

ماأن مر عدنان بالراعي صخر الذي كان يصلي صلاته المعتادة،

إنتظر عدنان حتى إنتهى صخر من صلاته ثم تقدم منه وقال:

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته؟

-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، هذا أنت.. عدنان أهلا بك أخبرني كيف كانت رحلتك؟

-لقد كانت رحلة شاقة جدا أخي صخر.

-لقد تمنيت عودتك فأنا لازلت على أمل في أن تعلمني الصلاة الصحيحة؟

-سأعلمك الصلاة، بل سأعلمك كل شيء فأنت منذ هذا اليوم أخي .

قام عدنان بتعليم البدوي صخر الصلاة الصحيحة وحفظه آيات قرآنية وبعض الأحاديث و الأدعية ،

وطلب منه أن يلحق به هو وأسرته بعد ثلاثة أيام .

ظهر الملاك من جديد، ألقى السلام على عدنان .. رد عدنان تحية الإسلام بالمثل وانشرح صدره عند رؤيته ..قال الملاك :

-لقد قطعت شوطا طويلا ياعدنان؟

-بكل تأكيد ..لكن أعانني الله طوال طريقي وسهل علي الكثير من المهام.

-الأن سأريك ماذا حدث للعالم لتكون على بينة وعلم بكل شيء ؟

رفع الملاك غطاء رأسه وقام بفرده أمام عدنان كما وأنه شاشة سينمائية،وقال :

-أنظر ياعدنان؟

فظهرت صور من العالم أجمع وتلاحقت الصور أمامه كما وأنها على شريط سينمائي؛ برج ايفل غائر في الأرض ولا يظهر منه سوى متر واحد من قمته،ما تبقى من ساعة لندن مستوية مع الأرض كما وأنها محفورة على التراب ،تمثال الحرية محطم ولم يتبقى منه سوى الشعلة مغروزة في الأرض ،برج بيزا ساقط على الأرض وقد أصبح كما وأنه نفق في الأرض.

أما المقدسات في الجزيرة العربية فقد بقيت كما هي لم يصبها أي خدش.

قال عدنان :

-ياالهي ماذا حدث للعالم؟

-يوجد بعض البشر في تلك المدن وهم من خيرة البشر هناك ،وسيتم الزحف إليهم لدعوتهم إلى دين الحق ومن ثم تعمير سيبدأ تعمير الأرض من جديد.

-لكن ذلك يحتاج إلى عقود؟

-بكل تأكيد وستعمر الأرض وتزدهر من جديد على أيدي بشر جدد يحبون الله ويحبهم.

-والأن أريد أن أسألك سؤالا؟

-تفضل.

-هلا أخبرتني من يكون الطفل نور ؟

-أنه صورة عن الجيل القادم.

بعد وقت قصير من المسير في الصحراء الواسعة وصل عدنان وزوجاته وحصانه إلى واحة ،ظهرت إمرأة ترتدي العباءة السوداء والنقاب ،طلبت من عدنان أن تتحدث إليه على إنفراد ،وعندما إقترب منها سحرته عيناها الواسعتان فقال في نفسه "ياترى كيف ستكون لو رأيتها بلا نقاب ،سبحان من خلق وصور، قالت :

-في البدء أهلا وسهلا بك ياعدنان؟

-أهلا بك ياسيدتي.

-بالطبع أنت تعلم أنك هنا أصبحت على مقربة من وادي الغيلان؟

-نعم نعم أعلم.

-سوف تذهب الأن إلى وادي الغيلان ؟

-لماذا ياسيدتي.

-ستذهب لتأتي بزوجتك الثالثة؟

-زوجتي الثالثة.

-نعم ..أتذكر الغولة التي أرادت إلتهامك؟

-نعم ويالها من ذكرى تقشعر لها الأبدان.

-أن تلك الغولة ستكون زوجتك ؟

-ياإلهي ..وكيف ذلك.

-في الواقع هي ساحرة الحسن والجمال؟

أرته الحقيبة التي تحملها وقالت :

- في تلك الحقيبة يوجد مقص وموس حلاقة وصابون وزجاجة عطر ،ما أن تمر بها ستجدها نائمة نوما عميقا ..هنا ماعليك سوى الاقتراب منها وأن تقوم بإزالة الفرو عن جسدها بواسطة المقص والموس والصابون ،لكن عليك تحمل رائحتها الكريهة جدا ..واحذر أن يدخل قلبك الخوف فأنها ستصحو من نومها وستلتهمك على الفور،إن إنتهيت من مهمتك قم برشقها بالماء حينها سوف تصحو وتتحول إلى أجمل فتاة على الأرض هههههه وستكون من نصيبك؟

-وبعد ذلك.

-ولا تنسى رشها بالعطر، بعد ذلك يتحول جميع الغيلان في الوادي إلى بشر متحضرين وفي أجمل صور بمجرد أن يقطعوا القناة ويشتمون رائحة العطر وسيدخلون في دين الله؟

-حسنا ،لكن ما هي حقيقة الغيلان.

-أنهم أناس بدائييون من عبث البشر الذين أقنعوهم بأنهم غيلان فتحولوا بالفعل إلى آكلي لحوم البشر؟

-وبعد ذلك.

-يوجد في الحقيبة ثوب أعطها إياه لترتديه؟

-حسنا.

أعطته الحقيبة وقالت :

-وفقك الله ياعدنان ؟

-مهلا ياسيدتي.

-ماذا تريد ؟

-لقد بقي لدي سؤال أخير.

-تفضل ياعدنان؟

-من أنت.

-أنا صورة عن المرأة القادمة ؛المرأة المسلمة العفيفة في العالم أجمع ؟

ثم إختفت المرأة من أمامه.

طلب عدنان من حصانه وزوجاته العنود وزبيدة إنتظاره قرب الواحة حالما ينتهي من مهمته التالية .

توجه عدنان إلى الوادي وبدأ بالنزول و كان قلبه يخفق بشدة.

رأى الهياكل العظمية ملقاة هنا وهناك فقشعر بدنه ..سمع صوت شخير الغولة المخيف والذي يسبب الهلع لكل من يسمعه لكنه تمالك نفسه وتسلح بالشجاعة ،وصلت إلى أنفه رائحتها الكريهة جدا.

(يتبع..)

٦-٦-٢٠٢٣

 




من








لفحتني نسائم الوادي، المحمّلة بما تردّده الجبال من صدى أصوات رفاقي وهم ينشدون:
(حنّي... حنّي يا كمشة التراب
عصدر البطل إلّلي مفارق الحباب
أمّي يا أمّي قومي طلعي ع الباب
وودعي آدم زينة الشباب)
جلست على صخرة أشيّع قريتي، التي اقتلعت منها للتّو، وأتأمل بيوتها الغارقة في وادي البؤس، المتكئة على ويلاتها، راح نظري يسبح بأسى على الدرب المتعرجة، التي انتهيت منها قبل قليل.
استقرّ نظري على بيتنا المغلق، بدا من علٍ كأنه حبّة عدس، أبخرة المصنع تشوش الرؤية، تغطّي البيدر بكامله. رحت أستذكر أمي، علّي أشفى تماما من الذكريات. صوتها في أذني يوخز الوجع في قلبي.
قالت لي قبيل رحيلها:
(هم لا يغنون لك يا بني، بل لآدم الأسطورة.
عندما خلع آدم سترته أشاح بنظره عن عرييّ، فارتديتها بلهفة، وكادت أن تغطيني حتى الكاحل كان الملثم قد نال من ثيابي ومن كتفي بأنيابه البغيضة فتبقعت السترة بدمي، وكان سلاحي الوحيد أمام رقة جسدي هو صراخ يهزّ الجبال من حولي أغاثني آدم دون أن أصرخ باسمه، سمعني لقرب مسكنه إلى أرض البيدر، فهرع إليّ قبل أن يمزّقني ذلك الوحش، لم يتطلب الأمر من آدم سوى أصابع كالكلّاب قوية تمسكه برقبته وترميه كقطعة خشب مهترئة، ثم يعاجل رأسه بالرفش.
آنذاه كانت قريتنا تفتقد للسلاح لا تجد فيها لبندقية واحدة، كل هذا والقرية غافلة عما حدث إلى أن لملمني آدم بعطف لا مثيل له وحملني إلى مشارف القرية.
كانت رائحته مزيجا من أشجار الغار سنابل القمح، والتراب المشمّس
حدث ذلك بعد وصول السيد الغريب إلى قريتنا بعدة أيام؛ يتنقل من بيت لبيت؛ يلمّ الحكايات ومن ضمنها اسطورة آدم حارس البيدر.
غادر الغريب لفترة سارقا حكايانا؛ ليرسم مصائرنا فيها. كان آدم يحمل الشمس في ظهره يعمل طوال النهار، ويحرس البيدر طوال الليل، فغلالنا مكشوفة للسماء.
لا يحتاجه أحد في القرية إلا ويجده. ينقل الحطب وأكياس القمح، يحمل الجرار عن فتيات القرية، (يركش) الحواكير الصغيرة، يحل محل البغال أحيانا في جرّ درّاسة القمح، بنيته الضخمة ونشاطه جعلنا نعتقد بأنه لا يتعب، يعمل بصمت وبالمجان، لكن ما كان يناله من تقدير واهتمام أثمن من أجره بكثير، فكل امرأة عائدة بخبزها عن التنور لابد أن تقصد دار آدم الطيني المشرع بابه، وكل سلة عنب وتين لابد أن تكون طافحة بحصة آدم، كل جرة حليب ولبن لا بد أن تصل بيته قبل أصحابها.
كنت أشعر بشغفه بي، وكان هذا يرضيني، ويشعرني بالأمان فآدم يحمل كلّ الأعباء عني، وكثيرا ما جمعت الحطب فأعجز عن حمله، ليُظهر ساعديه المفتولين دون موعد، يهديني ابتسامة ملؤها الحنان، من وجه شديد السمرة قاس عصي على السنين.
كان آدم في آخر النهار يستحمّ بماء النبع، ويعود لبيته، ولا يستجيب بعدها لأحد، الليل ملكه، يغني مواويله، وتنام القرية بأمان على أصداء صوته.
لم نفكر يوما بوالدي آدم، فهو هكذا، كطبيعة قريتنا، وجد فقط دون مبررات وحيداً بعيداً نائياً
ذات فجر عاصف، استيقظ أهل القرية على نباح كلابها، قادتهم إلى جثة آدم الضخمة، الممددة على البيدر بدون رأس.
عاشت القرية حداداً طويل الأمد، واقتصرت أفراحها على مواويل حزينة.
منذ ذلك الوقت، وأرض البيدر تنهشها الشائعات، كما فعلت بي، حملّوني وزر ما حصل، دون أن يفكروا بما يفعله السيد الغريب، ورجله الملثّم لطالما قلت لهم بأن الغريب عينه على البيدر، لم يصدقونني،

فبتنا نخاف الذهاب إلى البيدر، وانقطع القمح عن حقولنا، ماتت أفراحنا، وأغنيات الحصاد، حتى عندما تزوجت من أبيك لم

يقيموا لي عرسا، وكم كانت فرحتي كبيرة عندما رزقت بك واقترح والدك اسم آدم.
وها هي اللعنة، تحلّ من جديد بعودة السيد الغريب، لم يجرؤ أحد على سؤاله عن اسمه، تمدد حضوره في القرية، وطغى بماله، أقام حظيرة للأبقار بعد أن اشترى كل أبقار القرية، باعنا الحليب، وباعنا طحيناً أبيض، فبتنا نخبز من طحين الغريب، وها نحن المسنون نموت ببطء، من جراء تسمم ماء النبع؛ لذلك كنت أجمع لك ماء المطر، مع أنهم قالوا لنا إن السمّ لا يميت الشباب، بل يمرضهم، ويتعافون ما داموا ينعمون بالنسيان.
علمت الآن يا ولدي لِمَ أوصيك بالهروب، فأنت موسوم باسم آدم، والآن ملاحق بأسطورته ...
سرحت أمّي بعينيها، صوب أرض البيدر الفاقدة ملامحها، والتي كانت تضم رفات آدم، تهمس بصوت واهن:
حنّي... حنّي يا (كمشة) التراب بخطواتي المبللة، غادرت صخرتي، وأدرت ظهري للقرية، متابعا هروبي... والموال يحاصرني، أركض نحو سرابي النقي من تلوث قريتي؛ لأجدني في حضن أكثر اتساخاً، فرحت أسأل آن صحوتي عن أخبار الموت في الوادي، أجمع المعلومات علّني أصيح من جديد بمواويل آدم.
من فوق صخرتي الشاهدة، رأيت شاحنات الأسلحة المصنّعة في بيدرنا وهي تتلوى على الدروب، وعلمت أن السيد الغريب قد حرّم عليهم الغناء، وألبسهم ثيابا من سكوت، جعلتهم ينتظرون عند كل غروب ذيفاناً يشلّ حناجرهم، ذيفاناً مستخَلصاً من عرقهم المهدور في معمله...).
5/4/2020







 






 


لم يجدوا شبهة جنائية واحدة ، فأغلقوا الملف ، وصرحوا بدفن الجثة ، ذلك أن اسمها كان في كشف الركاب على العبارة شمس الأصيل ، كما أكد أحد الركاب أنها كانت معه على سطح العبارة قبل لحظات من اصطدامها بالشعاب المرجانية . ولكن الذي حير الشرطة هو أن العبارة غرقت أمام ميناء سفاجا ، والمسافة بين سفاجا والغردقة تبلغ ستين كيلومتراً ، فكيف تحركت الجثة كل هذه المسافة؟!

إستجوبت الشرطة عشرات الركاب ، بل واستدعت كل من له دراية بشئون البحر ، وأخيراً لجأت إلى مدير معهد علوم البحار بالغردقة ، الذي أكد ما زاد من حيرتهم بقوله أن الجثة لا يمكنها أن تتحرك كل هذه المسافة إلا بفعل فاعل .

ولما سئل عن احتمال أن تتسبب الرياح أو التيارات البحرية في تحريك الجثة نفى ذلك بشدة ، وقال أن الرياح في البحر الأحمر تهب عادة من الشمال إلى الجنوب في حين أن الجثة تحركت من سفاجا إلى الغردقة أي تحركت من الجنوب إلى الشمال ، وهو ما ينفي مسئولية الرياح أو التيارات البحرية في ذلك .

سلمى عجوز قصيرة وضئيلة الحجم كأغلب نساء الرشندية ، ذات وجه أسمر مستطيل ، وعينين صغيرتين باهتتين ، وقد كنيت بالعرجاء لأن إحدى رجليها أقصر قليلاً من الأخرى .

لم تكن سلمى ترى أحداً يمر أمام عشتها إلا وتدعوه لتناول الشاي ، كان البعض يقبل دعوتها ، بينما يعتذر البعض الآخر ، لأنهم يدركون أن كرمها لا يقف أبداً عند تقديم الشاي ، إذ لا يخرج الضيف من بيتها إلا محملاً بهدية ، بضع بيضات من دجاجاتها ، أو كوز لبن من عنزتها ، وهي لا تعدم ذلك أبداً ، فإن عدمت اللبن لا تعدم البيض ، وإن عدمت كليهما لا تعدم التمر الناشف ، كما لا تعدم فسيخ البربوني الذي تحتفظ به دوما في برميل خشبي صغير .

وللبربوني قصة مع العرجاء ، فلوقت طويل جداً لم يكن لأسماك البربوني أي قيمة مقارنة بالأسماك الأخرى ، بل كان الشائع بين الرشندية وسكان الغردقة عموماً أن البربوني من أردأ الأسماك طعماً ، لذلك كان الرشـندية يبيعونه بأبخس الأثمان ، ولكن لا يدري أحد ما الذي دفع العرجاء إلى أن تجرب أن تصنع من البربوني فسيخاً ، إذ كان الشائع بين الرشندية أن التفسيخ لا يصلح إلا لأسماك البوري فقط ، ورغم ذلك استمرت العرجاء في تفسيخ البربوني بكميات أكبر قليلا ، تتناول بعضه وتهدي معظمه للجيران ، وسرعان ما اشتهرت بين الرشندية بأنها تضع مع البربونى خلطة سرية ، لا يعرفها أحد سواها .

تسامع تجار الفسيخ بما يشاع عن امتلاك العرجاء لخلطة سرية ، فزارها أحدهم وعرض أن تقوم بتفسيخ البربوني في مستودعه ، ولكن العرجاء رفضت عرض التاجر ، ولكن أمام إلحاحه قبلت أن يأتي التاجر بأسماكه وبراميله إلى عشتها ، وقد فهم التاجر من ذلك أنها تريد أن تحتفظ بخلطتها السحرية سراً ، فوافق ، ونفحها مبلغاً كبيراً من المال تبرعت بمعظمه لفقراء النجع .

لم يمض وقت طويل حتى تسامع الزبائن بفسيخ البربوني اللذيذ ، فتكالبوا على شرائه من التاجر ، وتمادى التاجر في جشعه فرفع أسعار البربوني ، وانتقلت العدوى إلى بقية التجار فرفعوا أسعاره بدورهم حتى فاقت أسعار البوري وجميع الأسماك الأخرى .

ورغم أن موسم البربوني يقتصر على ثلاثة أشهر من العام ، فإن العرجاء كانت تغنم في هذه الأشهر المعدودة ما يقيم أودها طوال العام .

وعندما أخبرت العرجاء أقاربها أنها قد عزمت على الحج ذلك العام ، تسابق أهل النجع كلهم إلى مساعدتها بما يعينها على السفر ، وتطوع أحدهم بصبغ واجهة عشتها بالجير الأبيض مجاناً ، بينما تطوع آخر برسم زخارف جميلة على الواجهة بمناسبة حجها المبرور .

وفي اليوم الموعود لعودة الحجاج اكتظ ميناء سفاجا بالمستقبلين ، ومن بينهم عدد كبير من رجال ونساء الرشندية ، متأهبين لاستقبالها بالبيارق وجريد النخل ، وكان على العبارة قبل أن تدلف إلى ميناء سفاجا أن تجتاز بحذر ممراً ضيقاً يعج بالشعاب والصخور المرجانية ، ولكن لأن الحذر لا يغني عن القدر ، فقد اصطدمت مقدمة العبارة بصخرة مرجانية صلدة خلفت فيها فجوة كبيرة اندفعت منها المياه إلى جوفها في عنف ، فطيرت العبارة رسائل الإستغاثة ، وهرعت قوارب خفر السواحل لإنقاذ الركاب .، وأمكن بالفعل إنقاذ عدد كبير منهم ، ولكن العرجاء كانت واحدة ممن ابتلعهم البحر ، واستمر البحث عن جثثهم أسبوعاً كاملاً دون جدوى .

وفي نفس اليوم الذي أعلن فيه قائد فريق الإنقاذ في سفاجا أن الجثث المفقودة وقعت غالباً فريسة لأسماك القرش الجائعة ، كان بعض صيادي الرشندية ينصبون كمائنهم في الغردقة لأسراب البربونى الزاحفة من الجنوب ، إذ تصادف أن اليوم يوافق بداية موسم البربوني ، وقد دهش الرشندية من أن الصيد في اليوم الأول كان وفيراً على غير المعتاد في بداية الموسم ، وضاعف من دهشتهم أن شباكهم المتخمة بالبربوني خرجت تحتضن جسداً بشرياً لم يجدوا صعوبة كبيرة في التعرف عليه ، وهي العرجاء بشحمها ولحمها وثيابها كاملة ، جثة طبيعية لا يبدو عليها أي أثر لبقائها في مياه البحر لأسبوع كامل .

سارع الرشندية بإبلاغ الشرطة ، التي عاينت الجثة ثم قبضت عليهم جميعاً ، واحتجزتهم طوال أسبوعين كاملين ، وكان السؤال الوحيد الذي تبحث الشرطة عن إجابة له هو : كيف وصلت الجثة من سفاجا إلى الغردقة ؟!

ولكن الشرطة لم تصل إلى شيء ، فاضطرت إلى إطلاق سراحهم ، وتبع ذلك أن صرحت النيابة بدفن الجثة ، ثم تناسى الرشندية الأمر برمته ، بعد أن هل موسم البربوني الجديد ، فانشغلوا بنصب الكمائن لأسرابه . ولكن في ذلك الموسم ، بل وفي كل المواسم التالية ، لاحظ الرشندية أن أسراب البربوني قد تضاءلت إلى حد كبير ، ورغم أن ذلك كان كفيلاً برفع أسعاره فإن ما حدث كان على النقيض تماما ، إذ أخذت أسعاره في الانخفاض تدريجيا ، خاصة بعد أن ردد البعض أن طعمه لم يعد لذيذاً ، بل عاد رديئا ، تماما كما كان أيام زمان ، قبل أن تأتي العرجاء بخلطتها السحرية .

١ - الرشندية : قبيلة عربية في البحر الأحمر يعمل أغلب أبنائها بالصيد .

٢ - البربوني : نوع من الأسماك يتواجد في البحر الأحمر .








 





 

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة