عاقبة التردد
تقدم الشاب بخطوات رصينة نحو مقعد اعتاد الجلوس عليه في هذه الحديقة الغناء ...تراه شارد الذهن حينا متفرسا في وجوه المارة أحيانا أخرى ، تضرب قدماه الأرض في حركات متناغمة محدثة ايقاعا ينم عن حزن و ألم يعيشه داخل نفس أتعبها الحنين وأرقها.. فقد ألف الانتظار في صمت..نظر في ساعته اليدوية الأنيقة وأعاد النظر ثم دس يده في اضطراب داخل جيبه وأخرج علبة السجائر وأخذ واحدة منها وبرشاقة أشعلها وبدأ ينفث دخانا من بين شفتين مشتعلتين بلهيب الشوق ...كان الدخان يتشكل أشباحا تتراقص أمامه فيخيل له أنها تسخر منه ومن انتظاره المتواصل دون فائدة ..يسمع ضحكاتها المجنونة داعية إياه إلى المغادرة وترك المكان فينفخ فيها بكل جنون حتى تهرب بعيدا وتتلاشى لكنها سرعان ما تعاود حضورها أمامه من جديد وكأنها نذير شؤم ...ينظر الشاب في السيجارة المشتعلة ويقلبها بين أنامله ثم يلقي بها على الارض و يدعسها بحذائه ليفرغ فيها جام غضبه..خفق قلبه للحظات وتسارعت دقاته وأغمض عينيه ثم فتحهما وفركهما بقوة حتى يتسنى له رؤية ما حل أمامه بكل وضوح...إنها هي ..نعم هي بقدها الممشوق وتسريحة شعرها المعتادة.. اشتم رائحة عطرها المميزة..رآها ترفل أمامه في ثوب قرمزي أنيق..هاهي تقترب وتقترب فتلقي عليه التحية وتجلس على مقعد غير بعيد وتبدأ بالنظر في هاتفها وتبتسم ...أفكار عدة جالت بخلد ذاك الشاب ..لم تبتسم ؟لم لم تجالسه كما كانت تفعل ؟؟أراد في تلك اللحظة أن يجمع قواه ويتحدى خوفه ويعلن لها عن حبه ويبوح بما اختلج في صدره منذ ان التقى بها ذات ربيع فاتن..ولكن حدث ما أفقده توازنه وتهاوى على مقعده محملقا فلا دخل لدخان سيجارته التي أعدمها منذ قليل في المشهد الذي جسمه الواقع هذه المرة ..راقب ما يجري في ذهول وأصبح كالتمثال لولا بعض أنفاس تتردد مرتعشة لظن من حوله أنه فارق الحياة...صفعته يد الحقيقة وعليه أن يخنع لمشيئة الأقدار ..فحبيبة قلبه تنعم بحياة أخرى مع غيره ولا مكان له هنا ولا جدوى من انتظاره..نهض من مجلسه ماطا شفتيه من الغيظ وسار بين بواسق الأشجار محدثا نفسه بأنه المسؤول الوحيد على ما ضاع منه ..
نفيسة العبدلي..تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق