Translate

الأربعاء، 8 ديسمبر 2021

غريب بين جماعته بقلم / عبد العزيز عميمر


  غريب بين جماعته

_ غربة موحشة،وانقباض الصدر،يمشي داخل ضباب مخيف،تقبضه ظلمة خانقة،بخطوات متأنية إلى نفاذ قوته،وانهيار جسده،وانتظار سقوطه .
_يرمي جسده على أرض لثمها الضباب،وترك بصمة عطره،يتسمع الأصوات فلا يقبض إلا صوت غراب يبحث عن لحم لتغطيته بمنقار حاد،وبفم واسع أشتاق للقمة تحت احتكار الثلج.
_أما هو فيبدو أن الجفاف قارب على امتصاص بقية دمه ،من ذلك القلب الفاني، لم يعد يشعل كانونه،منذ فترة ليس لبخل، ولكن لقلة الحطب الذي يذيب الفؤاد ،فتذوب الذاكرة،قطرة،قطرة فتتفتح المسام ،وينطلق الشوق من فانوسه،كان ذلك أيام زمان،حينما تتفتح أكمام الأزهار وينفلت عطر بوحها،فتخرج ما اختمرته .
_ الآن برد سيبيريا يتسرب للفؤاد، رغم أنه وسط أدوات الدفء ،التي صارت معطلة معه فقط، غريب مع غرباء، شاركهم المكان والحياة.
_الغريب من لا يصلك بتيار حبه واهتمامه، ويهمشك على حائط مقبرة موحشة،وليس امتداد لسجلات مدنية مدفونة في أدراج باردة أتخذتها العناكب مبينا لها،وعششت مع صغارها.
_أعوام وأعوام وهو يشحن بطارية حبه بطاقة أعصابه وثقل حمله وصبر أيوب، وحكمة لقمان،كان يبادر باستمرار لمراقبة تيار سريانها ويتأكد من علامته الخضراء كان يسقي كل النباتات،حتى الشائكة منها استفاد الكل من ذلك! حتى الشوك !ولم لا! وهو مخلوق وفيه من الرأفة مالا يوجد عند الورد،لا يخدع شوكه ،ظاهر لا يخفيه، كان يود ضم الشوك وتقبيله وهو لا يخاف من ابره،ولو أسالت دمه ،فهي عربون محبة له،وهو غير ملام، سيتغير الشوك حتما ويصبح لينا رطبا معه،فالحب قادر على ترجيح الموازين.
غريب في غربته التي لقيها وبادلته الحب ،يستأنس بها ،يغني لها ،أحبته،ليس غريبا في غربته،ولا بين الوجوه الجديدة،تبدو جميلة مرحبة غير مستنكرة،قرأت افكاره،فعالجت وجدانه بالتماهي ورداء العطف، كبر في نظرهم وصغر بين جماعته،
_ مر يسبب الغثيان ويدعو لتكسير كل ماهو امامك بقبضة مضرجة بدم صارخ لناكري الجميل،وهو الذي أوقفهم وعلمهم الحرف وسلوك الحضارة،فشبوا وشبعوا ،والحمار إذا علف نهق فبانت بردعته،وفر جلد الأسد الذي خوف به،وأكل به الحشيش وعلف الشعير.
_كل هذه الأفكار وأخرى مستعصية على الترجمة سالت على نفسه وروحه،وفتحت له سجل المآسي ،كان يريدها ، مرت شريطا متسلسلا ،بأدق التفاصيل،كل جرح لا يبرح مكانه حتى يخلفه جرح أكبر منه،ويقلب الصفحات،ويغلبه الدمع،وكلما زاد صفحة كبرت الدموع،وتحولت لكرات كبيرة تلمع تبرق تحت الضوء وكأنها تتعمد ذلك ليتعمق جرحه ويحفر أكثر تربة الذاكرة ،خوفا من النسيان،لا تستغرب ! من هنا نبتت غربته!،أحيانا يشك في فضائه وزمنه،ربما هو من فصيلة أخرى،او حقبة ماضية مردومة تحت جدار الزمن المنهار،لا يشرحه إلا صاحب نظرية النسبية.
_ تنهد وأخرج من جيبه سيجارة شعلها،فعانق دخانها الضباب الذي كان ينتظرها،أفرغها بقوة وعصبية ظاهرة،غطت وجهه وعينيه،آه يشعر بالراحة تعود بخجل بعد أن توارت وقهرتها الجراح،إنه يسكن الآن في سيجارته،مفعولها غذى الأعصاب فخدرها فبانت تعبانة ،نظر الساعة ،الحال قد اقترب والأشعة الأخيرة تودع ،بلون برتقالي مائل للحمرة،سيرتاح الليلة في كوخه حتى يمتزج بالطبيعة ،وستقبل توبة ابنها الضال
الذي خدعه بريق اللون وعسل الكلام،سيعود لأمه فهي الوحيدة المسامحة،وتقبل برجوع طفلها،وتضمه لصدرها وتشعره بحنانها وتتقد مرة أخرى جمرته،فيحمر خداه ويرى فيهما بروز تفاحة قرنفلية تتلألأ ،فتكون هالة ويشعربفتوة العشرين.
* الكاتب الجزائري :. عبدالعزيز عميمر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة