Translate

السبت، 8 يناير 2022

ضباب الزهرة الصالح/المغرب

 

ضباب
أمطرت بعد اشتياق!..أحب رائحة التراب المبلل والمشي تحت المطر، جبت كل الطرقات المجاورة، الجو يغريني كي أبتعد، لاحت أمامي مجموعة من الناس مكومة في دائرة أمام مركز الشرطة..وأنا أقترب، بدأت أسمع لحنا جميلا:
_ هذا اللحن سمعته من قبل، ولكن أين؟ ومتى؟!..
كانت تجلس على الطوار، سيدة تناهز الستين سنة..ملابسها الملتصقة بجسدها وشعرها الذي تكاد تعد خصلاته، توحي بأنها مكثت تحت المطر طويلا..لقد كانت تغني!.لا! بل تعدد:
_"يا ربي سبدي آش عملت أنا ووليدي!.. ربيتو بيدي وداتو بنت الرومية، ولدي أنا..."
أحفظ هذه الكلمات عن ظهر قلب..كانت نساء البادية في المواسم والأعياد يجتمعن في منزل إحداهن، فيساعدنها في التنظيف وصنع الحلوى في جو من المرح والفرح، يحكين عن أنفسهن، أزواجهن، وأبنائهن في الغربة، وفجأة تستسلم إحداهن للبكاء وكأنها تثير الأخريات فيبدأن في ترديد هذه الكلمات ويصاحبنها بالدموع...
وضعت يدي على كتفها:
_ سيدتي، احتمي من المطر، سوف تمرضين!
لم تجب ولم تحرك ساكنا.. الناس من حولها كل يتمتم بما يصوره له فكره؛ فيظهر ضابط الشرطة ويناديها..تمسك بيدي وتنظر إلي باستعطاف كي أرافقها للداخل..يسألني الشرطي من أكون، فتجيب هي:
_ قرببتي.
_ اجلسا هنا!.. ويشير إلى كرسيين خشبيين في الباحة العريضة التي تتوسط المكاتب.
أجلس بجانبها مستغربة، كيف يسمح لي بمرافقتها إلى الداخل!..أنظر إليها فأحس أنها بدأت تستجمع قواها.. تطلب مني ألا أرحل حتى ينتهي استجوابها؛ فأومئ لها بالموافقة!.
وكأنها تقرأ مايجول بخاطري، تسترسل:
- يطاردني هؤلاء الأوغاد منذ أسبوع، يتبعون خطاي أينما ذهبت، يأتون إلى بيتي دون سابق إنذار، فيبدأ العميد في الشتم والسب، بينما يقلب الضباط البيت أسفله على أعلاه وأنا أنظر خائفة مرعوبة من دون حراك..عندما لا يجدون مايبحثون عنه، يأتون بي إلى المركز، وهنا توضع نفس الأسئلة وأجيب أنا بنفس الأجوبة.
_ وماذا يريدون بالتحديد؟
_ يطرحون أسئلتهم المعتادة "من أين لك هذا؟" ويبحثون عن دليل يوصلهم إلى ابني القاطن بالخارج والمتزوج من امرأة (رومية ) أوروبية، ( تبتسم ابتسامة ساخرة) والذي لا أعرف عنه شيئا منذ أربع سنوات! حين ينتهى الاستجواب، أجر رجلي في تعب ووهن.. في الخارج أسمع همهمات العسس: "إنه إرهابي! لا بل تاجر مخدرات! أظن أن له يد في مقتل فلان..." وهكذا أعيش في كابوس لا أدري متى سينتهي؟ ولا كيف؟!
أربت على يدها، فتتنهد تنهيدة عميقة.
يسود الصمت، إلا من حركة الموظفين المتنقلين من مكتب إلى آخر.
الدقائق تمر ببطء، والجو رغم برودته يزيد اختناقا..يتضامن الخوف والبرد ليصيبا جسدها برعشة قوية..
أخيرا يظهر الضابط:
_ يمكنك الرحيل، ولا أريد أن أراك هنا ثانية (يقولها بنبرة حادة وكأنها متهمة)
تقبض على ذراعي بيدها المرتعشة وتحاول النهوض لكنها لا تستطيع..تنظر إليه بعينيها المرعوبتين، وبصوت مبحوح خافت:
_ و والاستجواب!.. وابني!.. وجدتم...؟
_ كان مجرد تشابه أسماء!
الزهرة الصالح/المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة