Translate

السبت، 8 يناير 2022

حديث المساء بقلم /رعد الإمارة /العراق /بغداد

 حديث المساء

كنت قد أنهيتُ واجباتي المدرسية للتو، فكرّتُ بأن اطرد بعض الملل عن ملامح وجهي، ما أن فتحتُ نافذة غرفتي بحثاً عن شيء من نسيم الليل البارد حتى أطلَّ القمر بوجهه المدوّر الشبيه برغيف الخبز البلدي، حقيقة فاجأني الأمر حتى أني تراجعتُ قليلاً للخلف، سمعته يتنحنح قبل أن يقول بصوتٍ ناعمٍ أخاّذ :
_أوه، هل أخافك ظهوري المفاجئ؟ كان بودي الانحناء أسفاً لذلك، لكن حتماً تعرفين القمر لاينحني قط ! أنه فقط يبتسم هكذا. مددتُ رأسي وشعرتُ بوجنتيّ تتوردان، كانت أبتسامة القمر من أجمل مايكون، قال :
_كنت قريباً من هنا، حين جَذب انتباهي منظر وَجهكِ الوسيم وهو يطلُّ من خلال النافذة، فكرتُ بأن القي سلاماً قمرياً فحسب. قلت وأنا اضمُّ يديّ إلى صدري :
_غرامكم لاينتهي أنت والشمس النبيلة، أنظر لقد كَستْ جسدك كلّه بنورٍ وهاّج. تراجع القمر للخلف وكأن أفعى لدغتْ وجنته المحمرة ، قطبَ حاجبيه وقال :
_وما شأن حديثنا بالشمس، أنه أنا من يطلُّ عليكِ بكل عذوبة، أم أنكِ تريدين الشمس لتشوي ملامحك الطرية هذه . ابتلعتُ ريقي، كان القمر يبدو غاضباً، أخذ يرمقني بطرف عينه، لم أفهم بماذا كان يتمتم، أشارَ بأصبعه نحو شهاب كان يلمع قبل أن يتوهج وهو في طريقه للسقوط، قال :
_انظري جيداً، هل رأيتٍ كيف تهوي النجوم، برغم لمعانها ليست سوى حجارة سوداء متفحمة، أما أنا - ضربَ بيده على صدره- فوجودي أبدي حتى قيام الساعة . كدتُ أقول له، أنت أيضاً جانبك مُعتم، بل كلك مُعتم لولا فضل الشمس عليك بنورها، كلماتي لم تتجاوز سقف حلقي، القمر بدا ضخماً وهو يهزُّ كتفيه أمامي، اخافني منظره المنير، كان قاسياً برغم جماله الأخّاذ. كان نجم سهيل في طريقه صوب مكانه الأثير حين ناداه القمر، قال :
_تعال ياصديقي ، اقتربْ هنا. دنا النجم الخجول ، كان بهياً وهو يقف غير بعيد عن القمر، قال هذا الأخير وهو يضع يده الضخمة المضيئة حول كتف النجم المرتبك :
_خبرني يا عزيزي عن الليل وسحره، هل كان سيصبح كذلك لولا وجودي وبعض النجوم المتناثرة حولي؟. قال نجم سهيل الشاب ووجهه يكاد يتضرّجُ احمرارا :
_نعم سيدي فعلاً، فأنت سلطان الليل بدون منازع، أنا ورفاقي النجوم نكاد نحسدك على شدة جمالك الباهر. أخذ القمر يضحك وقد انتفختْ أوداجه، راح يهزُّ رأسه، لكنه فجأة كفَّ عن ذلك والتفت صوب نجم سهيل وقال له :
_تصوّر يا صديقي، أن هذه البنت - أشار صوبي - تقارن بيني وبين الشمس، تقول بما معناه أنها الكل في الكل. بدا نجم سهيل شاحباً وهو ينظر لي محدقاً، وكأنه يقول :
_ما هذه الورطة يافتاة، ألم تجدي غير القمر لتغضبيه. خيّمَ صمت لم يستغرق سوى لحظات، أدار يده المضيئة القمر، حول نجم سهيل المرتبك وقال :
_لاتخجل من قول الحق يا عزيزي، لكن بربّك هل تستطيع النظر في وجه الشمس كما تفعل معي، هل بوسعك الاقتراب هكذا منها؟ كل شيء في هذا الكون يهرب منها، كل شيء، حتى هذه البنت اللطيفة. استدار صوبي وواصل قوله :
_هل بوسعك الصمود في وجه الشمس؟. لم أستطع سوى أن أهزَّ رأسي، وجدته عنيداً، لكن كان في منطقه بعض الصواب، أشرق وجهي كدت أقول أنتَ الأفضل، حين قطع خلوتنا صوتٌ عميقٌ وقوي، كان الصوت هادراً حتى أن القمر ارتدَّ للخلف وهو يهتز، أخذ نجم سهيل يتراجع للخلف وقد اكتستْ ملامح وجهه بالذعر، قال :
_أنها الشمس، أعرف صوتها الهادر، لكن سيدي القمر كيف حدث الأمر، هي تشرق في النهار، ونحن كما ترى في الليل!؟ . قَطعتُ الصمت الذي خيّمَ للحظات، قلتُ بصوتٍ متردّد :
_الشمس لاتغيب، هي فقط تذهب لمكان آخر، تشرق هناك وتبث الدفء، بوسعها أن تسمع كل شيء . تنهد القمر، قال وهو يتراجع للخلف ويعلو صوب كبد السماء :
_أظنُّ معركتي خاسرة مع الشمس، كيف سَولتْ لي نفسي العبث ولو للحظة بنظام الكون؟ طيب يابنت وداعاً، كان الحديث لطيفاً معك. أغلقتُ النافذة، رحت أكلّمُ نفسي:
_يا إلهي، من يصدق ان القمر كان هنا، اوه، مازلت أرجف من هول الموقف، ربما لو نمتُ سيختفي كل ذلك، طيب سأجربْ. (تمت)
بقلم /رعد الإمارة /العراق /بغداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة