Translate

الجمعة، 7 يناير 2022

فنتازيا ألالوان هيثم محسن الجاسم / العراق


 فنتازيا ألالوان

منذ عدة أيام ، تصبغ العاصفة الرملية الفضاء بلون أصفر غامق ، أوصتني زوجتي أن أشتري ستارة للنافذة . في المعرض ، وقفت أتأمل ألوان الستائر من اللون الفاتح إلى اللون الأدكن ، أي من الأبيض والأصفر إلى البني مرورا بالأزرق السمائي والأحمر الماروني والأخضر والشذري والذهبي وألوان اخرى مجتمعة في ستارة واحدة موزعة على القماش بأشكال عديدة وخطوط وورود وحيوانات وأشكال هندسية ، دوائر ، مستطيلات ، مثلثات ومربعات ...هذه ليست المرة الاولى التي كلفت بها بشراء ستارة ، ولم ألتزم بلون معين في كل مرة ، هذه المرة لم أتوقف طويلا أمام الستائر المقلمة بالألوان التي احب ، بل توقفت أمام ستارة خطوطها متعرجة كالأفعى ، مرسومة على خلفية بنية اللون مثل صحراء مجدبة .تذكرت أن زوجتي أرادتها من القماش السميك حتى تمنع الغبار من الدخول وتقي الأجهزة والافرشة والصور من الغبار المتراكم صباح هذا اليوم كنت مضطربا ، معبأ بالضجر ، سئمت التطلع طوال النهار إلى البضاعة المتكدسة في دكاني ، وخلو صندوق الدخل من الاوراق النقدية ، وعجزي عن تسديد النفقات المتزايدة للأسرة من جراء الأخبار التي تترى عن قرب اندلاع الحرب وأستنزفني شراء المواد الغذائية والوقود لتلافي المأساة الناتجة من ان تطول الأزمة . جشع التجار رفع الأسعار لما فوق قدرتي أضعاف المرات ، هذا الاستنزاف أشعل أتون الحرب في داري وكياني قبل وقوعها بالفعل .-أرجوك ، اقطع لي ستة أمتار .تأملت زوجتي الستارة بأستغراب وذهول ثم حدقت بوجهي وسألت بتعجب ظاهر :
- من أختارها ، أنت ؟
أجبت فورا : أنا .. أنا .
أنتصف النهار وأزداد لمعان رمال العاصفة ، وأكتحلت الوجوه بصفرة باهتة ، بدأت الزوجة بفك طيات الستارة ، وشدت من جهة تاركة الجهة الأخرى كي أحملها إلى النافذة . أصطبغت الغرفة بلون أصفر زاد من صفرة الوجوه والأشياء والفضاء وأحسست أن الخطوط المتعرجة ثعابين تتسلل إلى أرضية الغرفة ، أثارت الفزع والخوف في نفسي ، تقلص جسدي وأقشعر من دبيب الافاعي وأنفلتت الستارة من أصابعي على الارض ، وترنحت على الاريكة صائحا بزوجتي : سأعيدها إلى المعرض. شعرت أني أتقيأ أحشائي وصحت بصوت حاد : أزيليها بالله عليك. نظرت لي باستغراب تام واحتارت بأمري ، سكتت وجمعت الستارة من الأرض وأعادتها إلى كيس النايلون اللدن .عصرا سمعت نشرة الاخبار عبر المذياع قبيل مغادرة المنزل إلى السوق ، أهم خبر في النشرة ، أن الاصوات التي تشجب الحرب في أوربا وأمريكا أقتربت من جدران البيت الابيض فخلفت شقا بين الامم المتحدة والحكومة الامريكية ، حتى يرتق هذا الشق لابد من مرور شهور حتى يلتئم . دبت النشوة في بدني وزادها ألقا ، الاشراقة المتلألئة على وجوه الناس . فانبسطت روحي ، أعدت الستارة إلى المعرض وأخترت اخرى. رجعت إلى البيت عند المساء ، أستقبلتني زوجتي عند الباب ، تناولت الكيس المنتفخ بقطعة القماش . فرشت الستارة على الارض وأبتسمت ثم طلبت مني حمل طرف وسحبت الطرف الاخر وسارت به نحو النافذة ، لقد أنشرحت نفوسنا من اللون السمائي الصافي وتلألأت النجوم الكبيرة المرصعة للستارة ، وتحرك الأزهار المتفتحة المطرزة للحافة السفلية المتدلية .سعدت لأن زوجتي سرت بمطابقة الستارة للمواصفات المطلوبة التي أرادت .وتساءلت : من اختارها ؟ أنت ؟ قلت وبثقة : أنا .. أنا .
قلبت رأسها إلى اليمين والى اليسار وهي تنظر في عينيّ . وقالت : تأكد لي ، أنك مضطرب، وتحتاج إلى الراحة ، ولابد أن تبتعد قليلا عن البيت وتتخلص من حلقة الروتين الخانقة . واقترحت أن نقوم بسفرة للأستجمام .. فوجدت أن الفكرة رائعة فأومأت موافقا .
هيثم محسن الجاسم / العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة