Translate

الجمعة، 13 مايو 2022

(التحقيق) قصة قصيرة بقلم / سامي نعسان آغا - سوريا


 

قصة قصيرة (التحقيق)
لم تكن سعاد تحلم بأكثر مما تحلم به الفتيات في سنها. العريس والشقة التي تجمعهما. غير أنها أحيانا تفكر بعد أن تتزوج، بترك عملها في أحد محلات الألبسة الجاهزة في سوق الباله، (سوق الألبسة الأوروبية المستعملة). بالطبع من حق كل بنت بلغت سن الزواج أن تفكر بهذه الطريقة، ولأنها بلغت من العمر 25 سنة، منذ أسبوعين، ولم يتقدم لخطبتها أحد، مع أنها على قدر لا بأس به من الجمال، فقد كانت دائمة القلق والتوتر، ولم تكن تشكو أو تتذمر من وضعها لأن الحياء يمنعها.
مساء يوم الخميس.
مساء يوم الخميس بعد وصولها من عملها بنصف ساعة دُق جرس الباب، ولما فتح أخوها الصغير وجد رجلاً يطلب سعاد بالاسم، أسرعت أمها تستطلع الأمر، وجدت أحد عناصر الأمن يطلب حضور سعاد إلى مكتب التحقيق صباح السبت.
عند الساعة التاسعة من صباح السبت دخلت سعاد المكتب وغادرته الساعة الثالثة والنصف عصراً، مع وعد بالحضور حين يتم استدعاءها مرة ثانية. أخبروها أثناء التحقيق معها أن جهاز الموبايل الذي تحمله كان بحوزة أحد المطلوبين، وأن مكالمات صادرة عنه بصوتها. لم تخبرهم سعاد أن ابن خالها ترك لها الموبايل حين غادر البلاد متسللاً عبر الحدود. لم تكن وقتها تعلم عن نشاطاته.
يوم الإثنين.
يوم الإثنين بعد العصر، حضر شابان على وجهيهما ترتسم ملامح جادة يتلفتان يميناً وشمالاً، ويشير أحدهما باتجاه مبنى قريب منهما. دخل الشابان دكان أبو عبدو البقّال، الذي يقع قرب مدخل المبنى الملاصق للمبنى الذي تسكن فيه سعاد. سألاه عن والد سعاد، عن تحصيله العلمي، ماذا وأين يعمل، كم أخ لديها وما أعمارهم وماذا يشتغلون، وعن وضعه المادي. حرص أبو عبدو، (الدكانجي، كما يسميه أهل الحارة)، أن يرد على أسئلتهما من غير تردد وألا يخفي عنهما شيئاً. قال في نفسه، هم يعلمون كل شيء عن كل إنسان، وأنا لدي أسرة، فإذا أخفيت عنهم معلومة قد يأخذوني (لا سمح الله)، حينها تموت أسرتي من الجوع.
لدى عودة والد سعاد إلى بيته من عمله في بيع الفطائر على الصاج، على الكورنيش الجنوبي، استوقفه أبو عبدو البقال وأخبره بالتفصيل عن المحادثة التي دارت بينه وبين الشابين. أطلعه على مخاوفه منهما، وأنه لم يرتح لمظهرهما، وأنه غير مطمئن لهما. لقد أقلقته أسئلتهما الكثيرة.
لم تنم الأسرة تلك الليلة. فالخوف والقلق والشعور بالظلم، مشاعر تدفع بالإنسان إلى تخيل أسوأ السيناريوهات التي من الممكن أن تحصل له، والتفكير بها لوحده يدفع بالبعض إلى الجنون. راح يفكر بالذي قد يصيب ابنته أو زوجته التي تشكو من السكري وضغط الدم، أو ولديه وقد ضاع مستقبلهما. راح يتحرك في الغرفة بعصبية ظاهرة، وقد سيطر الخوف على تفكيره، بل أصابه بالشلل. ثم قرر قرارا لا رجعة فيه.
جمعت الأسرة من الحاجيات الضرورية ما خف حمله وغلا ثمنه (كما يقال)، وإن يكن ما جمعوه لا قيمة له أمام عظمة المصيبة، وضعوها في حقائب صغيرة وغادروا البيت مع بزوغ الفجر. سعاد وأمها مع أبيها وأخويها الصغيرين، أحمد 12 سنة، وعماد 9 سنوات. وصلا الحدود السورية ـ التركية والخوف يأكل قلوبهم جميعاً. الآن سوف يقبضون علينا ويسوقونا إلى السجن جميعنا، حياتنا دُمّرت وانتهت. كان أكثر ما يؤرقه، ويؤلمه بنفس الوقت، خوفه على زوجته، إذ كيف سيكون وضعها الصحي في السجن.
***
تنفس الجميع الصعداء، بعد أن غادروا معبر كسب الحدودي، إنهم الآن في أمان، إنهم الآن داخل الأراضي التركية حيث لا خوف بعد الآن.
***
في نفس اليوم مساءً، حضر أحد الشابين إلى دكان أبو عبدو البقال، ترافقه سيدة متقدمة في العمر، تبدو أنيقة وإن كان مظهرها الخارجي ليس عصرياً تماماً، ولا يدل على أنها في وضع مادي مريح.
ـ مرحباً عمو، تذكرتني؟ حضرت البارحة أنا وصديقي وسألناك عن بنت أبو أحمد، سعاد، التي تسكن في تلك العمارة، (وأشار بإصبعه باتجاه بيت سعاد). لم نجد أحدا في البيت، هذه أمي وقد جئنا من أجل خطبة البنت، لأنه حسب ما أخبرتنا أنت عن الجماعة، وجدت أن وضعهم من وضعنا، ويقول المثل: (يا اللي مثلنا تعالوا لعندنا)، والبنت (الله يسترها)، أنا كنت متابعها ومراقبها، الشهادة لله هي بنت محترمة، بنت ناس محترمين، مترباية أحسن ترباية، راسها والشغل، ما تتمايع عالطريق مثل بعض البنات. لما حكيت لأمي عنها قررنا نأتي اليوم لنطلبها ونتفق مع أهلها على الخطبة والمهر وخلافه.
***
يقول الجيران أن آخر ما سمعوا من أخبار الأسرة، أنهم ينامون في العراء في البرد القارص، عالقين على حدود المجر منذ أكثر من أسبوع.

سامي نعسان آغا، سوريا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة