الشرنقة
مازالت تلك الفوضى العارمة من الضوضاء والغوغائية الكبرى، تطارده بقوة وقسوة وعنف.. تحاصره بشده وتحد أينما وجد مقتربه منه شيئا فشيئا بعناد شديد وإصرار بشراسة وإنتقام، منذ سنوات ليست بعيدة.. فلم يعد مستريح البال والخاطر حتى في جلسته المؤقتة بشرفته العلوية.. فقام بعمل ستارة تحجبه عن الآخرين..لم تفلح الفكرة فغيرها إلى عمل زجاج.. متعدد الأشكال والألوان والزخارف الملونة.. ولكن الوضع ظل كما هو يزداد ويتفاقم ويشتد.. ومازالت تلك الأصوات المحيطة المزعجة ترن في أذنيه بقوة وتزداد إقترابا منه.. يوما بعد يوم، كالحية الرقضاء.. فاضطر منسحبا إلى الداخل.. أغلق عليه حجرته بإحكام شديد.. ومازالت تلك الأصوات النشاذ تطارده متسللة إليه في رعونة وصخب.. تتعدد وتتزايد.. منتشرة كالرماد في الهشيم بإختلاف أنواعها.. تلاحقه أينما وجد وفي أي مكان.. فأضطر للدخول داخل شرنقة كدودة القز تماما محاولا أن ينسج خيوطا من حرير وديباج لعزل وكتمان الصوت تماما ولكنه عجز وفشل عن نسج وصنع تلك الخيوط الحريرية الملساء الناعمة جدا المتماسكة.. فاضطر لصنع نفايات من النابالم واليورانيم المشع كمواد محرقة.. لينفث بها جم سمومه التي مازال يستنشقها يوميا منذ سنوات بالكربون وحتى الآن.. من تلك السيارات المتعددة في شكل شظايا مشعة أو قنبلة ذرية لإرسالها إلى العالم كله بقدر تنفسه وتشبعه بإستنشاقه منها تماما حتى رئتاه الممتلئ، وقلبه بتلك السموم المدمرة مع بقيه جسمه المشع المتلألئ بالآلآم والأوجاع والآمال البعيدة.. حتى أصبح الآن كمحمية صناعية كبرى ضد الفناء والموت القريب والإندثار، عبر الأزمان القادمة والغامضة جدا.
أحمد التهامي / مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق