الكابوس الوردي
كان عائدا إلى منزله بعد أن أنهى عمله في كازية الشمال بالكاد استطاعت خطواته أن توصله إلى غرفة نومه ليرتمي في فراشه دون أن يغتسل على غير العادة ، ذلك أن التعب كان قد بلغ منه أشده ولم يعد قادرا على الحراك
ولم تمض نصف ساعة حتى كانت قدماه تتحرك ببطء ثم أخذت حركتهما تشتد شيئا فشيئا
أما جبينه فقد أصبح مبللا بالعرق
كان يعيش في تلك الليلة واحدا من أسوأ كوابيس حياته بل لربما كان أسوأها على الإطلاق
استيقظ لاهثا في الساعة الثانية فجرا ، استغرق بعضا من الوقت ليدرك أن ما رآه وسمعه لم يكن حقيقيا
حمدالله على غير عادته ومد يده نحو إبريق الماء على الطاولة كانت يداه لا تزالان ترتجفان حتى أنه سكب نصف الماء على الأرضية
وعاد ليندس تحت غطائه وهو يقرأ المعوذات
في اليوم التالي تكرر الحلم ذاته
واستمر الكابوس دؤوبا على زيارته طيلة الأسبوع الأمر الذي اضطره للتوجه نحو طبيب نفسي ، بالرغم من عدم قناعته بمثل هذه الأمور لكن الوضع كان قد خرج عن سيطرته ولابد له من أن يبحث عن حل
في العيادة أخبر الطبيب بتفاصيل تلك الكوابيس
حيث كان يرى في كل ليلة بأنه قد تحول لكلب وبأن صوته بات نباحا واضحا
وكان لسانه قد أصبح أطول ولعابه يملأ المكان حين يشاهد طعامه الذي أصبح يوضع في إناء خاص
أما رقبته فقد كانت محاطة بطوق أسود اللون ينتهي بسلسلة معدنية طويلة
لكن الغريب في الأمر أن الناس جميعا كانوا يعرفونه ويتعاملون معه على هذا الأساس
حتى أنهم كانوا يستطيعون فهم نباحه بدقة متناهية
لم تستطع الأدوية التي وصفها له الطبيب أن تخلصه من تلك المعاناة فاستمر الكابوس يراوده ولكن بوتيرة أقل
وفي كل ليلة من تلك الليالي يكون جبينه المرصع بقطرات العرق دليلا على أنه ينبح في مكان ما من هذا العالم
مرت عدة شهور على تلك الحالة قبل أن يقصى من عمله بطريقة تعسفية اعتباطية
فكمية المحروقات المتوفرة تستوجب ربع عدد الموظفين على حد تعبير مديره
ولحسن حظه فإن فترة مكوثه في البيت لم تطل كثيرا فقد كان أحد أصحابه ممن عرفوا بقرار فصله قد عمد على جعله يتسلم منصب ناطور في إحدى المزارع الفارهة ليؤمن شيئا من معيشته
في تلك المزرعة كان يوجد كلب حراسة ضخم من نوع الجيرمن يوحي منظره بأنه سليل عائلة نبيلة
وكانت إحدى الواجبات المنوطة له أن يتقدم لهذا الكلب بوجبات طعامه في كل يوم
كانت كل وجبة مليئة بأنواع مختلفة من اللحوم
ومرة بعد مرة أصبح معتادا على أن يخبأ لنفسه شيئا من ذلك اللحم ليتناول به العشاء في غرفة محرسه
مبررا سرقته بأن الإنسان أثوب من الحيوان
وفي الليلة الأولى التي قرر فيها كابوسه اللعين أن يزوره في محرسه الجديد
راحت قدماه تتحرك على السرير
لكن جبينه كان خاليا من أي قطرة عرق هذه المرة
وحدها ابتسامة عريضة تلك التي كان ضوء القمر يعكسها عن محياه
محمد جحم -سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق