عيون الشقاء
لمحت وجهي في المرآة لم أعرفني
غزى الشيب شعر رأسي ولحيتي
لا أظن أنني كبرت
قبل أسبوع أطفأت شمعتي الخامسة والثلاثين
لكن للشيب طقوسه الخاصة
وأنا أتأمل ملامح وجهي التي أجزم أنها ليست لي
تذكرت تعويذات أمي كنت لاأغادر المنزل إلا وقد حصنتي
حكت لي لأكثر من مرة وأنا أستمع لها بشغف أنني في صغري أصبت بالعين كادت أن تقتلني منذ ذلك اليوم الذي شاركت في مسابقة هي الأولى من نوعها ومثلت فيها مدرستي وحصدت المركز الأول
بعدها لازمني صداع حاد لزمت فيها فراشي لأيام
لم تجد المسكنات نفعا ..أشارت عليهاجارتنا أن تذهب بي لشيخ يرقي من العين يقصده الكثير من الناس
تماثلت يومها للشفاء لكن ذلك الصداع يزورني بين فترة وفترة
قال الشيخ أن العين التي أصابتني قوية
زاد قلق أمي فقد فقدت اثنين من أخوتي بمرض الصرع الذي كان بدايته صداع
كانت تجزم أن سببها العين فكلاهما كانا يتميز بذكاء يشد الانتباه من حوله
لم اتذكر تلك الحادثة إلا أن أمي مازالت حريصة على مسح رأسي بزيت الزيتون وتقرأ علي المعوذات وأدعيتها التي تهمهم بها
مما جعلني معرض للسخرية بين أخواتي
فيهمزن ويلمزن:
أماه وحيدك هذا ليس لها جمال يوسف حتى تخافين عليها
فكن يغضبنها فتخلع نعلها وترميهن بواحدة تلو الأخرى
فاسمع ضحكاتهن من خلف الباب
أحمد هل تستترك هذه المرآة لصاحب المنزل
هاه،لا سنزلها حالا
ـ يعز علي مغادرة هذا المنزل فقد ولد فيها محمد وسارة
تبا للجشع
ـ لا عليكِ ياعزيزتي سنقطن منزل آخر ربما أوسع منه
ـ ستصبح المدرسة بعيدة أكثر عن الأولاد
ـ سأدبر الأمر
تلك الحقيبة أحملها بحذر
ماذا بداخلها
أشياؤك
شهائدك وأوسمتك
حرصت أن تكون لها حقيبة خاصة
اغتصبت ابتسامة باهتة وبلعت عبرتي
سيكون لك شأن يا أحمد لقد تخرج على يدي من هذه الجامعة الكثير من الطلاب لكني لم أصادف أحد بمثل نباهتك وذكائك
لست أنا من يمدحك الجميع يتحدث عنك
أثق أنك ستصبح مهندس يشار إليه بالبنان
أحمد!
أين شردت؟
هاتفك يرن بين يديك
فتحت الخط:
ـ المهندس أحمد
ـ نعم، معك
هل وجدت عملا ؟
للأسف لا مازلت عاطلا
لقد وجدت لك عملا
حقا!
تعال غدا
- هل أصطحب مؤهلاتي الجامعية؟
لا داعي لذلك
العمل الذي لدي لا يحتاج كل هذا
خذ هذه القفازات تحمي يديك من الاسمنت
وهذا الطوب يجب حمله إلى الدور الثاني
كلما كان العدد أكثر كان أجرتك أكبر ..
اعتدت على العمل رغم مشقّته
أول يوما من مزاولتي للعمل ناداني المشرف بالمهندس
رد أحد العمال
كلنا هنا عمال بناء من هذا المهندس الذي بينا
ثم أردف باستهزاء:وأنا كذلك دكتور
ضحك الجميع
في اليوم الثاني ربطت شهادتي في عنقي
وبدأت أسلم عليهم واحدا تلو الأخر
حتى وصلت إلى ذلك العامل
همست له :انظر خريج كلية الهندسة أنظمة حاسوب
ثم هززت كتفه وأردفت:وزيدك من الشعر بيت الأول على دفعتي وهذه شهادة بين عدة شهائد في حوزتي
طأطأ رأسه لم ينبت ببنس شفة
لم يصدق العمال مارأوا
بحلقت عيونهم وشدهوا
وضعتها في جواري وأكلمت عملي
في تلك الحظة داهمني الصداع فجأة
أخر مرة زرت فيها الطبيب قال أني أحتاج عناية خاصة وقد يتسبب ذلك الصداع في مضاعفات خطيرة منعني من التعرض للشمس والضوضاء
نصحني عن الابتعاد عن التوتر والضغط النفسي
أخذت دواء ثم تركته لكنني اليوم بحاجة لأمي لتمسح على رأسي بيديها المرتعشتان وتنفث دعواتها التي تشعرني بالأمان
عند عودتي ذهبت لزيارتها دعوت لها كثير
وبللت قبرها بدموعي
خاطبتها:كنت دائما تحصنيني من عيون البشر فلم تصبني بعد تلك العين عين
ونسيتي ياأماه أن للشقاء عيون.
أوسان العامري/اليمن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق