Translate

الاثنين، 13 يونيو 2022

الوهم بقلم / محمد سعيد حسن - سوريا


 الوهم

بقلم / محمد سعيد حسن - سوريا

جلس كعادته على كرسيه الهزاز وبين كل هزة وهزة تنهيدة ألم وحزن ومن مكانه المعتاد ينظر محدقا بلهفة المشتاق إلى الطريق... متنهدا بحسرة الولهان، وما أن يتمكن من شهيقه حتى يبدأ بالسعال والكحة التي تطول لوقت طويل ، فيتناول علبة الدواء الموضوعة بجانبه بيد يهتز كما تهتز ورقة التوت في فصل الخريف، فيتجرعها بعصبية بالغة .
يهدئ بعد لحظات ، بعد تدفق سريان الدواء في جسمه المنهك المتعب فيغرق في سبات عميق من دون حراك يبدو للوهلة الأولى كأنه من أهل المقابر، تتوجس من رؤيته فتحيد نظرك عنه .
هذا حاله كل يوم وروتين حياته ، يقضيها في شرفة منزله وعيناه على الطريق ...
لا أحد يطرق بابه ،لا ضيف يزوره ، وحيدا على شرفته لا نديما له ولا صديق إلا ما يجتره من أحزان والذكريات المؤلمة وخاصة بعد وفاة زوجته التي كانت له السند والمؤنس في حياته ، حزنا وألما ولعدم قدرتها على تصديق ما حصل .وسفر ابنته إلى بلد يؤمن لها الأمن والأمان من جهة أخرى، والحدث الأكثر ألما وحزنا والذي جعل قلبه ينفطر ،اختطاف ابنه ذو العشرين ربيعأ في يوم ماطر سمع ضربات خفيفة على زجاج نافذته، ضربات هطول حبات المطر وامتزاج هذه الضربات بضربات قوية على بابه وتشتت خيالاته بين الواقع والخيال وبين ما كان يسمعه في المقهى من أصحابه عن أحداث وعن حالات الخطف والسلب ،ولم يصدق ما جرى في تلك الليلة الماطرة من أمور حيث امتزج الخيال بالحقيقة باشتداد زخات المطر على النافذة وصراخ الأم وابنتها ونحيب الأب وحشرجته ، كسر الباب ،دخل عليهم أربعة أشخاص ملثمين حاملين مسدساتهم وانتشروا في البيت وشدوا وثاق الابن ووضع أحدهم عصابة على عينيه بينما الآخرون منعوا الأب والأم من الاقتراب .
وانتهت كالصاعقة على قلوبهم ومازال يسمع صوت الرعد، والبرق يخطف الأنظار بين الفينة والأخرى في الخارج وتشتد ضربات حبات المطر على النافذة ، انتهى كل شي ،توقف المطر فجأة بعد سقوط الأم مغمية مع اشتداد بكاء وصرخات الابنة وذهول الأب والذي بدا كالمصعوق .
مر على تلك الحادثة خمس سنوات ومازال الأب يجلس على كرسيه منتظرا عودة ابنه .
وحيدا في زاوية النسيان ينظر إلى اللازورد يحلم به و بابنته التي ركبت البحر إلى بلاد تشعر بالدفء والارتياح .
يترآى أمام عينيه عودة أولاده وزوجته فيستيقظ من نومه فجأة على ضربات قوية على بابه يذكره بيوم الحادثة فيقوم مذعورا ولكنه يسمع صوت جاره أبو أيوب يناديه فيتجه ليفتح الباب ،
سمع ما قال له جاره وأصبح يتمتم إن شاء الله يكون الخبر صحيحا ،ويردد كلمات جاره " ابنتك قد تزوجت وأيضا رزقت بابنة وهي وزوجها سيأتون لزيارتك قريبا في العيد ".
يبتسم بحزن ومرارة ، يكرر ما قال له جاره غير مصدق بين الحين والآخر : " سيأتون لزيارتك" .
ينظر حوله يحس بوحشة المكان لا مؤنس ولا نديم لوحدته فيشعر بانقباض في معدته لا يعرف سببا لذلك، في هذا البيت الذي بدا له كبيرا وموحشا ، ويجول نظره في كل ركن وكل زاوية من زوايا البيت .
استيقظ على أصوات تكبيرات الجوامع فانتفض من سريره متجها إلى غرفة ابنه فوجده نائما فأسرع إلى غرفة ابنته فلمحها في سريرها ، وسمع صوت زوجته " توضأ لكي لا تتأخر على أداء صلاة العيد " ذهل من الوضع ومن ما يرى أمام عينيه بقي غير مصدق لما يجري وتساءل مستغربا وهو يتمتم بكلمات شبه مفهومة محركا يده اليمنى مشيرا إلى أولاده مرة واتجاه المطبخ مرة أخرى : هل ما يجرى واقع أم ماجرى حقيقة، سقط مغشيا على الأرض لملم جراحاته و وقف أمام الباب بعد سماعه ضربات قوية لا تتوقف وهو يلمس رأسه من الألم رأى كفه محمرا من الدم سمع صراخ طفل يبكي وصوت ابنته وهي تتكلم مع أبو أيوب وصوت رجل غريب و صوت زوجته تنادي ابنه يحثه على طرق الباب بقوة . مد يده إلى قبضة الباب محاولا فتحه مع تسرع كبير في ضربات قلبه الذي يكاد يخرج من بين أضلاعه غير مصدق ، فتح الباب نظر بلهفة واستغراب يمنة ويسرة ، لا أحد أمام الباب،تمالك نفسه هذه المرة وأمسك بقبضة الباب حتى لا يفقد توازنه هبت بضع نسمات لفحت وجهه،
عاد أدراجه ،أوصد الباب واتجه إلى كرسيه الهزاز متنهدا والحزن والألم يعتصر قلبه وبدأ يحدق ويجول نظره بالمارة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة