Translate

الخميس، 23 يونيو 2022

سارق في حي التنك بقلم / عبدالله جعيلان العراق


 سارق في حي التنك

بقلم / عبدالله جعيلان

العراق

بين زحمة المتجولين بين الباعة والدكاكين.
_ أمسكوه.
_أمسكوه.
خمسة رجال، يركضون بعضلاتهم المفتولة وملابسهم السود, حاملين بنادقهم.
يضرب أحدهم صندوق الخضار صارخًا:
_أين ذهب؟
_إنه لص ماكر!
كان الخوف يسرق ألسنة المتجولين! يطأطئون برؤوسهم، يهمسون بصمت:
_من هؤلاء؟
_هم رجال الشخصية!
يفزع آخر قائلًا:
_يبدوا أنهم رجال القائد!
شيخْ يجر ذقنه الثلجي، يعمل (إسكافي)
ينادي:
_من أنتم؟
_لماذا تلاحقون الفتى؟
_أغلق فمك بأحد تلك الأحذية! وأصمت.
_مَن هنا
نادى الجزار، مشيرًا بسكينة إلى فرع ضيق ينتهي إلى حي التنك.
يهرعون خلفه.
جَرى لاهثًا وهو يعض شفتي، يحتضن معطفه؛ خشية فقدان ما يحمله، يلتفت خائفًا!
يُسرع في أحد الممرات الضيقة، قبل أن يسمع وقع أقدامهم تربت الأرض وتقترب؛ قفز إلى أحد البيوت!
شد أزرار معطفه الكحلي بسلك نحاسي، وتكور في تنور يتوسط السعف والقصب والخشب، أغلقه ودقات قلبه تتصاعد، يتمتم مع نفسه:
_أمي قلقةٌ الآن، باح الليل بظلامهِ، أخوتي الصغار ينتظرون مايسدون به أنين بطونهم! تنهد قليلًا! ثم ابتسم:
_لا أعرف! هل سأعود إلى أمي أم إلى أحضان أبي في القبر؟
بين تلك الهلوسات، دُحرج الغطاء بعنف، مع صوت يعصف بهدوء:
_ علينا أن نتحمل كل هذه الحرارة في سبيل راحتهم! ومشقة يومٌ كامل، حتى القائد لا يفعل مثلهم!
قبل أن تتجاوز يدها فوهة التنور ماسكةً بتلك الخرق، سحب كفها بقوة، طابقًا شفتيها بكفه الأخرى،
مقبلًا أسفل قرطيها، صارخًا بصمت:
_لا تصرخي!
_ أرجوك، أنهم يبحثون عني، يريدون قتلي، أتسمعين نباحهم في الخارج؟
تنظربعينها العسلية متساءلة.
يجر نفسه، ثم يتابع قوله:
_إني شابٌ لأرملة وأخوين يتامى, خلفكم بشارعين في نفس الحي!
تومئ برسها موافقة. ينكث شعره ويخرج ما في جعبته ملفوفًا بخرقة قائلًا:
_هل لك أن توصلي هذا؟
_لا تأخذيه يا ابنتي، إنه سارق!
صوت خاطف لعجوز شمطاء، يبتعد بفراسخ من القُبل، أخترق الخوف، أشار لها بالصمت يائسًا، لكنها علت بعويلها:
_سارق!
_سارق!
_أنقذونا!
هم قدماه ناجيًا، قفز للممر الخلفي، قبل أن يولي هاربًا؛ تعلقت أذيال معطفه بكفوف وحشية، وصوت صاخب:
_أمسكته، أنه هنا، أسرعوا.
_يا الهي، لقد انتهى أمري!
أحاطوه بقهقهات عالية، ذقن أجلح، وقطرة قير تتوسط شفاههم العليا (كهتلر)
في صباح مشمس إلا في عينه! انحنى وذراعاه إلى الخلف وشعره الأشعث، بملامح ملطخة برماد التنور.
بين جدران القاعة، يتوسطها كرسي القائد....! بدخان سيجارته الذي يخفي ملامحه ونظارته السوداء، وخلفه رقم قائمته الانتخابية ورجاله، دخل القاضي بقيافته المعتادة وحقيبته.
حضر المتملقون والحاشية في أذيال القاعة.
ضرب القاضي مطرقته قائلًا:
_ما أسمك أيها المتهم؟
_عمر علي
_ هل تعلم إن القائد انقطع عن الرب؛ لأنك سرقت سجادته ومسبحته؟
_من أنا؟!
_أحضروا الشاهد.
دخل الجزار بسكاكينه وقف ثم قال:
_أنا رأيته!
_لقد ثبتت عليك التهمة!
برأس شاخص وعينين بيضاوين صدح :
_هل يعلم القائد بسرقته لنا منذ سبعة عشر عامًا، لقد سرق حقنا وحق والدي الشهيد!
رمى سيجارته ثم قال؟
_أنا أحرسكم طيلة هذه السنين.
ضرب القاضي بمطرقته قائلًا:
_حكمت المحكمة بالإعدام!
أسدل نظارته قليلًا؛ ليقول:
_ماذا تقول أيها المستشار الديني؟
بعمامته البيضاء ومسبحته الخضراء، يداعب ذقنهُ الكحلي الطويل قائلًا:
_السارق تقطع يده!
قهقه القائد عاليًا، رمق المستقبل لبرهة ثم قال:
_تمهلوا، اقطعوا أصابعه إلا سبابته البنفسجية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة