نوافذ الريح
تندفع ريح عاتية، على وجهي لطمات متتاليات، وفي السماء أفاع نار تشتبك في عراك مرير!
دوي عنيف، زخ مطر شديد، أهرع صوب غرفتهما، يركلني ذات الحوار البغيض، والذي أفزعني مرارا أواخر ليالٍ سالفات.
:-قلت لك ألف مرة إنك لم تعد قادرا على فعلها!
فيرد متوسلا
:-مرة أخيرة أرجوك!
:-أفٍ! أنت لاتطاق!
وتندفع خارجا، فيبدو هو كجرذ مبلول يجلس على طرف السرير شبه عارٍ، منحيا ضاما رأسه بين كفيه.
لم يتبق من تلك الليلة في ذاكرتي سوى صورتي منكبا على دفتر ملاحظاتي...
.............
الدكتور:-وكيف حصل ذلك؟
:-في تلك الليلة الماطرة الفيت باب غرفته وشباكها مشرعين، وبينما كانت أذيال الستارة تضربه على وجهه بفعل الريح العاتية، لم يبالِ وكان يكتب ثم ينتف الأوراق تباعا ويرميها علي الأرض كيفما اتفق.
وبخته، توددت له، غالبا لم يجبني وإن فعل فبكلمات مبهمات وغير مترابطات.
ودفعتْ ببعض الأوراق نحو الدكتور، قرأ فيها:
-تتصارع السماء نار في أفاع!
-مخذولا على أبي السرير يجلس!
-الحاد أضالعي أمي يكسر صوت...
الدكتور
:-عادة ماتكون المرة الأولى حادة ومفاجئة "شيزوفرينيا" على مايبدو، وحين لمس عدم استيعابهما للمصطلح، أردف
:فصام! ومازال الوقت مبكرا فهناك المزيد من الفحوصات والأشعة وتخطيط الدماغ وما إلى ذلك، العلاج وحده لايشفي مريضا، اذهبا أنتما الآن ولا تقطعا زيارته.
من المؤكد انهما جاءا مرارا، بيد إني الآن فقط عرفتهما على وجه الدقة.
وبينما كنت أصعد درجات سلم مسرح المشفى مرددا
:-مرة أخيرة أرجوك!
وأنزلها
:-أفٍ! أنت لا تطاق!
وقفا أبي وأمي متباعدين، توسطهما ذلك الرجل اللطيف ذو البزة البيضاء والذي أولاني اهتماما رائعا، فطالما زودني بالدفاتر والأقلام والكتب وشجعني على ممارسة الرياضة وزيارة المسرح.
حدثهما بشئ ما، فمد كل منهما يدا لصاحبه، وانسحب هو.
وبينما كانا يحتضناني بنظرات ملؤها حنان ورأفة، تقدمتُ نحوهما ببطئ متناسيا حواري الممسرح، عازما على إغلاق النافذة التي قد تندفع من خلالها ريح عاتية.
صابر المعارج / العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق