Translate

السبت، 16 يوليو 2022

المصباح والأشباح محمد أبو الفضل سحبان المغرب


 

 المصباح والأشباح 

محمد أبو الفضل سحبان 

 المغرب

جلسوا يفكرون في ارتكاب حماقة أو إنجاز شيء مختلف، يخرجهم من تلك الرتابة، وقد ملوا حياة التسكع في الفيافي ولعبة الركوب على ظهور الحمير .!
اقترح عليهما فكرة فراقت لهما .. بدأ الثلاثة في حماس يخططون لعملية السطو على عناقيد العنب من مزرعة تعود ملكيتها لخواجة مقيم هناك ..
قال صاحب المشروع : سرقة مشروعة ! فنحن في الحقيقة لا نسرق .. نحن نأكل فقط .!
الثاني : العنب البلدي من حقنا .. أليس ينبت في أرضنا ؟!
الثالث : سنعصره ونشرب ماءه، وستَحْمَرُّ ليلتنا ويحلو فيها السهر ..!
ثم عاد الأول للقول : سنلتحف السلاهيم الكحلية، ذات الأقباب الدخانية، فلليل هو الآخر في قريتنا الوادعة عيون لا تنام . !
كان حارس المزرعة ينام عادة ببيت المراقبة، والعصا بجانبه ، تاركا بزة الحراسة على الكرسي بالخارج، حتى يوهم أي غريب بأنه يقظ وفي الجوار .. كان الثلاثة يعلمون بالحكاية بحكم صداقة أحد أصدقائهم له .. وفي تلك الليلة، وبعد ساعات من التأهب؛ مضوا لتحقيق الهدف ..
فطن رابعهم إلى أن هذا الحراك المفاجئ يبعث على الريبة؛ فقام بتعقبهم حتى وصلوا للمزرعة وظل يراقبهم ...نط أحدهم واجتاز الحائط الخلفي ،ثم مشى قليلا حتى صار بالقرب من تلك الدوالي اليانعة وخاطب مشاركيه بصوت خافت وهو يبلع ريقه : العناقيد تتلعلع ! إنها تجذبني ! افتحا الأكياس من فضلكما : الغنيمة باردة .. تهللا وتعانقا؛ وفي تلك اللحظة خرج عليهما في خفة كالصاعقة، وضرب بضوئه فأعماهما، ثم قال بصوت مرعب : قفوا أيها الأوغاد ! ما هكذا تؤكل الغلال !
إهتزا وألقيا بالأكياس، قفز ثالثهم مرتبكا وهربوا باتجاه الغابة الخالية والخوف يكاد يقتلهم .. ظل متعقبا لخطواتهم، وكلما أسنى زادوا في سرعة جريهم، حتى سقطوا سقوطا ذريعا في حفرة كبيرة موحلة ..! بدأوا يتزحلقون ويتخبطون، قبل أن ينجح الزعيم في الطلوع من المستنقع ممرغا، وهو يصرخ ويرتعد محاولا انتشالهما : هيا أسرعا .. الوحش قادم !
فروا بلا أجساد ولا رؤوس، إلا من عيون مرتجفة تركض ليلا وسط الحقول، توقفوا ثم تواروا منبطحين في أسافل حصيدة وهم يلهثون ..، ولكن من سوء حظهم أنه هو الآخر كان مستلقيا هناك .. أمهلهم قليلا لأخذ نفس قصير، وليأخذ هو الآخر نفسا بعد هذا السباق المجنون .. نهض بعد ذلك - رأفة بهم- ليصارحهم بأنه صديقهم، وأنه إنما كان يمازحهم؛ فنبح كلب كان قابعا هناك منذرا بالخطر...!
خرجت في الحال سربة من الكلاب تفحص كل شبر بحثا عن أثر ذلك الضوء المريب وتلك الأشباح المثيرة للخوف والقلق ! خبا ذلك النور وغبروا من المكان .. وقبل أن يقفلوا راجعين سمعوا صوت قهقهة مجلجل ! التفتوا فزعين وهم يصوبون فوهات بنادقهم؛ فتراءى لهم على ضوء قناديلهم حمار من حميرهم يلوح بحافريه ، ويرقص رقصة المصباح و الأشباح.
محمد أبو الفضل سحبان / المغرب
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، ‏‏وقوف‏، ‏نظارة شمسية‏‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة