Translate

الاثنين، 4 يوليو 2022

*موتُ الماضي* قصة قصيرة بقلم ✍ #أيمن_حسين_السعيد سوريا


 

*موتُ الماضي* قصة قصيرة
الماضي يجب أن يمضي من أول دقيقةٍ، يعلن الطرفين فيها الموافقة على كتبِ الكتاب والشروعِ في بناء المؤسسة الزوجية.
وما بعد كتب الكتاب على الزوجين كتابةَ حياتهما، بأيديهما
إما سعادةً وإما شقاءً، لأنه من سابع المستحيلات ألا يكون الواحد أو الواحدة أو الشخص ذكراً كان أم أنثى..
ألا يمتلك ماضياً فيه من أخطاءٍ غير مقصودة أحياناً سواء بسوءِ نيةٍ أو عن حُسن نية،من لغو كلامٍ ،ولممٍ أو لمسة يدٍ أوقرصةٍ، أو قبلةٍ مسروقةٍ ،مابين حبيبٍ وحبيبة.
فمن ليس في ماضيه هذا اللغو واللمم، إما يكون متشدداً دينياًفي نظر البعض، أو عاقلاً ،أوخجولاً، أوحماراً وغشيماً،أو لم يكن معجباً/ةً أو محباً/ةً أو عاشقاً/ةً أو لم تسنحِ له الفرصة لمثل هكذا أمور هي ملح وسكر الحياة وخاصةً زمن الصبا والشباب.
ولكن عند كتب الكتاب حقيقةً يجب على العاقل/ ة
طوي صفحة الماضي نهائياً وحقيقةً،وهذا هو العقل
بعينه وهو الحكمة بعينها..
فلكل عُمرٍ دوزانُُ سيرٍ معين من مسيرِ العقل، قد ينحرفُ هذا الدوزانٌ مليمترات قليلة يساراً أو يميناً، ولكن يبقى في الطريق الصحيح ،ولا يخرج عن مضماره.
وكلما تقدم/ت الإنسان /ة المتزوج/ ة في العمر كلما كان حكيماً/ةً أكثر ويرضيان بما قسمه الله لهما من نصيب.
في أحد المهمات العسكرية زمن التسعينات كنت حينها عسكرياً وعازباً.
ذهبنا في مهمةٍ عسكرية فنية، من مطار حلب إلى أحد المطارات الجنوبية ،وكنت برفقة أحد زملائي الضباط المتزوجين من الإخوة المسيحيين.
وكنا نستقل سيارةً خاصةً به، وبعد أن أنهينا مهمتنا التي استغرقت يومين في إصلاح عتاد عسكري جوي، في أحد المطارات القريبة من دمشق
وفي طريق العودة قام بفتق بنطالهِ من الخلف فقلت له:
لما فعلت ذلك..!؟
فقال :هي حُجة أتعلَّل بها لأعرِّج على حبيبة القلب، وكان أول حَرفٍ من اسمها موشوماً على زِند يده اليسرى ضِمن قلب حُب ،ولحسن حظه أن اسم حبيبته واسم والدته
واحد هو"جيزيل"
وعلى الرغم من أنه كان مُتزوجاً، فقد اشتاق في لحظةٍ ما وحنَّ إلى ماضيهِ الجَميل مع حبيبتهِ السابقة"متزوجة" والتي نوى إعادةَ العلاقة معها بطريقةٍ غير شرعية لنُفورٍ منه تجاه زوجته.
ظننتُ الأمر عادياً بالنسبة له، بحُكم التَحرَّر الظاهري والنظرة والفكرة الخاطئة المأخوذةِ تواتراً عن بعضنا البعض في سوريا بين مكوناتِ المُجتمع السوري المتعدد الأديان.
وَوصلنا بلدتها وكان يَستمع لأغنيةٍ
"لجورج وسوف" ومُسلطناً في الطرب والهوى
على الآخر بسببِ احتسائه المشروب
طبعا أبو وديع"المطرب"كان مُرافقاً لنا عبر أثير راديو السيارة أثناء الطريق.
لاحظت اشتعالَ نَار الحنين والذكريات ولهبها خاصةً عندما بدأتِ السيارة بالتقدُّم صوبَ البلدة وعبر مدخل شارعها المُحاط بأشجار الكينا ،على جانبيه نحو بيتها الزوجي
بينا أنا كنتُ مشدوهاً حقيقةً بجمال البلدة ونظافة شوارعها وفخامةِ عُمران بيوتها المُغطاة بقرميدٍ أحمر، في حين ترَّبعت عَلى هضبةٍ مُرتفعةٍ كنيسة البلدة الجميلة ذات اللون الأبيض بنوافذ سَوداء،ولفتَ نظري الصَبايا الحسناوات وهن يمتطين صهوةَ دراجاتٍ ناريةٍ يابانية لم أعهَد رؤيتها من قبل.
وبينا نتقدم بالسيارة كان يحدِّث نفسهُ مُتسائلاً:
أربعةَ عشر سنةً لم أراها كم كَانت جميلة..!!
عَاشرتها ثلاثُ سنين، ولكني فضلَّتُ عليها تلك الحمارة
"أم ستيف" لما تملكُ من مال"كوافيرة"
وهي تزوجت حسبما روى لي الضابط "م _ع" وهو ضابط في أحد مطارات حُمص العسكرية.
_المُتزوجة لن تكون ببريق وهالة جمالها كما كانت قبل الزواج قلت له.
_على العَكس ربما تصبح أكثر جمالاً وخاصةً أنها أنجبت ولدين وهي مرتاحة مادياً، لغنى زوجها وأهله ولا ينقصها شيء خزيت العين عليها،إذا عادت الأمور بيني وبينها لسابق عهدها، سأتقدم بطلب نقل إلى أحد مطارات حمص،وأجدَّد حياتي فتلك البقرة "يقصد زوجته" تُميت النفس
وبينَا لاحَت فيلتها ويركنُ السيارة أمام بابَها العَريض
كان يطلب مني التجهز للنزول معه.
فقلتُ له:هذا أمرُ خاص بينك وبينها يُحبذ عدم وجودي ثم ما دخلي بالموضوع أنا..!؟
من الأفضل أن تكونا لوحدكما وخاصةً أنك على مايبدو لن توفر ممارسة الحُب وتعيد ذكرياتِ ماضِيك الجميلة،لذا أرجو أن تعذرني سأبقى في السيارة.
_انزل سأنفرد بها في غرفة بعيداً عنك ،بعد أن تضع لنا مائدة الغداء..
حاولتُ مُلحاً بأن يتركني في السيارة ولكنه أبى
فقال لي :بل ستنزل وهذا أمر عسكري (ضابط)أعلى رتبةً مني
نزلتُ..وولجنَا الباب العريض ،عبر ممر رخامي يحيط من على جانبيه عرائش الياسمين و العِنب المتدلية عناقيدها،ثم صعدنا درج فيلتها،وضغط زر الأنترفون وجرس الباب الخشبي العريض الأحمر المطعم بزخرفة عاجية من صلبان ستة ثلاث منها على كل درفة
وما هي إلا دقيقتين في ذاك الصباح الصيفي
وإذ بجيزيل الشقراء تفتح الباب بلباس نومها "ديشامبر"
فسلم عليها مصافحاً وحاول أن يحتضنها كي يعانقها ويقبلها أمامي فدفعته بيدها..وهي شبه مصدومة ومن ثَمَّ مدَّت يدها نحوي فصافحتها،مرحبةً بنا وعينيها الخضراوين في شبه ذهولٍ واندهاش..
للقاءٍ ليس في خلدها ولا حُسبانها.
فقلتُ بيني وبين نفسي أين الثرى "أم ستيف السمراء من الثريا جيزيل الشقراء الطافحة جمالاً وتضجُ بالأنوثة".
تعلَّل ببنطاله وعيبه وبدأ يقلعه وهو يسألها:
عن حالها وأحوالها ومهنتها كمعلمة،وإذ به يقلع بنطاله نهائياً ويرميه لها بيده ليبقى بالشورت قائلاً لها:
يلزمهُ خياطة وبعد الخياطة حضرِّي لنا كأساً في غرفة النوم سنعيدُ أيامَ الماضي
فتلَّقفت البنطال وهي تضحك قائلةً:
الماضي مضَى أما البنطال فسأخيطه لك بعد قهوة أهلاً وسهلاً وغداء ومشروب ،وماتريد أهلاً وسهلاً، أما الماضي فانساه لأنُّه كان ملكي واتصاله وامتداده بالحاضر مستحيل ،وبعيد عن عنك وأمانيك الخبيثة،وأنا الآن أم الياس وأحب زوجي وأولادي كثيراً هذا أولاً وثانياً: هذا الشيء لا يُرضي ربنا والذي لا يُرضي الله لن أقدم عليه أبداً.
حاول معها كثيراً وكان يُلاحقها ويتبرم حولها كديك وهي تغلي القهوة التي قدمتها لي ومن ثم عادت إلى المطبخ فلحقها ودار حديث مابينه وبينها وهي تضع الطعام على مائدة المطبخ
وكان يُحاول مغازلتها بكل الوسائل لتلين له وتستسلم ولكن عبثاً كانت تقول له :
_حَرام وعندي زوج لن أخونه ولو لم يبق رجال في الحياة غيرك مستحيل ..لا تمد يدك رجاءً ابتعد عني واحترم نفسك
_جيزيل روقي هل نسيت ماكان بيننا..!؟
_نعم نسيت من فضلك اذهب إلى غرفة الجلوس،وبينا تتغدى وزميلك أكون قد انتهيت من خياطة بنطالك.
كنت أسمع حوارهما وهما بعيدين عن مرمى نظري..
أخذني إلى المطبخ حيث تناولنا الغداء في حين أنها لم تجلس على المائدة معنا كونها على مايبدو كانت منشغلة بخياطة البنطال.
وفعلاً جاءت به مطوياً ووضعته على كرسيٍ بالقرب منه
قائلةً له: تفضل والبس بنطالك أخي أبو ستيف عيب ،ومَدامتك أصيلة وحلوة وعيب تخونها..
ثم أتبعت كلامها بجملة امتقع وجههُ لها مزلزلةً كيانه
_"صحيح أنهُ قبل الزواج كان بيني وبينك حب،ولكن منذ أن تزوجت وارتبطت بأبو الياس لم ولن أضعَ لغيره مطرحاً في القلب، ومستحيل أن يكون فيهِ غيره، وهو فحل ورجل بكل معنى الكلمة"
لبسَ بنطاله وانسحبَ يجر أذيال خيبته شاتماً ولاعناً إياها ، كم كبُرت في عَيني حينذاك.
تدورُ وتمر السنين والأيام لألتقي بها بعد اثنتي عشر سنة في معرض مدينة دمشق الدولي، مع زوجها وابنها وثلاثةٍ من بناتها الصبايا ،وكان زوجها برتبة عميد ركن آنذاك.
كانت تُحدِّق بي وكأنَّها تُحدِّث نفسها أين رأت هذا الوجه اللاغريب عنها!؟
كنتُ في قرارة نفسي أقول :
_لو لم أكن سُأحرجها أمام زوجها الذي تتمسك بيده، وهم يتجولون، لذهبت إليها مٌنحنياً ورَافعاً قُبعتي ولقلت لها:
_أناذاكَ الشاهدُ على الأمر، ولأهل الإخلاص والوفاء أرفعُ قبعتي، وتقبلي كامل احترامي وتقديري سيدتي.
"فمِثلُك من النِساء أصبحنَ عُملةً نادرةَ الوجود للأسف".
تمت
٢/٧/٢٠٢٢

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة