مَوقِفٌ مُسبَقٌ- قصّة قصيرة
بقلم
عامر عودة
عندما رأيته داخلًا قَرَّرْتُ رفضه. نعم قَرَّرْت رفضه، مع أنَّ أحد المعارف مَدَحَه ومدح عمله الّذي قال إنّه جيّد. لا أُصَدِّق أنَّ َرجُلًا مِثله مِنَ المُمكن أنْ يُتقن عمله ويَحترم موعد تنفيذه وتسليمه. فمَن لا يحترمُ النّظام ولا يهمّه قانون، يَجب ألّا يُثَقُ به. ووصوله بَعد الموعد المُتّفق عليه بأكثر مِن ساعة دون أنْ يعتذر عن تأخّره، يؤكّد عدم احترامه للمواعيد، وهذا لوحده يجعلني أرفض أنْ يكون هو مَن يقوم بتنفيذِ التّرميمات في بيتي.
- لقد تأَخّرتَ عَنِ الموعد لأكثر مِن ساعة!
قلتُ له مُمتعضًا. فأجابني إجابة توقّعتها، وسمعتها كثيرًا مِنَ الّذين يتأخّرون عن مواعيدهم:
- تأَخّرْتُ بسبب حركةِ السّير...
- وهل توقّعتَ أنْ يُخلي الجميع لكَ الشّارع، ويقولون لكَ تفضّل فأنتَ على موعدٍ ويجب ألّا تتأخّر؟!
ابتَسَمَ ابتسامة صَفراوية، وجلس قبالتي صامتًا صاغرًا...
سأُحَدّثكم عمّا فعله هذا الرَّجُلُ الجالس أمامي، الّذي لا أعرفه شخصيًّا لكن أحدَ المعارف دلّني عليه، لتقرّروا إنْ كنتُ على حقٍّ في موقفي المُسبَق منه أَم لا.
كنت أنتظر مِثْلَ غيري في دُكّانٍ للنّقانق، حتّى يحين دَوري لأقتني بعضًا منها. وعندما جاء دوري، سَبَقَني هذا الرّجلُ الّذي دَخَل إلى الدّكان للتّوِّ، وطلب مِنَ البائع ما يريده مِن نقانق وكأنَّ الدّوْر دوره! فأوقفتُه موضّحًا له أن الدّوْر دوري وعليه أن ينتظر. لكنّه ردَّ بعجالة:
- طلبي صغير وأنا في عجلة مِن أمري.
- وأنا أيضًا طلبي صغير وفي عجلة مِن أمري.
أجبتُه بِصَرامة.
- وأنا قبلك أيضًا. اِرجع إلى الخلف.
قالت له امرأة تحمل طفلًا على صدرها.
تأفّف الرَّجُل، ثمَّ تركَ الدّكان وخرج غاضبًا.
خرجتُ مِنَ الدّكان أنا أيضًا بعد أنْ أقتنيت ما أريد، وركبت سيّارتي عائدًا إلى بيتي. ودون أيّ سابق إنذار، وبشكل مفاجئ، خَرَجَتْ سيّارة أمامي كانت تقف بجانبِ الشّارع عند إحدى الدّكاكين، دون إعطاء سائقها أيّ إشارة للخروج، مِمّا اضطرّني بالدَّوس على الفرامل لئلّا أصدمها. وكان السّائق هو نفسهُ الرّجل الّذي خرج غاضبًا مِن دكانِ النّقانق، لأنّه لا يريدُ الانتظار في الدّور.
بعد عدّة دقائق واجهتنا حركة سير بطيئة. كانت سيّارته ما زالت أمامي، فرأيتُه يُشعل سيجارة ويُدَخِّنها... ثمَّ فتح نافذة السّيّارة وألقى بعقبِ السّيجارة وهي ما زالت مشتعلة إلى الشّارع!... بعد عدّة دقائق ارتكب مخالفة أخرى. فقدِ انعطف فجأةً يمينًا على حاشيةِ الرّصيف المُعَلَّم باللّونِ الأصّفر، واجتاز كلَّ السّيّاراتِ الّتي أمامه!
...ها هو الآن جالس أمامي، في بيتي الّذي جاء يعاينه بهدف تنفيذ بعضِ التّرميمات فيه... كنت أنظر إليه بازدراء... لم تعجبه نظراتي واحتار فهمها وتفسيرها... وَجَم... تغَضَّن وجهه... مدَّ يده إلى جيبه وأخرج علبة سجائر ليدخن. لكنّي منعته من إشعال سيجارته، موضّحًا له أنّنا لا ندخن في البيت ولا نرغب في أنْ يُدخّن أحد فيه. لم يعتذر (فهذا هو دَيْدنه) ولم ينطق ببنت شفّة، وقد بان على وجهه عدمُ الرّضى. وهذا مسوّغ آخر يدعوني لرفضه.
فهل أنا على حقّ في موقفي المُسبَق منه؟
(عامر عودة)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق