ش...ت..ااا....ت
أناستاسيا آمال
ألتقط النفس بعد الآخر، ألملم حبات عرقي، أجمع ما تبعثر من صوتي عند قهقهة الصدى به في بيداء قلب مقفرة، اجتاحتها زوابع وجع شقية، ظلت دون تعب تهز جذع النبضة تلو الأخرى، ورطب الشوق يتساقط حلو المذاق على مهجة غدت منسية بينهم، غريبة وهي تقطن في قلوبهم، تردد رجاءها بصمت :" ليت أفئدتهم تهوي إليّ بما أشتهي، لا بما يشتهون"
أتلاعب بأنامل صبري أطرطقها بيدي تشوقي وأستمتع بصوت عذابه، عقابا له على تأخره، تماطله في الوفاء بما عاهدني به ذات مساء، في ذات لقاء....، أكان لقاء؟!.......
ألتقط الزفرة بعد الزفرة، وألقيها على حزمة زفرات بالية، تشكو رطوبة أرض لم ترحم هرمها، لاأبالي بما مضى منها، ومن آلام مخاض أحلام اليقظة، لم يولد لي منها إلا سراب أوهام سافرة، أقلب صفحات سفر أذكاري وذكرياتي صبحا ومساء، علها تقدم لي بطيبة خاطر سقيا هنية، تروي ظمئي إلى الأحبة، فلا أعطش بعدها أبدا.......
قطرة ليال جادت بها عين مسهدة، بعد نظرة رسمتها ريشة لقاء بصدفة في ضوء نهار يعد بالكرّة بعد الأخرى.......
ومضيت أنا مبعثر الوجدان، أبحث عمن يجمعه لي بانتظام، تتعثر خطوات تواصلي مع الأيام، بما تكرمت عليّ به في سالف الأزمان، حوائي أنا ضاعت منّي لمّا كنت أخالها لا تكملني، جحدت نعمة الوصل، فانقلبت إلى نقمة الفراق،
أنا لست شاعرا، ولا كاتب أحزان، فقط أحاول ترجمة عجمها، أنقط بالآهات حروف استرسالها في أنفاسي الولهانة، أنا مجرد بهلوان مشاعر، ألاعبها لأقتل الشوق فيّ، أسامرها لأتجاوز الأرق فلا يسعد باحتلاله لي، أهرب من الأضواء، أكسو عُري معاناتي بديباج الظلام، هناك فيه أمارس تنفيسي بالبكاء، بالصراخ في الخفاء، بالجثو على ركبتي الندم، وإطلاق سراح ليت، وكان وإنّ دون استدعاء أقاربها، فأنا هنا وحيد وجدي وأساي دون أقرباء.........، عقاااارب الساعة تلسعني كل غفوة منّي، تذكرني بتمام الساعة بعد الساعة، فربّما يحين في إحداها حُلو اللقاء، أسترجع ظني من حمى السوء، أرميه بالقوة في بقعة الحسن، وأعود من جديد منتعلا حذاء المنى، بعدما كانت قدما رجائي حافية من كل رغبة، مرام، مراد........
هل تعلم بما أمرّ به بعدها؟!، هل تتوقع منّي بعدا كرضى مني بمرّ القضاء؟!
هل وهل وهل، لا، لا أظنها حتى تتذكر مروري بجانبها عند تلك الطريق، وكل المارة كانت تفرّق بيننا عن غير قصد، إلا عيناي حافظت على جسر عبور طارئ بيني وبينها، وسط الاكتظاظ، وحرمة لامبالاتها، تشعل في روحي حمى التعلق، وهواجس فراق كان دون لقاء وجها لوجه.....
وتوالت الشهور، وتمام الأعوام، والحلم تناسل فيّ، أبناء وأحفادا، وشاخ وراح، وأكملت مسيرتي رفقتهم، والأمل يتجدد بذريته هو الآخر في عمران طمع جشعٍ برؤيتها مرة أخرى، في نفس الطريق، فعدت إليها برفقة قدمي الثالثة هذه المرة، وحاجبيّ تطاولتا على أهدابي، فثقلت نظرتي الثاقبة، وتقوّست وقفتي، وحتى الطريق تحولت إلى سكة قطار سريع، أخذ يمر عليّ متباهيا بسرعته، وأنا ألتقط أنفاسي رغم بطئي بعناء، محافظا على تجسيدي لانتظار شبابي بشيخوختي، حتى سمعت صوتا يخاطبني، "هل تسمح لي بمقاسمتك الكرسي فانتظاري مازال طويلا للرحلة المقبلة، نظرت إلى منبعه بعياء قائلا:" تفضلي"، فإذا بها هي، نظرت إلي بنظرة اشياق، ثم قالت:" يالك من عجوز مدهش، ليتنا التقينا قبل خمسة وأربعين سنة من الآن، لكنت من ظفر بقلب تعفف عن الجميع حتى الآن"
أناستاسيا آمال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق