- نهاية موجعة –
( قصة )
بقلم
ناجح صالح / العراق
ضاقت عليه الدار رغم سعتها ، وضاقت عليه نفسه رغم شدة مراسه وتجلده ، وضاقت عليه الدنيا بما رحبت .. هو ذا يحس بالوحدة .. الوحدة القاتلة مع أن ابنتيه الصغيرتين قريبتان منه تلهوان وتلعبان .
هو حزين أكثر من الحزن نفسه ، غارق في صمته ، تركبه موجة فوق موجة من الآلام .
أتراه فقد عزيزا له ؟ هل تبددت منه ثروة ؟
قال يخاطب نفسه معاتبا :
- ليس سوى ساعة طيش ضيعت فيها نفسي وضيعت معها أعز الناس على قلبي ، ليست سوى نزوة عابرة فقدت فيها العقل ليقابلها طلاق لا رجعة فيه لامرأة كانت وفية معي .
وراح يستذكر ماضيه .. الماضي بكل مسراته مع المرأة التي اقترن بها فكانت كالمصباح الذي أضاء جنبات نفسه ، سنوات من الحب تحت سقف واحد ، كلما نظر الى عينيها شعر بالراحة كأنما تقول له ليس في الدنيا رجل سواك ، فكان يحتويها بقلبه بعد أن تغمره دفئا وحنانا .
............... .......................... .............................
أما هي فقد جلست صامتة حزينة بين أهليها .. تذرف الدمع لما حدث ، لقد توقف بها الزمن على تلك اللحظة التي رأت فيها خيانته ، لم تعد لها ذاكرة بعد هذه اللحظة ، فها هي صورته تتمثل فيها أبشع قذارة ، أجل لقد خانها ولم يعد بوسعها الا أن تحتقره .
ليس أمامها الا الطلاق ، أجل أنها لن تسامحه رغم كل الحب الذي تكنه له في أعماقها ، وهي ان كانت نادمة فندمها على حظها العاثر الذي أوقعها الى ما آلت اليه .
أي خيانة يرتكبها الرجل ليهدم أسرة ، ألم تكن هي محط أنظار الرجال بجمالها الآسر وسيرتها العطرة ؟ ومع ذلك زاغ بصره – هو زوجها – الى امرأة أخرى .
وفي ذروة مصيبتها لاحت لها ابنتاها في أجمل صورة لناظريها فخامرها شعور بالأسف لفراقهما.
........................ .......................... ................................
كانت قد رأته من النافذة بينما هي تنتظر عودنه قبل العصر بقليل .. رأته يحادث امرأة ثم يصافحها ليودعها بقبلة .
ثارت ثائرتها .. من هي هذه المرأة التي يهدم بها عش الزوجية ؟ أي وقاحة !
وقفت قبالته وجها لوجه في حوار ساخن :
- أخيرا كشفت عن أوراقك بعد سنوات من الرباط المقدس الذي جمعنا .. يا لها من أوراق مزيفة دنيئة .
- انها نزوة عابرة أرجو أن تغفريها لي .
- أتراني ساذجة لأغفر لك خيانتك .
- لم أخنك يوما .. لقد أحببتك بصدق .
- عينياي لا تكذبان فأي حب تحدثني به ؟
- اني أخطأت حقا ، انها زميلتي في العمل ، فلا تكوني قاسية علي .
- أي هراء هذا ! أتريد أن تبريء نفسك بعذر واه ! وأي زميلة هذه تبيح لنفسها أن تفعل معها ما فعلت .. ألم تعرف بعد بأنك زوج وأب !
- أنت أعز علي من نفسي فلا تهزك نزوة بدرت مني على غير قصد .
- لا .. لن أسامحك ولا حل الا الطلاق .
- ماذا تقولين ؟ أكاد لا أصدق ما أسمع .. أيضيع كل الحب الذي أعطيته لك طيلة سنوات ؟
- الكرامة أولا .
- لم أشأ أن أمسك بسوء وكرامتك هي كرامتي ، لسنا معصومين من الخطأ فلا تظلميني .
- أنت الذي ظلمتني وما من حل الا الطلاق .
............................ ...................... ........................
أمام اصرارها وتعنتها لم يجد بدا من الطلاق ، حاول أن يعيد المياه الى مجاريها ولكن عبثا فاستسلم للأمر الواقع وهو مكره .
لم يعد لحياته معنى ، لبث زمنا يريد أن يسترجع قواه ، لم يعد قادرا على التركيز .. كل ما يراه بات باهتا .
نزوة عابرة أهدرت حياة يظللها الحب والدفء ، هل له القدرة أن يرتب حياته من جديد ؟ والسنوات التي مضت كيف يفصلها عن حاضره ؟
هل غربت شمسه الى الأبد ؟ وهل غاب القمر عن طلعته ؟ وهل اختفت النجوم عن عالمه ؟
أي كابوس يقلق مضجعه !
.............................. ......................... ..............................
انتهت قصة الحب وسكت قلبها عن الخفقان له ، ومع ذلك فانها حزينة ، وحزنها هذا نابع من احساسها العميق بأنه غدر بها وطعنها الطعنة النجلاء في صميم بدنها .
كان كل شيء في حياتها .. البلسم الشافي لجروحها ، هو الزوج والأب والأخ .
ما الذي تذكره عنه أيضا ؟ غير أنه مزق صفحات الحب بيديه .. هو من فعل ذلك ، كان من الممكن أن تسامحه عن أي شيء آخر الا الخيانة ، لقد جرحها الجرح العميق فلن تغفر له حتى لو ركع على قدميها . أتراه هو كان يغفر لها زلتها وهي تعبث مع رجل ؟
ومع ذلك صعب عليها فراق ابنتيها .. أحقا افترقا عنها الى غير عودة وهما الوردتان النضرتان،ما ذنبهما وسط هذه الدوامة القاتلة من الأحزان ! هل بوسعها أن تصبر ؟ لكنها لم تعد ترى شيئا من حولها الا ذكريات باهتة وجرح شديد يذبح بدنها .
.......................... ............................... ...............................
فكر وقدر مرة ومرات ، لم تعد له القدرة على الصمود فكتب لها خطابا يبث فيه ألمه وندمه لعلها تستجيب لآهاته :
لم يعد للحياة طعم منذ تلك الساعة التي فارقت بها الدار وفارقت قلبا لم يكن يسعه الا أمرأة واحدة هي أنت ، أعترف لك أنني أخطأت ، وها هو الندم يحتويني من الرأس حتى القدم ، يا لي من غر أحمق ، ماذا فعلت ؟ لقد أسأت اليك الاساءة التي لم أكن أعنيها ولم أعرف دوافعها ، قد تكون خيانة حقا لامرأة وهبت حياتها لي وحدي غير أن الشيطان أوقعني في مأزق لم أكن أحسب حسابه ، لو أن رصاصة اخترقت صدري لكان أفضل لي من هذه الحياة التي أحياها .. لو أن الموت يأخذني اليه لكان أرحم مما أنا فيه .
وكلما احتضنت الصغيرتين أحسست بأنني أحتويك بين ضلوعي .. فهما جزء مني ومنك ، أتراني قادرا أن أفصل الجزء من الكل ؟
ان الدار تضيق بي ونفسي تضيق بي .. أتدركين ماذا يعني ذلك ؟ انك أنت من يعيد البهجة الى الدار والى نفسي ، انك أنت لا أحد سواك .
فاغفري لي خطيئتي .. اغفريها حتى يعود الحب من جديد يرفرف على قلبين عرفا طعم الحب من قبل .
.......................... ........................... ............................
ذرفت الدموع وهي تتلو خطابه ، لقد أثار فيها الخطاب الشجون ولكنها لن تتراجع ولن تستسلم لساعة ضعف .
هي ما تزال تذكر عمق الجرح في بدنها .. الجرح الذي لا يندمل مهما كرت عليه الأيام .
لقد سبق السيف العذل ولن يجدي معها خطاب ولا توسل ولا استغاثة .
لقد وأد هو بنفسه قصة الحب فكيف تسترجعها وقد فقدت قدسيتها ؟ أية قصة حب يمكن أن يعيدها اليها وهي ترى أمام عينيها في كل لحظة جدارا من الشك والريبة يفصل بينهما ؟
انها تفضل ألف مرة أن تقتل نفسها من أن تعود اليه ذلك أنها ترى أن الصورة التي كان هو عليها في قلبها قد اهتزت ولا يمكن لأحد أن يعيد اليها بهجتها .
ناجح صالح / العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق