Translate

الخميس، 8 سبتمبر 2022

ربَّ صدفة.. بقلم الكاتبة م هيام جابر عبدو سورية

 ربَّ صدفة..

بقلم الكاتبة

هيام جابر عبدو

سورية

قراراً وجاهياً غير قابل للطعن بطريقة النقض ( صدر ولن يعلن).
بعد تخبط أفكاره ، وضع همام الشاب الوسيم.. نقطة على السطر. مزمعاً عدم العودة لقطعته العسكرية التي يخدم مجندا بها.
كان قد سمع والده القاضي يقول هذه العبارة كثيرا، عندما يصدر حكماَ نهائياً على احد المتهمين. إلا أنه حرّف العبارة الأخيرة.. لظنه انه يمكن أن يخفي ما قرره، ليتمادى بتمرده ومشاكسته ، التي ميزته في عائلته،
مقارنته بأخيه الأصغر عزام المطيع، كانت تزيده نفورا وغضبا وتماديا.
اما والده الذي لا يخفى عنه استهتار ابنه، سرعان ما علم ، و بنفاذ صبر بذل ما بوسعه..
لثنيه عن مغامرة خطيرة، ليس ملماَ بكل ابعادها. لكن كلها ذهبت ادراج الرياح.
أخر محاولة هرع على إثرها همام إلى صورة أخيه عزام التي تزين صدر البيت. منذ ثلاث سنوات . خلعها بعصبية، و وضعها بوجه ابيه ، الذي طالما لام نفسه على منحه الدلال الكثير حتى أفسده.
قال مرتجفا :
هل تريد أن ألحق به؟
هل ترسلني للموت؟
بصوت خفيض و حزن دفين اجابه والده:
لكل ميتة سبب، والأعمار مقسومة ومكتوبة.
اما الشهداء فهم أحياء عند ربهم .. لا يموتون.
خرج همام مهزوزا، غاضبا من البيت
حينها قرر القاضي المشهود له بحسن سيرته ترك ابنه وشأنه عسى الحياة تلقنه مالم يستطعه هو.
الأب الذي فجع باستشهاد عزام
يتذكر الرجل الذي كان و
كثيرا ما نسي انه أمام ابنه.. لقد شعر دائما بصداقته.
. بكى بمرارة فراقه يوم وصول جثمان محترق لم تتبين معالمه، ملفوفا بعلم بلاده ... انحنى مقبلا
الحذاء المحترق.. و وجهه الأبيض الجميل احتقن لكأن نيرانا تضطرم به.. وحين حاول النهوض غاب الأخضر من عينيه ليصبح غباشا أسودا.. ولتخر القامة الشامخة فاقدة الوعي .. رغم كل الجلد الذي عهد به.
“ليتك يا همام تسد الفراغ الذي تركه.“
همام الذي خرج لا يلوي على شيء.. الكل يعرف وجهته..
يسرح بعيدا حيث الغابة المحيطة بالقرية من الجهة الجنوبية. يمضي ساعات طوال مع شلة من اصخابه .. يلهون و يتسامرون حتى ساعات متأخرة من الليل.
كانت ليلة ليلاء. ظلامها له أنياب لم يستطع ضوء القمر سترها حين تناهى لمسمعه ذات ضياع.. أصوات غريبة ومريبة من كل جهات القرية.
دب به رعب لم يشعره سابقا... خاصة عندما سمع استغاثات أطفال ونساء و رجال..
ثم رأى أشباحاَ، لم يتبينها في الظلام الا حين وصل لاهثاَ قرب بيتهم.
لم يسأل كثيرا ماذا جرى.
كل المؤشرات دلت أن الإرهابيين المتحصنين في خرائب متناثرة بالقرب، نفذوا تهديدهم، و يحاولون تجاوز حدود القرية والدخول إليها لتدمير كل شيء يدل على الحياة
.
أخذ بندقية ، وانضم لصفوف رجال القرية الذين هبوا للدفاع عن أنفسهم.
معركة حامية الوطيس، ردت شرذمة الإرهاب مندحرة على أعقابها في غضون ساعات.
همام الذي تتبعهم بعيدا بقلب أسد .. لم يعد يدري أين وصل ، وفي أي جهة أصبح!
عندما صمت صوت الرصاص... أدرك أن المعركة انتهت.
حاول العودة،
اتجه صوب نور خافت تحمله رياح نشطة، فلا خيار أمامه الا الذهاب حيث مصدره والا ستاكله الوحوش في هذه البرية وهذه الحروش . .
عندما وصل مبتغاه أدرك حجم الخطر الذي وقع به.. حيث خرج إليه رجل بلحية طويلة.. و زي غريب و لهجة مختلفة.
حوار مقتضب دار بينهما...
سأله الرجل..
من انت وماذا تريد؟
اجابه همام..
راعياً ..
تأخر بي وقت الرجوع و ضللت الطريق .
قال الغريب :
ادخل ريثما يستقظ خليفة المسلمين ليبت بأمرك.. دافعا اياه بوحشية
لمكان اتضح فيما بعد انه زريبة سابقة.
هناك رأى أربعة أشخاص محتجزين . انبأه مظهرهم.. رغم العتمة عن تعذيب وحشي طالهم.
صوت إغلاق الباب الصدء بعد دخول همام اجفلهم وبنفس الوقت سمع همهمات بينهم. فهم ان قلوبهم تترقب هذا الباب.
قال أحدهم :
لم يغلق الباب كالعادة بالسلاسل
قال آخر :
سمعت طقطقة خفيفة.
قال ثالث:
اغلب الظن ربطه بسيخ رفيع.
الصوت الرابع لم يسمعه همام... الذي قبع مترفبا لكل ما يصدر عنهم بقلب واجف.
أدرك أنهم يخططون للفرار.
عندها تشجع و عادت إليه أنفاسه المتقطعة و
تهيا لمساعدتهم.
بإرادة لا تلين خرّ لهم المستحيل.. وراحوا يعدون وهواء جديد يلفح أنفاسهم العطشى للحرية .
و كأنما كان بينهم اتفاق غير مقصود الا يبتعدون عن بعضهم أثناء الفرار ليستمدوا القوة بوجودهم معا.
ركضوا كثيرا تحت جنح الظلام و وابل من الرصاص وراءهم .
أخيرا صفق لهم زرعاَ سنابله ملأى. قصدوه ، وارتموا سريعا بين أحضانه متقطعي الانفاس.
وما أن سلم الليل رايته للنهار ، وأعلنت اول زقزقة طير أنه وقت
انبعاث النور .. نهضوا يبحثون عن وجهة آمنة.
على مرمى انظارهم وهم يبتعدون عن الزرع، ارتفع جبل شاهق.، وأغلب الظن أنّ العلم المرفرف أعلاه، علم الوطن، الذي دفع الكثيرون دمهم من أجل أن يبقى خفافا.
قصدوه والأمل يكبر في نفوسهم كلما اقتربوا ، فكل شيء يشير أنهم بوجهتم الصحيحة.
لم ينته الخطر بعد سيكون هناك حراس و سوف يقومون بواجبهم عندما يرون خمسة غرباء قادمين في هذا الفجر!
بسفح الجبل رأوا معدات حربية، تنتصب على أهبة الاستعداد لأي هجوم معاد.
راح صوت اجش ينادي
بأعلى صوته :
أصدقاء ..
نحن اصدقاااء
جنود.. هربنا من الأسر..
النجددددددة.
النجدددة!! ؟
ردد همام متلعثما... متفحصا وجه المتكلم ذي اللحية الطويلة المتسخة والزي العسكري ، الذي مزقته ثلاثة سنوات أسر ، والذي لم يتبنه في زريبة يغلفها الظلام.
قبل إعطائهم شارة الأمان لبصعدوا الجبل..
اقترب مذهولا من ملامح يراها وهماً بصورة معلقة على جدران بيتهم.. وبين ملامح يراها واقعا هنا.
ما أن اصبح بمواجهة اخيه... جحظت عينا عزام قائلا :
هماااا...
وقبل أن يكمل ارتمى بين أحضان همام مغشيا عليه.

قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏منظر داخلي‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة