Translate

الخميس، 8 سبتمبر 2022

" حكاية عراقية" بقلم حميد محمد الهاشم / العراق

" حكاية عراقية"
بقلم
حميد محمد الهاشم / العراق

ما زلتُ تحتَ تأثيرِ شيء ما، تسرّبَ إليّ منها ، لا أحد يستطيع معرفة كنهِ ذلك اللغز، ككنز محرم،حروب قامت بسببه وأخرى توقفت لأجله ،وعروش تُخلّيّ عنها،
وبيوت أُقيمتْ وأخرى تهدمتْ ووو...
كنز مُحرّم.
ربما أخطأتُ في كل شيء، وصفاً وتحريماً وإقتراباً.
أنا فعلتُ ذلك.
تركتُ الثورة ، سرقني ذلك المُحرّم، تركتها مع أخي ومع من كان معه ،ومع من كان معي.
الثورة في عنوانها ودمائها ،انسللتُ منها،ليس هروبا أختيارياً ولا أصظرارياً ،
لكنني عجينة تتشكل أحياناً وفق مشيئة الأفران لها.
أنني حقاً في الفرن.
عَجَنني من لا أعرف كنههُ، وخبزني من لا أدركهُ، وها إني أكل نفسي.
ناهد، بنهديها البلوريين،
كقندلين من الحليب،وشفتيها العسلتين ،
وشعرها الأشقر المنسدل على كتفيها ،وبنطالها الجينز، إنتفاضة مُحرّمة
لكن هكذا هي الثورات.
كانت تنتظر رسائل حبٍّ خائنٍ، يمارس خيانته بين أميركا وباريس.وها هي الآن تحت قيادة الشيطان نفسه.
الفراغ الذي يملأ القلب ربما يؤدي إلى امتلاء الجسد سهواً أو عنوةً، ربما للإقامة في فراغ آخر، أو قلْ قلباً ٱخر، وكنت أنا الفراغ والقلب الآخر.
ساحة ثوار،قوات مكافحة الشغب، قنابل دخانية، جراحات عميقة في شرايين المكان والزمان، بطالة شباب قاتلة،شباب تم خيانتهم مع سبق الإصرار .
هذه تفاصيل اللحظة هذه.
للخيانة عواصم كثيرة، تلعب وتمرح فيها، وها أني أشعر أني أخون الجميع،بما فيهم أنا ،خنتُ البطالة ،والأرصفة والشوارع و التُكتك ،..وقل ما تشاء.
تركت أخي وثورته ،والتي كانت ثورتي أيضا ،والتحقت بعشيقتي، عشيقتي بالرغم عني وعنها،وربما ليست كذلك، لا عني ولا عنها.
- ناهد... ماذا تفعلين هنا..؟لم تخبريني إنك سوف تأتين إلى ساحة التظاهرات.
حدّقتْ بعيني، وفي عينيها شرارة ،كتلك التي جدحت من قنبلة دخانٍ؛ سقطتْ قربنا بأقل من مترين، ثمة ثلاثة من المتظاهرين أصطدموا بحافة الرصيف ، لسعة الدخان ، تُخْمَدُ "بخاولي" مبلل، كمموا وجهوهم به. فيما تصاعدت نوبات السعال من كل صوب،خطوات العاطلين عن الحياة_ والذين جاؤوا ليعلنوا الحياة_ تتقاذف وتتصادم في كل صوب.
ناهد،وسط الدخان، وقد أشبكت كلتا يديها خلف شعرها المنسدل على كتفيها ، طأطأت رأسها ؛ بينما كانت عيناها ترتفعان نحوي وكأنهما تكلماني.
- جئتُ للتنزه.. وماذا عنك..ألم تجيء للنزهة أيضا ؟!
- مجنونة،...أية نزهة هذه..!!
ثم أكملتُ:
- سيعود إليكِ من أميركا أو من الجحيم...كُفّي عني أنا.
لا أدّعي الصلابة أمامها..فهزيمتي قادمة ،أنا أعرف ذلك، وأعرف نفسي تماما.السرير هو من يسقط الثورة دائما،
ربما...
لا أعرف..!!
لا أعرف..
الآن سأترك الرصيف والتحقُ بالسرير..هناك سأعلن ثورتي ، قبل ذلك سأرواغ نفسي فقط.
اللهفة الخائنة داخلها؛ وبسبب الهرج والمرج و دخانهما؛ برر لها إندفاعها نحوي،ملتصقة بي، فالألتصاق له شروطه وظروفه.
- هذه النزهة بين يديك...عمرُ الدخان قصير، فلنستغلهُ حتى اللحظة الأخيرة.
الغريب، إني أيضا عاطل عن العمل لسنوات ست، وإني هنا رغم أنفي، _ يعني مو بطران_ ،والكثير رغم أنفه،والكثير تدفعهم أنوف أخرى ؛ لتشعل الفتيل بين عيدان الثقاب. انا لم أكن عود ثقاب لكنني قدأكون أحياناً كذلك، وأحتاج فقط لمن يشعلني ، منذ تخرجي قبل ست سنوات وأنا بلا عمل، وبلا أمرأة ،بلا أنثى مقدسة ترافقني العمر ، إلاّ في خيالي المتمرد على كل الجبهات، المتمرد حتى عليّ أنا.
الأب والأم أجتازا كل الحروب ،الأبّ يتنفس البارود حتى في أحلامه، بلا ساق يسرى، قربان مجاني؛ ليقف الوطن على قدميه في أحدى حروبه الطائشة، أخي يشعر أنه لا شيء في زمن لا شكل له.
يقفز هنا وهناك بين الحشود، المطارداتُ تدور مدار الرصاص الحي والمطاط كراً وفراً.
المتظاهرون ينسحبون خلف الجراح والمتاريس، يتراكضون ما بين رصيف ورصيف، وناهد تخبرني " دعنا نكون خارج الزمن".
جسدها يرقص لي خلف الضباب، ثائر على نفسه. وثورة يلعلع فوق رؤوسها الرصاص، تلك التي انسللتُ منها الآن.
حَبَكت إلاّ الآن.
- بالأمس كان يخونني في باريس، وقبلها مع إمرأة في أميركا ، أنا سأخونه في بغداد.
لمحني أخي منسلا :"أين ،أين تمضي، ومن معك،و من هذه المرأة "؟
هي من أجابت... " قل له كل العواصم خائنة.. والأكثر قربا أكثر خيانة."
أجابتني و أجابته.
ساخنة ظهيرتي ،وظهيرتها.
وهي تلقي ثيابها.
- "ليتكم تعرفون أن ثورتكم فقدتْ عذريتها بعد الأسبوع الأول من الأشتعال "
-" لا حق لك أن تتحدثِ على الثورة..لكن.. لكن ماذا تعنين..ومن يخبركِ ذلك ؟"
بأبتسامة خبيثة شبقة، بينما تضم ملامح وجهها في شعيرات صدري": ثمة في أميركا من أخبرني بذلك ههه"
حين التصق جسدانا، كان أخي قد التصق جسده على أسفلت الرصيف الساخن، وقربه نائمة قدمهُ اليمنى.
انتهت.
* خاولي: منشفة من قماش للوجه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة