Translate

الجمعة، 30 ديسمبر 2022

وَ تُشْرِقُ شَمْسُ الْحُبِّ ... قصة بقلم الشاعر والأديب المبدع / مصطفى گرناط - المغرب

 قصة بقلم

المغرب
وَ تُشْرِقُ شَمْسُ الْحُبِّ ...
إنسلت رحاب من فراشها في صبيحة ذاك اليوم المشرق، و راحت تتمشى فوق الرمال ، تحتضن البحر بعينيها الجميلتين وتستنشق هواءه النقي، تاركةً نسائمه اللطيفة تداعب خصلات شعرها المتموجة لتلقي بها فوق أكتافها بخفة ، وهي تصيخ السمع لصوت الأمواج المتلاطمة بالصخور، و تتأمل جمال البحر الذي طالما شدها تقلبات أهوائه بين مد وجزر. و راحت تتأمل مدى عظمة الخالق أمام هذا الخضم المترامي الأطراف ، وهي تتطلع ببصرها الى ذاك الأفق البعيد حين تلتقي السماء بالأرض. اقتربت من الأمواج أكثر فصار رذاذها يتطاير حولها ، فأحست بقشعريرة خفيفة وانتعاشة تسري في كل جسدها. واصلت مشيها وهي تتمتع بهذه اللحظة الساحرة الذي جاد بها الزمان ، ولم تنتبه لنفسها إلا وهي أمام تلك الصخرة الكبيرة التي تقف كالطود في وجه لطمات الأمواج من حين لآخر. هنا عادت أطياف الماضي تعانقها وترميها على رصيف الشوق والحنين لتلك الأيام الجميلة، أجل عادت بذاكرتها إلى لقائها الأول بفارس أحلامها .. وبالضبط إلى تلك السنة التي كانت في إجازة بالشاطئ هي وأهلها حيث كان
حيث كان أيمن يمارس هواية الصيدفي ذلك الشاطئ. وكان وقتها شاباً طموحا يعمل موظفاً في السفارة المغربية،
في ذاك اليوم خرجت رحاب من (الشاليه) وقد أحست بضيق أنفاسها بداخله. فراحت تتمشى على الشاطئ وهي تترنم بإحدى أغانيها المفضلة، كي تطرد شبح الملل عن نفسها، وكأنها تغني على خشبة مسرح جمهوره الموج والنوارس، السماء الصافية و رمال الشاطئ . فأبصرها أيمن هناك لأولِ مرة وهي تتهادى بخطواتٍ موقعة كأنها فراشة تحلق من زهرة لزهرة، فجذبه صوتها وهي مستمرة في غنائها الشجي. وهنا شعر بخيوط من مشاعر إعجاب تجذبه اليها، لا إراديا حرك قدمه بسبب تفاجئه بظهورها أمامه ، فتحركت حصاة انحدرت من أعلى الصخرة الى الأسفل، الشيء الذي لفت انتباه رحاب ، في تلك اللحظة رفعت عينيها للأعلى فالتقت بأعين أيمن ... ولوهلة شعرا بأن الزمن توقف هنا ، فتسمرا في مكانهما ، وتمنيا ألا تنتهي تلك اللحظة . لم ير أيمن في حياته عينين بذاك السحر وكأن البحر صب صفاءه عليهما، أما رحاب ما إن لاحظت وجوده حتى صبغ الحياء وجهها ، و شعرت بإحراج كبير، إستدارت رحاب بخطواتٍ سريعة عائدة أدراجها ، وكان أيمن يتابعها بعينيه إلى أن اختفت
كزائر غريب تسلل إلى حنايا فؤادها ذاك الحلم الوردي الذي بعثر كل أوراقها وأمطر أسوار قلبها بسعادة لم تشعر بها من قبل، .
رتبت يد الأقدار الصدف بينهما ، وكأنها هيأت لهما جسور لقاء روحين دون سابق إنذار. هكذا أصبحت رحاب تراه باستمرار، إما على صخرته المعتادة يرمي بصنارته، أو يتمشى على الشاطئ .
بمرور الوقت أدمنت رؤيته كثيرا ،ويشاء القدر أن يقتربا أكثر من بعضهما بعد أن تفجر في أعماقهما بركان الحب ، بعد أن قيدتهما سلاسله . وتعددت اللقاءات بينهما فأصبحا لا يفترقان ، فقد أدركا أن القدر ربط مصيرهما ببعضهما البعض ، الشيء الذي دفع بهما للتفكير بالارتباط .
لم ينتظر أيمن كثيرا وراح لبيت رحاب لخطبتها رحب به والدها كثيرا ، وجلسا معا يتحدثان . فقدم له أيمن نفسه بانه موظف في السفارة المغربية في هذا البلد، وأنه مغربي الأصل والجنسية ، حينها تقدم أيمن بطلب يد ابنته رحاب ، فالتمس والدها مهلة للتفكير وأخذ رأي العائلة و وعد أيمن أنه سيرد عليه بعد أيام .
قد تقف حواجز الواقع عقبات أمام تحقيق الأحلام ، فتكسر أجنحتها عندما تلقي عادات بالية بظلالها الثقيلة على الأحداث .
ولعل التمسك بعادة زواج الأقارب هو إرث حمله البعض فأوقع الظلم بأبنائهم، وبناتهم ، وأجبر الأبناء على ارتباط دمر حياتهم وأفسد واقعهم . وكان والد رحاب من هؤلاء المتعصبين لهذه الفكرة ، فما أن انفرد بوالدة رحاب حتى أبلغها رفضه فكرة زواج ابنته من غير أبناء جلدتها . هنا احتد بينهما النقاش، حتى تعالت أصواتهما ، ولم تفلح معه والدتها في إقناعه بقبول هذا الزواج ، وظل والدها مصرا على رفض هذه الزيجة رفضا قاطعامعللا ذلك بأنه وعد أخاه بأن يزوج ابنته لأبنه سمير حسب تقاليد العائلة وعاداتها .
وقع الخبر على رأس رحاب كوقع الصاعقة ، فلم تتمالك نفسها ودخلت غرفتها و نشيج صدرها يعلو من شدة البكاء ، فلم تجد أمامها مناص من أن تخبر أيمن بالخبر السيء ، الذي فجره والدها بعدم موافقته على زواجهما ، وتفضيله لابن أخيه
لعبت أنامل الحيرة بمشاعر رحاب ، فباتت نهبا للأفكار مشتتة الدهن بين حب تراه ينهار أمامها ، وبين تزمت والد متمسك بعادات وتقاليد عقيمة أثبت الزمن بطلانها .
نفذ والد رحاب وعده لأخيه ، وأصبحت رحاب خطيبة لسمير ابن عمها الذي يعمل في الديار الفرنسية . و أصبح هذا الاخير يزورهم من حين لآخر ، كلما جاء في إجازة ، لكن رحاب لم تكن تستأنس به ، و كانت تشعر بالنفور منه ، لأن حب أيمن قد سكن منها الأعماق ،فهو بالنسبة لها الأمل التي تتنفس منه . هكذا بقيت رحاب تعيش على أمل انه في يوم ما سيجمعها القدر بأيمن .
أمواج المجهول قد تأخذنا لشطآن الحيرة .. ولا ندري الى أين تمضي بنا أيامنا المتثاقلة
ففي يوم من الأيام استيقظت رحاب على صوت والدها يناديها ، وكان يبدو على قسماته بعض القلق والتوتر ، فخرجت وسلمت عليه فسألها ألا زلت متعلقة بإيمن و متمسكة برغبتك بالاقتران به، ما كادت رحاب تسمع باسم أيمن حتى اكتسى وجهها بالحمرة والخجل، واستغربت سؤال والدها عنه في هذا التوقيت بالذات ، وطأطأت رأسها ولم تقل شيء ، فتدخلت والدتها ، وأنقذت رحاب من ارتباكها ، وأفهمت والدها بأنها بالفعل ما زالت وبإصرار ترغب به كما هو يرغب بها ، واستفسرت والدتها من زوجها عن سبب هذا السؤال، ففجر هذا الأخير مفاجأة لم تكن متوقعة مخبرا إياهم بأن سمير قد عاد من البلاد التي يعمل بها ، وقد تزوج بأجنبية وحل رحاب من أي ارتباط بينهما ! و في هذه اللحظة انطلقت زغرودة طويلة من فم أم رحاب تعبيرا عن فرحتها الكبيرة ، واستبشارها بزواج ابنتها من أيمن أفاقت رحاب من ذهولها ولم تشعر بنفسها الا وهي تمسك سماعة الهاتف تزف النبأ السعيد لأيمن . هكذا تم لهما ما أرادا في حفل بهيج ، أشرقت فيه شمس الحب من جديد بعد ليل من الأحزان ...iii
المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة