Translate

السبت، 24 ديسمبر 2022

نهاية رحلة الحلقة الواحدة والعشرين بقلم الأديب المبدع / رشدي الخميري - تونس


 نهاية رحلة

الحلقة الواحدة والعشرين
رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس
بدأ سيّدي المعلّم يحبّ عمله أكثر ويندمج بسرعة مع زملائه الجدد وتعلّم الشّيء الكثير من مديره وتعلّم خاصّة أنّ المعلّم سيّد قسمه حتّى مع المدير نفسه. وقد تعلّمها منه كلّ من عمل معه فهو مدرسة فعلا. تقاعد ذلك المدير وجاء بعده آخرون وبقيت المدرسة كعلم تعرف به الجهة من حيث نوعيّة المعلّمين وعدد النّاجحين في المناظرات الوطنيّة. بعد مضيّ ستّة أعوام في تلك المدرسة رجع إلى سيّدي المعلّم هاجس مواصلة الدّراسة فولداه كبرا ويمكنهما الاعتماد على نفسيهما. ومن جهة ثانية بنيت جامعة في المدينة وأصبح من السّهل التّوفيق بين العمل والدّراسة خاصّة وأنّه ابتاع سيّارة بعد الحصول على قرض" هههههه" إذ لا سبيل لمعشر الموظّفين للحصول على سيّارة أو بناء منزل سوى الاقتراض من البنك وتحمّل الفوائض والخصم من الرّاتب. ذهب المربّي بعد أن استخرج أوراقا مطلوبة ممّن يرغب في التّسجيل بالجامعة واتصل بمكتب التّسجيل. سيّدي المعلّم بدأ شعره يبيضّ وظهر عليه بعض الكبر مقارنة بمن هم في مثل سنّه، عندما دخل مكتب الجامعة المخصّص للتّسجيل وأخبرهم بأنّه يريد أن يسجّل بالسّنة أولى أنجليزيّة ردّ عليه المسؤول بأنّ التّسجيل شخصيّ، والمعني بالتّسجيل هو الّذي يتقدّم لهذا المكتب. ابتسم المعلّم وقال " ها أنا ذا" فالتفت إليه كلّ من في المكتب وكأنّه قال ما يعيب أو كأنّه خرق قانونا ما، وكنت ترى في وجوههم الرّغبة في الانفجار من الضّحك فهي سابقة في هذه الجامعة، وكاد المسؤول هناك أن يرفض تسجيل المعلّم وعوض ذلك طلب منه أن يحضر الدّفتر الصّحيّ من الجامعة الّتي درس بها من قبل. لم يكن ذلك ممكنا فهو غادر الجامعة منذ ثلاثين سنة والملفّ الصّحيّ بالذّات قد يكون أتلف وليس كباقي الأوراق أو الوثائق الّتي يمكن أن تجد لها أثرا في الحاسوب. خرج المعلّم من المكتب وهو يفكّر أن حلمه قد ينهار. وبينما هو كذلك، خرج المسؤول وقال له "صدّقني لو كان الأمر بيدي لمكّنتك من التّسجيل فورا ولكن القانون لا يسمح بالتّسجيل بدون الملفّ الصّحّي" ولأنّ المعلّم يعترف جدّا بالقانون أجابه " لا عليك سأحاول الحصول على الملفّ" كانت المديرة آنذاك مارّة بالقرب من سيّدي المعلّم فسألته" qu'est ce qu'on peut faire pour vous monsieur ?" كانت مديرة المؤسّسة فرنسيّة الأصل وزوجها أصيل تلك المنطقة، فأجابها المربّي محدّثا إيّاها بما دار بينه وبين المسؤول في مكتب التّسجيل. بطبيعة الحال كلّمها سيّدي المعلّم بالفرنسيّة. بعد سماعه طلبت منه أن يأتي معها إلى مكتب التّسجيل و"أمرتهم" أن يأخذوا أوراقه ويسجّلوه في انتظار الملفّ الصّحّي. والملفّ الصحّي هو على مرمى العين" ههههه". أو هو على بعد أمتار. نعم فقد طلبت المديرة من سيّدي المعلّم أن يذهب إلى عيادة الجامعة وأن يستخرج ملفّا صحّيّا جديدا بناء على معطياته الجديدة ثمّ يسلّمه إلى مكتب التّسجيل وبذلك تنتهي الاجراءات ويتحصّل الطّالب الكهل على شهادة تسجيل بالجامعة. وفعلا تمّ ذلك وأصبح سيّدي المعلّم طالبا جامعيّا سنة أولى انجليزيّة. وبعد ذلك ضبط جدولا خاصّا وفّق فيه بين عمله ودراسته، وصار مواضبا على دروسه كلّما سمح له جدول عمله في المدرسة. في الجامعة كان الطّلبة والعملة ينادونه بالعمّ ...... بعض الأساتذة كانوا كذلك ينادونه عمّي.......أو سي.....ولم يكن منزعجا لذلك أبدا ففي النّهاية هو يكبرهم سنّا. مجيء ذلك المعلّم زرع في معلّمين كثيرين الرّغبة في التّسجيل وبما أنّ الباب فتح فلا مناص من الدّخول ههههه حتّى ينتهي خجل سيّدي المعلّم من وجوده بين طلبة في مثل سنّ أولاده. وأحبّه الطّلبة والأساتذة. وبتواجد معلّمين آخرين تغيّرت أشياء كثيرة في السّاحة وعلى مستوى حضور المحاضرات والدّروس التّطبيقيّة فبرؤية الكبار مثابرين على دروسهم والحضور، صار الطّلبة أو جلّهم يحضرون وصار الأساتذة يجدون أمامهم طلبة يسعون للمعرفة والنّجاح أكثر بكثير من ذي قبل. هذا لم يمنع الطّلبة من سؤالهم للمعلّمين "لماذا تدرسون وأنتم في هذا السّنّ، وأنتم متزوّجون ،ولكم وظائف وأولاد ولكم سيّارات؟" كان تواجد المعلّمين وبعض الموظّفين الّذين التحقوا فيما بعد يعتبر غريبا فجلّ الطّلبة يربطون العلم بالوظيفة أو بالعمل عموما. عمّي سيّدي المعلّم نجح وتحصّل على الإجازة والماجستير في اللّغة الانجليزيّة، وهذا ما جعله متخصّصا في تدريس اللّغة الانجليزيّة في مدرسته. تتعاقب الأعوام بعد ذلك بحلوها ومرّها ويأتي دور سيّدي المعلّم ليترك السّبورة والتّلاميذ وتحيّة العلم و سيمرّ مرارا من أمام مدرسته ليتذكّر كلّ لحظة وربّما كلّ درس علق بذهنه.. تذكّر يوما مثلا انّه كان في القاعة عدد أربعة وكان يدرّس سنة رابعة فرنسيّة. في تلك السّنة عوّد سيّدي المعلّم تلاميذه على حفظ القصص الّتي يدرسونها في حصّة المطالعة وفي يوم. من الأيّام حضر مع المعلّم ما يقارب عشرين معلّما ومعلّمة مع مرشدين اثنين ومتفقّد الفرنسيّة ما سمّي بدرس ملاحظة. كان التّلاميذ متحمّسين وناشطين ولعب المعلّم دور المنشّط وأحيانا دور المؤطّر. مرّ الدّرس كأحسن ما يكون وعندما طلب المعلّم من تلامذته الخروج لأنّ المعلّمين سيناقشون بعض الأشياء لاحظ المتفقّد أنّ بنتا كانت ترفع إصبعها وتلحّ في طلب الكلمة فوافقها فقالت أنّها تريد أن تسرد قصّة طلب منها المعلّم حفظها للحصّة الفارطة ولكنّها كانت غائبة فابتسم الجميع وسمح لها المتفقّد بسرد قصّتها وقد أبلت بلاء حسنا بإلقائها وحركات يديها وجسمها وتفاعل قسمات وجهها وعندما انهت استعراضها حيّت الحاضرين كأنّها في مسرح فصفّق لها الجميع لتخرج بعد ذلك وهي فرحة وقد نالت إعجاب كلّ من في القاعة . تذكّر سيّدي المعلّم أيضا أنّ في يوم من الأيّام منح عون خدمات درجة "عامل رئيس" فاعتقد أنّه أصبح رئيس العملة لذلك تخلّى من الغد عن بذلة العمل وراح يأمر زملاءه بالقيام بهذا العمل أو بآخر فاشتكوا إلى المدير ، ولمّا سأله المدير عن تصرّفه ذاك قال بأنّ الإدارة عيّنته رئيس العملة" هههههه" لكنّ المدير ابتسم وصحّح له الفكرة بأنّ ما تحصّل عليه هو درجة في سلّم الارتقاء وليس وظيفة...
رشدي الخميري / جندوبة / تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة