Translate

الجمعة، 17 فبراير 2023

بلا ذاكرة للكاتبة المبدعة / سيدة بن جارية تونس

 بلا ذاكرة

للكاتبة المبدعة / سيدة بن جارية 

تونس

كانت سماؤنا صافية،و شمسنا مشرقة وهاجة حين رن جرس هاتفي، ارتجفت لرنينه الصادم و استعذت بالله.
آه، صديقتي مريم المرحة تدعوني لاحتساء كأس شاي معها، لم أمانع فأنا احتاج هذا اللقاء لتقليص كم التوتر الذي أعيشه هذه الأيام، بحثت عن معطفي وحقيبتي اليدوية وضعتهما بسرعة فائقة،لكنني لم أجد مفتاح سيارتي، بحثت و بحثت في كل ركن من الشقة لكن دون جدوى حتى الشرفة بحثت في أرجائها ، ربما يكون بعض المشي مفيدا لي هذا اليوم .
ترجلت المسافة فالقاعة غير بعيدة عن المبنى.
التقينا دون تأخير، بدت وجوهنا شاحبة وقد خيم البؤس على محيانا،ضحكت مني رفيقتي على الرغم من مظهرها السخيف
سارعت بالاستفسار : مابك على غير عادتك؟
لا شيء! لست بمزاج جيد هذا اليوم حتى أتجمل، أشعر أن يدا خفية تطردني، تدفعني إلى الخارج، تصوري خنقتني العبرة و أنا أغادر آخر درج!
_ مثلك أنا، مهمومة ولم يسعني أي مكان، فكرت بك فروحك الخفيفة ستزيل همومي كالعادة، لا أخفيك سرا أردت سرقة بعض الطاقة الايجابية منك كالعادة صديقتي العزيزة .
_ ليتني أقدر... يلازمني شعور مريب، و لولا التطير حرام لربطت الأمر بظهور تلك البومة كل مساء بشرفتي.
تبادلنا النكت و الأخبار كعادتنا ، سرقنا الوقت فتذكرت موعد العودة بالأطفال من الحضانة و شراء وجبة الغداء جاهزة من المطعم المفضل بالحي فالصغار قد اشتهوا شطائر اللحم اللذيذة و بعض المقرمشات.
قبل أن تودعني مريم رن الهاتف و تتالت الاتصالات من الأجوار وبعض الأهل، كل هذه الأرقام تتصل في نفس الوقت تسارعت دقات قلبي وتصفد العرق من جبيني باردا بيدين مرتعشتين أجبت :
ما المشكل؟! ماذا جرى؟! هل من مصيبة؟
لم أتبين من يخاطبني بالضبط لكن السؤال الملح أين أنت؟
هل كنت بالشقة مع الأطفال ؟!
أجبت في انفعال شديد: غادرت المبنى منذ أكثر من ساعة سأعود حالا ، حالا ! بعد أن اصطحب الأولاد.
تبين لي أنه صوت زوجي وسط ضوضاء يحمد الله على سلامتي، أغلقت الخط، وخرجت كالمخبولة أسرع الخطى نحو العمارة، كانت تفصلني عنها مسافة كيلومتر واحد أو أقل، لم أفهم ما الذي يدفعني و ما المشاعر التي انتابتني، الكل كان يسارع في نفس الاتجاه بعضهم يتدافع، اشتممت رائحة كارثة عظمى عبق الكافور لفني وأشباح الموت تتراقص ، تصدعت أذناي بطنين حاد و كأن خبرا عظيما سيزلزلني،
اقتربت أكثر من المكان ، بيد أنني لم أعثر على ملامحه المعهودة، هل أخطأت الشارع؟! هل فقدت الذاكرة؟
لم أجدها، لم أجد الشجرة الكبيرة الوارفة، لم أعثر على سيارتي المركونة تحت ذات الشجرة، ذهلت للوهلة الأولى. أأصبحت بلا ذاكرة،جزء عظيم ارتج من كياني بل صدمت، ماهذا الركام؟ أين جيراني و أحبابي؟ حشد كبير يعاين المصيبة، لطمت، صرخت حتى انقطع مني الصوت، تذكرت لوهلة أطفالي توجهت إلى الحضانة مسرعة أطوي الأرض طيا حتى تشققت أقدامي بعد أن ألقيت حذائي وسط الطريق و أكملت حافية ، لاح لي المكان هادئا ساكنا اقتحمته كالمسعورة ولم أهدأ إلا حين احتضنت صغاري. حمدت الله و الأقدار، لم أنبس ببنت شفة و غادرتهم في ذهول.
أخذتهم بين يدي وعدت إلى عمارتي، أقصد ركامي المشتت، لمحت زوجي ينبش المكان مع الجميع يلتهم الحصى مغموسا بالأسى ، فأخذت أنبش معهم و أتشمم رائحة أجواري وقد دفنوا أحياء، بعض الأصوات تطلب النجدة و بعضهم يتأوه في حرقة، أه يازمن كيف سنعيد لم شتات أربعين عائلة، صولتك جائرة لم تمهلني لحظة وداع أيها الزلزلال.
مرت ساعات اليوم و دقائقه ثقالا على صدري تكاد تفتته حتى التقيت جارتي" وعد "منهارة صاحت بي : كلها عشر دقائق بعد مغادرتك المينى، عشر دقائق غيرت حياتي، آه! يا لوعتي، لقد اقتفيت أثرك كي أمدك بمفتاح سيارتك قد نسيته على الطاولة عندما زرتني صباحا ، لمحتك من الشرفة تبحثين عن شيء ما، ناديتك بأعلى صوتي ، لم تسمعي النداء، فنزلت السلم لأجلك مسرعة،ابتعدت عن العمارة قليلا بضعة ثوان كانت ركاما، تركت زوجي و أبنائي هناك، لولا المفتاح لكنت الآن تحت الأنقاض، ليتني لم أغادرهم، ليتني ما خرجت... انهارت المسكينة بين يدي المنقذين،غصت في صمتي و الألم يقطع أوصالي و يغرس سكينا في نسغي
و هذه الحيرة القاتلة تغتالني و الإرهاص الخانق يذبحني، تذكرت للحظة صديقتي مريم منقذتي من براثن القدر الغادر لم تتصل و لم أرها وسط الجموع الغفيرة فاتصلت بها على عجل، لم أفهم ما تلفظت به غير كلمات : دمار،خراب، لم يجد الزلزال غير شققنا ليدمرها، آه فقدتهم جميعا، أصبحت دون عائلة،دون شقة دون أمل ...
،تشتت كبير نشب براثنه مزق جسدي انهرت مكلومة صرخت في نواح و نديب كيف للموت أن يسرقهم مني كلهم، كيف؟ ليتني لم أغادر المبنى، ليتني مت معهم... يا الله رحماك، يالله للمنكوبين، يا لله للمساكين يا الله، وا محمداه وا.....
اتشحّ قلبي بالسواد ، لم أجد كلمات أواسي بها أحد .
غصت أنبش بأظافري أبحث عن أحبابي حتى حل الظلام فالتأم شملنا في العراء نتدفأ متحلقين حول نار أوقدها لنا صاحب المبنى، لم نتعش ليلتها، لم يخزنا البرد و لكن خيم علينا الحزن و الأسى.
سيدة بن جارية تونس
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏حجاب‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة