Translate

الجمعة، 17 فبراير 2023

طائر وخشّاب للكاتب المبدع / ابيه بظاك المغرب

 طائر وخشّاب

للكاتب المبدع / ابيه بظاك

 المغرب
أخذت الشجرة تتزعزع، وصوت قوي يُسمع، لبدت في عشي من الهلع، فإذا بالشجرة تميل وأنينها يطوق المكان، وقعتْ بعنف شديد، قُذفتُ بعيدا، فإذا بخشّاب ممسك بمحرك لا يزال يزأر، انهمك يفصل ما بقي عالقا من جسد الشجرة عن عنقها، تمدد الجسد مترنحا، وبقي العنق مشرئبا للسماء.
مكثتُ قليلا حيث وقعت أداري وقع الارتطام، وبما أن جناحيّ لم يعرفا الطيران بعد، أخذت أسير بعيدا عن يدي الاجثثات، وأنا أرمي الخطوات طمعا في النجاة تسلل من ورائي طفل الخشاب، فجثا على ركبتيه، وخر بيديه علي، أمسكني والفرح يكاد يمزق صدره وعيناه سارحة تتملى ألواني البراقة والمرتبة في تناغم جذاب، خاطب أباه وعيناه إلي مشدودتان بحبل من الغبطة:
- فرخ! فرخ!
أمره:
- أحكم يديك عليه وإلا انفلت.
غدوت لعبة بين يديه، أسرع بي إلى قفص، أحكم إغلاقه، تزحزحت خطواته قليلا، وعاد ليتفقد الإغلاق، ثم ذهب نشوان يتمخطر وسكاكين الحسرة تقطع نياط قلبي.
كنت في الأعالي والشجر يناغي السحاب، أبتسم لترانيميه، وحفيف أوراقه يعزف على مزمار الأفق، لكن أيادي الأعادي جرتني والشجرة للأرض.
لم أضع بحسباني أن أفواه الأفران تلتهم حتى الأشجار الخضراء المثمرة، كما كنت أستبعد أن أنفس الخشابين خبيثة إلى درجة نزع الحياة.
أُسقط كبرياء الشجرة أرضا، وسقطتُ صيدا في يد قصت جناحي، وكبلت إرادتي. أخذتُ أبحث عن منفذ يخلصني، تجوب عيناي القفص بحثا عن كوة للنجاة، لكن قضبانه كانت محكمة الصياغة.
تركني، وعاد ليتصيد عصافير أخرى، وحينما ينتهى سيعود ليتسلى بي وأنا في زنزانتي. لم يتأخر كما ظننت، عاد توا يحمل حبات قمح ضامرة وقطرات ماء. وضعها في المكان المخصص، وابتعد قليلا يراقبني، يتمنى أن أهتم بطعامه، ليشكر نفسه على حسن صنيعه، لكنني امتنعت، تأملني قليلا وانصرف، ناسيا أن شهوة البطن وليدة روق المزاج، وأن شهيتي لا تستسيغ أَكْلَ الممنون.
قاطعت الطعام والماء، ولو باستطاعتي مقاطعة الهواء لقاطعته، تمنيت أن يتوقف تدفقه إلى جسدي، كما توقف الزمن. فكل ما بالقفص مُر.
اعتاد كل صباح على مواربة القفص بحذر، مسليا نفسه بتمرير يده على ريشي الذي غدا باهتا منفوشا. تخز أصابعه عظامي كأنها إبر، أترنح مبتعدا، فتتبعني يده...
مر شهر كأنه سنة، وذات صباح، وهو منهمك في ممارسة طقسه اليومي جاءه صوت أمه حادا، من خارج البيت يتلولب في الفراغ، مخترقا الجدران، هازا طبلة أذني بقوة. أسند الباب، وعلى غير العادة لم يمرر المزلاج، وانصراف ملبيا.
سرت أدفع الباب بجناحي الأيمن، لكن قوتي قد خارت، صخرة صار. تمنيت لو لم تُستنفد قوتي، لكن هيهات ثم هيهات، فلا نفع للحسرة على ما فات. خِلت الجناح الأيسر أقوى، جربته، فخيب ظني، استلقيت أعزيني على تضييع الفرصة، فباب السماء صار مفتوحا، لكن لا طاقة لي على بلوغه.
استجمعت قوتي وصرت أدفع بظهري ورجلاي ملتصقتان بأرضية القفص، بينما أدفع يزداد قوة، كدت أستسلم. حبست أنفاسي ودفعت، استجاب لحركتي، وانسحب، طالقا إياي للأرض، سقطت، فقدت وعيي لِحين. انفتحت عيناي فإذا بي خارج القفص. حاولت ألا أئن، فلا وقت للأنين. وقفتُ، حركتُ جناحي فاقدا الأمل، فاستجابا توقا للحرية، حملاني إلى الخارج، اعتليت شجرة مبتعدا عن متناول يده، وجلست أستحث قوتي لأصل العلا، وهواء طري يداعب ريشي، يجتاح جسدي، ينعش روحي، انفتحت شهيتي، فمنحتني الشجرة إجاصة طازجة، التهمتها كاملة، فإذا بالنشاط ينتابني، ورئتاي تمتلئان حرية.
انطرد هواء القفص الذي كان يدخل جسمي على مضض، هواء مشبع بالأسى. أخذت أزقزق مبتسما، قاده اللحن إلي، فإذا به أسفلي، رافعا عينيه والشرر يتطاير منهما، تكادان تأكلانني، أتممت النشيد، ورفرفت سابحا في الفضاء.
الاسم: ابيه بظاك
البلد: المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة