Translate

الثلاثاء، 14 فبراير 2023

رأس لا ترسو على مرفأ للكاتب المبدع / أبوالقاسم محمود المغرب_الزاك

 رأس لا ترسو على مرفأ

للكاتب المبدع / أبوالقاسم محمود

المغرب_الزاك

يرابط منذ سنين في المقهى نفسه، يتبوأ مقعده في الجزء المقابل لصالون التجميل سارحا في أشكال زوار المحل، كلما خرجت إحداهن ٱستشاط غضبا من مظهرها وهو يصرخ : من غشنا فليس منا..
يزداد دهشة بعد كل لحظة كلما ٱلتقت عيناه بمنظر فاتك بالعيون كان قد بدى له عاديا قبل لحظات..
تعود من النادل أن يأتيه بمشروبه دون طلب ، فهو يعرف ما يريد دوما ، إبريق شاي ،
بدعوى التجمعات قرر صاحب المقهى القطع مع هذا المشروب ،
ٱقنعه أخيرا ليستجيب لطلب إفراغ محتوى الإبريق في كأس زجاجي كبير ..
أي ربح سيوفره إبريق يجتمع على كؤوسه خمسة أشخاص؟! كيف يحلو لهم التناوب بأفواههم على عنق قارورة ماء ؟! يتساءل مالك المقهى،
من خلف نظارته يتابع المشهد، نساء من كل الأعمار يبتلعهن المحل بالجملة، عجائز حل بهن التصابي، صغيرات ينطلقن نحو الحياة يتلمسن نضجا قبل الأوان، سراويلهن المثقوبة كنوافذ مترعة سهلت تسلل الريح لأجسادهن الغضة، خصلات شعر مصبوغة بألوان قوس قزح ، نسوة كفئران تجارب تختبر فيهن كل أنواع المراهم الرديئة..
تقول لي تزوج! قالها وهو يكلم صديقا ٱلتحق بطاولته، وأردف: تختار حمامة لتجد نفسك في اليوم الموالي تقتسم سريرا مع بومة ، أي مسخ هذا ؟! إنه عصر الخداع..
- بعد أن يستل نفسا عميقا، يرد : مبرراتك غير مقنعة ، زواجك المتأخر مهما اجتهدت في تبريره ومهما قدمت من أعذار لشرعنته لن تقنعني بطرحك ، ثم إن الجمال غير مرتبط بالمظهر فحسب ..
- ما يبنى على الغش لا يستقيم ، ستسقط الأقنعة كأحجار الضومينو على عجل فتدرك بعد فوات الأوان حجم الخديعة والمؤامرة،لم يبق شيء صادق في هذه الدنيا سوى المطر ، لأنه يأتي من السماء ، وحده يزيل الغبش والضباب عن وجوه النساء والأرض..
على مقربة من الرصيف المحاذي لطاولته رسمت طريقها ، آخذة بزمام كرسي متحرك تدفعه بكلتا يديها ، يبدو من ملامح الرجل أنه والدها البصير ، بدأ قلبه بالإبتعاد عن ضلوعه مع كل دورة تنفذها عجلات الكرسي المدفوع ، ليست ككل النساء ، بدت في عينيه ٱستثناءا قلب كل ٱنطباعاته ، هل هو الحب ؟
قدها الممشوق المستتر خلف الجلباب الأسود ، شعرها الطويل المقبوض إلى الخلف ، تبددت في لحظة بشاعة النساء في عينيه ، حولهن العشق من شيطان لحمل وديع، قسمات وجهها الرحب المبتسم كوطن بديل ، لطالما أغرته قوارب الموت بالرحيل نحو حياة أفضل ما وراء البحار! هاهو يعثر على ملاذ آمن دون عناء، الحياة رزقان واحد تأتيه وآخر يأتيك كنيزك يسقط قربك بغتة دون مقدمات..
نسي النادل وضع السكر في كأسه المنعنع ، لم يتفطن للأمر ، كان يحتسي الشاي ممزوجا بحلاوة اللحظة ، ليست قطع السكر دائما منبعا للحلاوة فٱستشعار الحب أحلى وأعذب،
شد من أزر أقدام أصابتها الصبابة بالوهن ، كانت شمسه على وشك المغيب ، قسمت عيناه الأدوار بين محل التجميل وسائقة الكرسي، بدأت السماء تمطر ، مساحيق الوجوه آخدة في التشوه، ٱشتبك الكحل والحمرة بالشفاه القرمزية فٱختلطت الملامح تحت السحاب ، سابق الخطى يتبع قلبه وهو هارب من حفلة تنكرية يردد : يا لعظمة السماء،
خلف الجلباب الأسود باشر مشروعا طاله التأجيل ، وبعزيمة متقدة مسح الغبار الذي جثم على لسانه ، فيما تدثرت ذات الضفائر بغطاء الصمت الناطق..
سألها : أتقبلينني زوجا ؟!
بين جبينها قرأ القبول ، شد على مقود الكرسي ، غير الإتجاه نحو الخياط ، طلب فستان زفاف وقمصانا صغيرة تناسب سلالته المستقبلية ، أشترطها كاملة لا ثقوب بها آملا في غد لا تتسلل من نوافذه رياح التعري.
-أبوالقاسم محمود/المغرب_الزاك
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏‏وقوف‏، و‏شجرة‏‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة