Translate

الثلاثاء، 3 أكتوبر 2023

قراءة تحليلية للأديب والناقد / عبدالغفور مغوار لقصيدة " أنا عاشق الأمل" للأديب الكبير الأستاذ حسن أجبوه

 

 قراءة تحليلية لقصيدة " أنا عاشق الأمل" للأديب الكبير الأستاذ حسن أجبوه

أنا عاشق للأمل..
على ضفاف الأشواق
تأخذني على حين غرة
تقلصات عبق التاريخ
تشنجات تضاريس
السفر البوهيمي للجرة
أكسرها علِّيَ أظفر
بنكهات توابل الأسواق
تأخذني ولا تدعني..
أنا الجائع للقمح والخضرة
أقيم معاهدة بين القبل
حمراء تسرق الشفاه
تروي سغب الحرة
تقاتل العوانس طواحينا
كانت...
أو أراجيزا للسهرة
فلا شفق بين الكلل
بدرا وسيم القمرة
يغري الدمى بالشهرة
على ضفاف الأذواق
تودعني كوابيس النحل
إيديولوجيا كانت أو عمرة
لست أميرا برقعة شطرنج
أنا فقط عاشق للأمل..
بقلم حسن أجبوه
المقدمة
تقدّم هذه القصيدة لنا لمحة عميقة ومثيرة حول حالة الحب والشغف التي يعيشها الشاعر تجاه الحياة والعالم من حوله. بدايةً، يُعلن الشاعر عن نفسه بأنه "عاشق للأمل"، مما يرسم لوحة بينية إيجابية ومتفائلة لرؤيته للحياة. في هذه القصيدة، يبدو الشاعر وكأنه يجسّد الحماسة والحب العميق للعالم، حيث يُلقي بنظرة عاطفية على الأشياء المحيطة به. سنتناول في التحليل القادم فهم الصور البصرية والمعاني العميقة التي تحملها الكلمات في هذه القصيدة المثيرة.
العرض
1- العنوان
في هذا العنوان المميز "أنا عاشق الأمل"، يتجلى الشغف العميق للشاعر بالأمل والتفاؤل، مما يجعل هذه القصيدة قمة في التعبير عن الروح الإيجابية والإلهام. الكلمة "عاشق" ليست مجرد كلمة، بل هي وعد من الشاعر بأن يكون الأمل مصدرًا لإلهامه وقوته. تعكس هذه الكلمة العمق العاطفي والارتباط الشديد الذي يشعر به الشاعر تجاه الحياة وإيمانه بقوة التفاؤل.
في سياق أوسع، هذا الموضوع ليس فقط محصورًا في هذه القصيدة العربية، بل هو موضوع يشد انتباه الشعراء العالميين أيضًا. فالأمل والتفاؤل هما موضوعان مركزيان في العديد من القصائد العالمية، حيث يسعى الشعراء من جميع أنحاء العالم إلى نقل هذه المشاعر الإيجابية للقرّاء. مثلاً، في أعمال الشاعر الشيلي الشهير بابلو نيرودا، يتجسد الأمل والتفاؤل تحت ظروف قاسية وتحديات اجتماعية، مما يعكس القدرة الرائعة للشعر على رسم صور للتفاؤل حتى في أصعب الظروف.
باختصار، "أنا عاشق الأمل" يمثل ليس فقط عنوانا لقصيدة، بل رمزًا للقوة والروح التي يحملها الأمل في عالم الشعر وكيفية تجسيده في أعمال الشعراء العالميين.
2- الأمل والشغف
الأمل والشغف هما موضوعان شائعان في الشعر، حيث يعكسان الإحساس بالحياة والإلهام. في قصيدة "أنا عاشق الأمل"، يندرج الشاعر ضمن هذا السياق، حيث يستخدم اللغة الشاعرية ليعبر عن ارتباطه العميق بالأمل والشغف بالحياة.
شعراء عرب وعالميون آخرون استخدموا الأمل والشغف كموضوعات مركزية في قصائدهم. على سبيل المثال، الشاعر اللبناني الكبير جبران خليل جبران، في قصيدته الشهيرة "النبي"، يُلمح إلى قوة الأمل والإيمان بالحياة عبر عبارات تنبع من الروحانية والإيجابية. وفي الشعر العالمي، الشاعرة الأمريكية إيميلي ديكنسون، التي كتبت العديد من القصائد حول الأمل والشغف، تُظهر كيف يمكن أن يُلهم الأمل القلوب حتى في أصعب الظروف.
عبارة "على ضفاف الأشواق" تجلب إلينا الصور الرومانسية، وهي موضوع شائع في قصائد الحب والشوق. الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب، في قصائده، يُظهر الشغف بالحب والأمل من خلال الطبيعة والأشواق، حيث يخلق صورًا رومانسية جميلة على ضفاف الأنهار وتحت أضواء القمر.
باختصار، هذه القصيدة ومثلها في أعمال شعراء عرب وعالميين آخرين تشير إلى قدرة الشعر على نقل مشاعر الأمل والشغف بالحياة، مما يُظهر قوة الكلمات وإلهامها للقرّاء بتجاربهم وآمالهم.
3- الرحلة والاستكشاف
يتبين استخدام الشاعر في قصيدته للغة الغنية والصور البارزة لينقل للقارئ فكرة الرحلة والاستكشاف كمكونات أساسية لحياته وتجاربه الشخصية. تعبير "تأخذني على حين غرة" يُشير إلى استعداد الشاعر لاستكشاف المجهول ومواجهة التحديات بروح مستكشفة وشجاعة لا تعرف الخوف. تعكس هذه العبارة جاذبية الغموض والمغامرة، حيث يظهر الشاعر جاهزًا لاستقبال ما قد يأتي في المستقبل بكل شجاعة وحماس.
من جهة أخرى، عبارة "السفر البوهيمي للجرة" ترمز إلى الحياة الحرة والفنية، حيث يسعى الشاعر للسعادة والرضا الروحي من خلال تجاربه واستكشافاته. يستمتع باللحظة الحالية بحرية، يعيش دون الالتزام بالقيود الاجتماعية أو المادية. يُوضح هذا السفر "البوهيمي" رغبته في اكتشاف الجمال والإبداع في كل تجربة، حيث يسعى الشاعر لاكتشاف الجمال حتى في أصغر التفاصيل وأحلى اللحظات.
هذه العبارات تجمع بين الاستعداد المستمر لاستكشاف المستقبل والاستمتاع العميق بالحاضر. تظهر صورة للشاعر كاستكشافي حر، جاهز لاستكشاف عوالم جديدة والتمتع بالحياة بجميع جوانبها. هذه المفاهيم تُجسد روح الحرية والبحث عن المعنى والجمال في عالم متنوع ومتغير، وتربط الشاعر بأرواح الشعراء المستكشفين الذين قاموا بنقل روح الاستكشاف والحرية في قصائدهم، مثل الشاعر الفرنسي الشهير أرثر رامبو والشاعرة الأمريكية الرائعة سوزان سونتاغ.
4- الجمال والجاذبية
يستخدم الشاعر في قصيدته لغة ملونة وصورية تجلب للقارئ تجربة غنية من الجاذبية والجمال. يُذكرنا أسلوب الشاعر بالشعراء الرمزيين الكبار في الأدب العربي والعالمي، مثل الشاعر الفرنسي آرثر رامبو والشاعر الفرنسي الآخر تيودور بودلير. في قصائده، كان رامبو يستخدم لغة غنية وصورًا رمزية ليعبر عن الجمال والجاذبية بأسلوب مبتكر وجديد، كما كتب بودلير عنهما بطريقة مثيرة ورومانسية، حيث استعمل اللغة بشكل متقن ليعبر عن الرغبات والأحلام الجميلة.
في عبارة "حمراء تسرق الشفاه"، يُجسد الشاعر تأثير الألوان وجاذبيتها، وهو موضوع كتب عنه رامبو بشكل مبهر. رامبو استخدم الألوان بشكل فعّال في قصائده ليعبر عن الحياة والعواطف بأسلوب فريد. عبارة "يغري الدمى بالشهرة" تُشير إلى الرغبة المستمرة في الجمال والانتباه، وهي فكرة تميزت بها أيضًا قصائد بودلير، الذي كتب عن الجمال والشهرة بطريقة فلسفية ومبهرة.
تجمع هذه العبارات بين الجمال الظاهري والرغبة المستمرة في الجذب والجمال الداخلي، مما يذكرنا بأساليب الشعراء الرمزيين الكبار وإبداعهم في التعبير عن الحياة والعواطف بأشكالها المتعددة. هذا الوجه المزدوج للجمال والجاذبية يعكس القدرة الفائقة للشعر على إلقاء الضوء على جمال الحياة وأعماق الروح الإنسانية.
5- التضاريس والصراع
يستعرض الشاعر في قصيدته التضاريس المعقدة للحياة ويُسلط الضوء على الصراعات الحضارية والإنسانية. عبارة "تشنجات تضاريس" تُعبّر عن التجارب المختلفة والصراعات الحياتية التي تشكل جزءً أساسيًا من رحلة الإنسان في هذا العالم. هنا، يرتبط الشاعر بروح الكتّاب الكبار مثل الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب، الذي قام برسم خريطة للتضاريس الإنسانية بأسلوبه الفريد والمؤثر.
عبارة "تقاتل العوانس طواحينا" تستعرض الصراعات والتحديات في العلاقات الرومانسية، وهو موضوع استكشفه الشاعر الفرنسي الشهير جيلبرت بيكر، الذي كتب عن تعقيدات العواطف والصراعات العاطفية بشكل عميق ومؤثر.
تجمع هذه العبارات بين التضاريس الحياتية المعقدة والصراعات الإنسانية، مما يعزز من عمق القصيدة ويجعلها قوية ومؤثرة. يظهر الشاعر هنا كمتصارع بروح الأدباء العظماء، الذين قاموا بتسليط الضوء على تعقيدات الحياة والصراعات الإنسانية بأسلوبهم الخاص وإلهامهم المستمر.
6- الثقافة والتاريخ
يتجلى اهتمام الشاعر في هذه القصيدة بالثقافة والتاريخ، ويستخدم تلميحات مميزة ليعكس تنوع الحضارات وجمالها. عبارة "بنكهات توابل الأسواق" توحي بتجارب الثقافات المتنوعة وتعدد الطهي في الأسواق العالمية. يُشبه هذا التعبير لوحة فنية تظهر مختلف الألوان والنكهات التي تحملها الثقافات المختلفة، ويُشير إلى تجارب الحياة والمعاناة والفرح التي تتنوع في العالم.
من جهة أخرى، العبارة "أو أراجيزا للسهرة" تشير إلى الفلكلور والثقافة التقليدية. تُمثل الأراجيز جزءً من التراث الشعبي في العديد من الثقافات، وهي قصائد تُقال في السهرات والمناسبات الاجتماعية أو فرجة تقام في المواسم والمهرجانات. تظهر هذه العبارة تقدير الشاعر للفلكلور والتراث، ويُظهر كيف يُمثل التاريخ والثقافة جزءً أساسيًا من هويتنا وتجربتنا الإنسانية.
وهكذا، تربط هذه العبارات بين التنوع الثقافي والتراثي وبين الجمال والغنى الذي يأتي من التفاعلات الثقافية المختلفة. يُعبر الشاعر هنا عن تقديره للثقافات المختلفة والقيم الثقافية التي تُثري حياتنا وتُضيء مساراتنا بالفهم والتسامح.
الخاتمة
يظهر الشاعر عمق العواطف الرومانسية والحكمة الحياتية، ويُعبّر عن فهمه العميق للحياة والعلاقات. عبارة "لست أميرا برقعة شطرنج" تُلقي الضوء على النزاهة والصدق اللذين يجسدهما الشاعر ليُظهر استقامته وقوته الداخلية بدون حاجة للاستعراض أو الخداع. يُبدي الشاعر هنا وعيه بقيمة الصدق والأصالة في الحياة، مستلهمًا فكرته من الشعراء الألمعيين مثل الشاعر الأمريكي رالف والدو إيمرسون، الذي ألهم القُرّاء بفهمه العميق للحياة الداخلية والنزاهة في التعامل مع العالم الخارجي.
بهذه العبارة، يُفسر الشاعر أنه لا يحاول الانتماء إلى صورة مزيفة أو التلاعب بالحقائق ليُرضي الآخرين. بدلاً من ذلك، يحترم الشاعر نفسه ويُقدر قيمته الحقيقية، وهو يتقبل نفسه بكل مميزاته وعيوبه. يستمد هذا المفهوم من فلسفة الشاعر الداخلية، ويُعزز من فهمنا للتفاني والنجاح الحقيقي الذي يأتي من خلال قبول ذواتنا والحياة كما هي، بكل جمالها وتحدياتها.
الشاعر الكبير حسن أجبوه قدم لنا لحظات روحية فريدة من نوعها من خلال هذه القصيدة الجميلة. تجسد عباراته تناغمًا بين الكلمات والأحاسيس، وتفتح أمامنا أفقًا جديدًا من الفهم للحياة والحب والثقافة. بأسلوبه الأدبي الرائع، لقد نجح بالفعل في نقل العمق والحكمة بطريقة تلامس القلب والروح.
قصيدته تعكس فهما عميقًا للإنسانية، وتجسد قوة الأمل والجمال في وجه التحديات. بدون شك، حسن أجبوه يظل رمزًا للشعر العربي ومصدر إلهام لكل من يتذوق جماليات اللغة والعواطف. تفتح قصائده آفاقًا جديدة للفهم الإنساني، وتذكيرنا بأهمية الصدق والصراحة في التعبير عن الذات.
لذا، نتوجه بالشكر والاعتزاز إلى حسن أجبوه على إثراء الأدب العربي بكلماته الرائعة وأفكاره العميقة، ونترقب المزيد من إبداعاته المستقبلية التي ستستمر في إلهام القراء.
عبد الغفور مغوار - المغرب

الأحد، 24 سبتمبر 2023

المقامر قصة قصيرة بقلم / محمد نمر

 



قصة قصيرة
(المقامر)
ما أن قام بفتح باب منزله، حتى قابلته زوجته بعاصفة من السباب الذى أعتاد عليه منذ زمن ولم يعد يحرك به ساكنا.
فى بداية الأمر كان يرد إليها الصاع صاعين، دائما ما كانت تنتهي ليلتهما بشجار عنيف يصل للتشابك بالأيدي، لا يهدأ إلا بعد تدخل الجيران للفصل بينهما.
مع كثرة شجارهما الدائم، أعتاد الجيران على ما يحدث ولم يعودوا يعيروهما أهتماما، حتى أن اليوم الذى لا يسمع صوتهما ليلا، يظن الجميع أن خطبا ما قد أصابهما.
واصل سيرة بخطوات مترنحه نحو حجرته، جذبته بقوة من الخلف مما أدي لتمزق القميص الذى يرتديه وهى تخاطبه صارخه:
- يوميا تعود ثملا بعد منتصف الليل.. لتغط فى نومك ولا تستقيظ إلا بعد غروب الشمس .. لا تتحمل أى قدر من المسئولية و..
أستدار إليها وهو يرد قائلا:
- لقد حفظت حديثك عن ظهر قلب.. لا داعي لان تكملي سأكمل أنا.
وأردف قائلا:
- منذ عامان لم تنفق على المنزل جنيها واحدا.. ولدك يعمل لأكثر من أثنى عشر ساعة يوميا ليكفي مصروفات البيت بالكاد.. كلما دق أحداهما الباب طالبا الزواج من أبنتك، يفر مسرعا بعدما يعلم حقيقتك.
صمت للحظات وهو ينظر إليها واردف قائلا:
- أليس هذا ماتريدين قوله؟
قالها وهو يتراجع للخلف بضع خطوات من أثر الخمر الذى أذهب عقله، وبعدما أستطاع السيطرة على قدميه، أكمل حديثة قائلا:
- كدت أنسى أهم جزئية.. حياتنا أصبحت كالمشردين والمساكين بعدما قمت ببيع البناية التى ورثتها عن أبيك ..وخسرت المال على طاولات القمار.
كان يتحدث وهو يقوم بتقليد حركة جسدها وطريقة حديثها، وما أن أنتهي حتى أنفجر ضاحكا بصوت عالي قائلا:
- أرأيت أننى أحفظ ما تريدين قوله عن ظهر قلب.
نظرت إليه غير مصدقة الحال التى آل إليها، شعرت بغصة فى حلقها، لم تقوى على الحديث، فجأة أنفجرت فى البكاء بقوة، أفاق من سكره للحظات، لم يصدق عينيه وهو يراها تبكى بحرقة، بعدما جلست على الأريكة المتواجدة بالقرب منها.
لم تدم دهشته طويلا، أستدار بخطوات غير متزنه متوجها لغرفته، وبينما كان يغلق بابها خلفه، سمع صوت أبنته تواسى لوالدتها فى محاولة منها لتهدئتها.
ألقى بجسده الذى يشعر بثقله على الفراش، لا يمتلك القوة لنزع حذائه او تبديل ملابسه، وغط فى نوم عميق.
أستيقظ فى السادسة مساءا كعادته يوميا منذ عامان، يشعر بصداع قوى يكاد أن يجعل رأسه ينفجر.
نهض بصعوبة، نزع عنه الملابس التى كان يرتديها بالأمس، خرج من حجرته مرتديا ملابسه الداخلية، متوجها صوب المرحاض، توقع أن يراها جالسة كعادتها على الأريكة المتواجدة بالصالة، تلقى على أذنيه عبارات التوبيخ كما أعتاد دوما.
تعجب من عدم وجودها، شعر بالسعادة على الأقل سوف يبدأ يومه بدون سماع حديثها السخيف الذى يحفظه عن ظهر قلب.
خاطب نفسه بأنها لابد أن تكون جالسة بحجرة أبنتهما التى أصبحت تشاركها إياها، بعدما قررت عدم النوم بجواره على نفس الفراش منذ زمن.
بعدما أنتهي، خرج ينادي عليها لتقوم بأعداد القهوة والطعام كما جرت العادة.
فالبرغم من شجارهما المتكرر إلا أنها مازالت تحافظ على القدر الأدني بينهما كزوجين.
أذ تعد له الطعام، و تقوم بغسل ملابسه، تحافظ على بيتها مرتبا، يعلم أنها زوجة مثالية فى تلك الجزئية، لكنه يكرهه صوتها العالي والمشكلات التى تقوم بأفتعالها بدون أسباب مقنعة.
ليس أول ولا أخر من يشربون الخمر، هناك طبقة كاملة من المجتمع تتناوله كل ليلة، بل إنهم يسخرون من الذى لا يشرب.
أما بالنسبة للقمار الذى تتهمه بأنه بدد أمواله فيه، يدرك جيدا أن الذى يضع يده فى الماء ليس كمن يضعها فى النار.
هى لا تعلم شيئا عن اللذة التى يشعر بها عندما يربح أحد الأدوار، شعور لا يمكن وصفه، ولا يستطيع أن يتصوره إلا من أقدم على التجربة بنفسه.
فمهما تحدث فاقد البصر عن ما يعانيه، لا يمكن للمبصرين أن يتخيلوا حجم معاناته.
ثم إنه لا يرى أن الامر يستحق كل ذلك، هو يحب أن يقوم بذلك وكفى، هكذا تؤخذ الأمور ببساطة.
دائما ما كان يتحدث إليها ضاربا لها مثال بكرة القدم، كرة من الجلد ممتلئة بالهواء يركض خلفها مجموعة من البلهاء مدعين إنهم يمارسون رياضة.
تقوم الأندية بشراء لاعبين بملايين الدولارات من أجل الحصول على كأس، ومكافأة مالية أقل بكثير من ما يتقاضاه لاعب واحد فى الشهر.
كذلك من يقوموا بالتشجيع، يسافرون من دوله لاخرى، قاطعين الالاف الأميال، للجلوس فى ستاد لساعة ونصف، يعودوا بعدها لبلادهم شاعرين بالسعادة، هو أيضا يشعر بسعادة عندما يمارس اللعب.
تعجب من عدم ردها، توجه لحجرة أبنته، طرق الباب عدة مرات لم يتلقى أجابه، قام بفتح الباب، تفاجأ من عدم وجود أحد بالداخل.
لفت أنتباهه خزانة الثياب المفتوحه على مصرعيها، الخالية من الثياب، شعر لوهلة بأنه يحلم، هل يمكن أن يكون مادار بخلده حقيقة ؟
لقد غادرت زوجته وأبناءه المنزل، توجه لحجرة ابنه، كان حالها كحال الغرفة السابقة، أيقن أن شكوكه تحولت لأمر واقع، لقد تركوه بمفرده.
توجه مسرعا نحو غرفته ليحضر هاتفه ليحاول الأتصال بهم، توقف أمام الباب بعدما تذكر إنه قام ببيعه بالأمس لحاجته للمال لمواصلة اللعب.
تحولت دهشته لغضب شديد، أخذ يكيل السباب لهم بصوت مرتفع، أمسك بكوب زجاجي موضوع على طاولة الطعام، قام بالقاءه غاضبا نحو الصورة التى تجمعه بزوجته فى حفل زفافهما ليتهشما الأثنان و يساقطا أرضا.
جلس على الأريكة، لا يدري كيف أنسابت الدموع من عينيه !
أخذ ينعت زوجته بالحمقاء، لاتدري إنه يفعل كل ذلك من أجلها هى وأبنائها، يتمنى لو إنه أستطاع الفوز بمبلغ كبير، كالأشخاص الذين يراهم يفعلوا ذلك كل ليلة، بعدها سوف يتوقف عن اللعب تماما، ولكن حظه العاثر لا يقف بجواره للنهاية.
دوما عندما يبدأ فى اللعب يحصل على بعض المكاسب المرضية، التى تدفعه لان يزيد من قيمة مراهناته للحصول على مبلغ أكبر من المال، لكنه فى نهاية الجلسة يعود لبيته بخفي حنين.
كل مرة يخاطب نفسه بأن يكتفى بالمكسب البسيط ويتوقف عن اللعب، لكنه لايدري ماذا يحدث له !
كل مرة يظن إنها الليلة المرتقبة التى ينتظرها، ربما هذا مايدفعه لمواصلة اللعب للحصول على أكبر مكسب ممكن.
نهض متوجها لحجرته، قام بتبديل ثيابه، توجه صوب الكازينو،
وجد رفاقه ملتفين حول المنضدة كعادتهم كل ليلة، ألقى عليهم التحية وجلس بالقرب منهم، يحتسي الشراب الذى أحضره له النادل.
أقترب منه مدير الكازينو، ألقى عليه التحية وهو يخاطبه قائلا:
- ألن تلعب الليلة ؟
- لا أمتلك مال.
- لا عليك يارجل ..سوف أقرضك.
- لكنني لم أسدد ديوني السابقة
أخرج مدير الكازينو دفتر شيكات من جيب بذته الداخلي، وضعه أمامه على الطاوله.
بلا تردد أخرج القلم، قام بالتوقيع على الشيك الذى لم يحدد به المبلغ، كأنه أعتاد على الأمر.
أشار مدير الكازينو لأحد مساعديه، الذى أتى حاملا مبلغ مالي كبير، قام بوضعه أمامهما على الطاوله وانصرف مسرعا.
تناول المبلغ ونهض مسرعا ليجلس على على طاولة اللعب.
بدأ بمبلغ صغير كما أعتاد دائما، كان الحظ حليفه فى البداية، ضاعف المبلغ السابق وبدأ يلعب مجددا.
عجبا ! للمرة الثانية يفوز، جمع الأموال أمامه وهو يشعر بنشوة الفوز، وبدت على شفتيه أبتسامة زهو.
أستمر فى اللعب لثلاث ساعات متواصلة، لم يخسر خلالهما مطلقا، قرر الجالسين أن ينهضوا بسبب سوء الحظ الذى يلازمهم تلك الليلة، ليتفاجأ بأنه ربح مبلغ ضخم لم يكن يحلم به.
أقترب منه مدير الكازينو مطالبا إياه بسداد المبالغ التى أقرضه إياها.
بعدما قام بتسديد ديونه، وجد إنه مازال بحوزته الكثير من المال، أطلق ضحكة عالية تردد صداها فى أرجاء المكان، جعلت المتواجدين ينظرون إليه بدهشة.
حدث نفسه بأن الليلة التى تمناها طويلا، جاءت أخيرا بعد طول أنتظار .
سوف يبحث عن أبناءه وزوجته، ليخبر تلك الأخيرة بأنه لن يعود للعب مجددا، بعدما ربح ذلك المبلغ الضخم، أشار لأحد العاملين بالكازينو طالبا منه إحضار حقيبة، ليضع بداخلها النقود.
أخذ يضع المال بداخل الحقيبة وهو يشعر بسعادة لم يشعر بها من قبل.
هم بالنهوض، شعر بقلبه يخفق بشدة، بدأت قطرات العرق تغزو جبينه، ألم قوي يغزو صدره، وضع يده على موضع الألم الذى كان يزداد بشدة، شعر بدوار حاد، بدأت الرؤيا تبدو ضبابية أمام عينيه، لم تعد قدماه تقوى على حمله، سقط أرضا.
هرع الحاضرين نحوه، محاولين مساعدته، تحدث أحد المتواجدين ليعرف نفسه بأنه طبيب ويخبر الملتفين حوله بالأبتعاد، ليتمكن من مساعدته.
أنحنى ليضع رأسه على صدره ليستمع لنبضاته، بعد أقل من دقيقة أعتدل وهو يتحدث قائلا:
- لقد فارق الحياة يبدو انه تعرض لأزمة قلبية حادة

عٍشْقى وعٍشْقُكُم بقلم د.ابراهيم محمد ابراهيم

قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏ابتسام‏‏ و‏نظارة‏‏

 

عٍشْقى وعٍشْقُكُم

بقلم
د.ابراهيم محمد ابراهيم
العِشْقُ عَندى ليس كَعِشقَكم*
فعِشْقى هو للحَبيبِ مُحَمَدا
فيه السمَاحةِ ونُورُه سَاطعُ*
وبوَجهِه كُلُ الجَمَالِ تَجَسّدا
وَسيمٌ قَسيمٌ أحورٌ أكْحلٌ*
حُلو المنطقِ بقولِ أُم مِعبدا
وأبو الطُفيلِ حين وَصَفَه*
بْكَونِه أبيضًا مليحًا مُقصّدًا
دعاه ربهَ من السماءِ محمدًا*
وسمّاه فى الإنجيلِ الأحْمَدا
فى السَما محمودٌ بين المَلْك*
وفى الأرضِ، البَشيرُ الشَاهدا
ولْدَ فى عامٍ كُل مَكّة تعرفه*
طَغى نَجَاشى بجيشه وعربدا
طيرٌ أبابيل لحَقت به ترميه*
حجارةَ سجّيل فقَضَى وشُرّدا
ماتَ أبُوه وهذا جَده يكفُله*
أعقَبه عمهَ لما يُتمَه تجَددا
أما حَليمُ السّعدِ فكانت له*
مُرضَعًا حين الجميع تَرددا
هْجَرَ المَعَاصى شرخَ الصبا*
وعلى أقرانِه والشَبابِ تسَيّدا
نَكِرَ أصنام مكّة وما حَولها*
آتاه اليقينَ بربٍ واحدٍ يُعبدا
كان حَنيفَا والأحْنافَ زانهُم*
وبدينُ الخليلِ تَبتّل وتشهّدا
ما حَاد يومًا عن صدقٍ قَاله*
وللأمانةِ كان بصْدرِ المَشهدا
آتاه جبريل ليلًا يقْرأ له*
بإسْم الإلهُ الخالقُ الأوحَدا
أبَانَ علمًا من العليمِ العَلى*
يُؤتيهُ لمن يشاءُ، من تَمجَّدا
ختمَ به الرُسُل الكرام لكَونه*
قالَ بالتَوحيدِ والقرآن أشْهدا
مافَرّط فى الكتابٍ وبنَهجه*
سار بين الناسِ سهلًا ما شَددا
صلّى عليه الله والمَلكُ كُلهُم*
ماداموا أمام العرشِ لله سُجّدا
وصلاةُ المؤْمنِ عليه واجْبة*
فيردُ له السّلام عَشرًا مُعدِّدا
عَرّْفَ الإيمَانَ الحَقّ وتْمامَه*
تقوى الإلهُ وبكل رسولِ تَشْهَدا
أقام الدْينَ حنيفًا بلا رِيْبَة*
وأركانٌ خَمْس للإسلامِ حَددا
ماطلبَ أجرًا ولا لمَغنمِ سعى*
بل الفضيلةُ وتْرْكُ الشْركُِ مؤبدا
قالَ بالتوحيد دون مُواربة*
وَرَدَ دعَاوى أهل الكُفر وفَندا
إنّ البنات كُنّ قَبلَك يوأدوا*
فرُزقتَهُن وكنتَ لهنّ مُرشدا
دْعُوكَ أبا الزهراءِ بين الوَرى*
فزدتَ النساءَ تشريفًا مؤكّدا
قالوا شاعرًا يأتيه شيطَانَه*
ومسّحورٌ بسحرِ باتَ مُعقَدا
زلقُوكَ بأبصارِهم لما وَعْووا*
ذكرًا للعالمين يَعلو ويتمَددا
زعموا سفَاهةً للمؤمنينِ بظنهم*
ولهم السفاهةُ مذْهبٌ ومَعْبَدا
هاجرتَ وتركتَ مكّة لمكرِهم*
وأتيتَ المدينة بدرًا وافدا
البْشْرُ فاضَ والجموع تَهلّلت*
وبنيتَ للإسلامِ أولَ مَسجدا
فحاربوكَ ببدرٍ وما بَعدها*
ما اسْتكنتَ وكان اللهُ مؤيدا
مشيتَ بالقرآنِ فكنتَ هاديا*
أصلَحتَ ما كان الزمانُ أفسدا
آذاكَ قومَ نفاقٍ فعابوا أهْلَك*
وكَبيرُهُم بالإفكِ قالَ وردّدا
فنُصرتَ من فوقِ سبعٍ عُلا*
بآياتٍ تُتْلى حتى يومِ الموعدا
عاهدوكَ عهدًا وخانوا عَهدَهم*
وغْدرُ بكرٍ مع خُزَاعة يؤكدا
غَزوتَ مَكّة بجيشٍ عَرمرم*
أطلقتَهم وعفو الكريمِ تجسّدا
أصنامُ مَكّة صارت والعَدم*
وطهّرتَ البيتَ العتيقَ مُجَدَدا
رأيتَ الناس أفواجًا أقْبلوا*
وصرتَ للتَوحِيد الحق رائدا
أقمتَ بعدْلِك دولةٌ راشدة*
لا فرق فيها بين بيضٍ وأسْودا
تقوى النُفُوس معيارُ صلاحَها*
تركُ المعاصى وكل أمرٍ مفسدا
محَجةٌ بيضاءُ تركتَ لنا*
فازَ من سارَ كما أمرت واقتدا
إنّ الشفاعَةَ منك تُرتَجى*
مَرحى لقومٍ إذ الشَفيعُ مُحمَدا
طبتَ حيًا وميتًا خيرَ الورَى*
شُوقى لرؤياكَ باتَ منى مُؤكدا
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏ابتسام‏‏ و‏نظارة‏‏

بائعة البخور بقلم / مها حيدر - العراق

 

قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏طفل‏‏ و‏ابتسام‏‏

بائعة البخور

أطلت أمي من الشباك عند سماعها صوتا عاليًا خارج المنزل .
- بخور… بخور…بخور
- يا إبنتي اسرعي قبل أن تذهب ..
- أين المال؟
- اذهبي بسرعة وساحضره .
ركضت اليها قائلة :
-كم سعر البخور؟
لم تجب ، وأعطتني علبة ممتلئة منه !!
ناديتها من بعيد : انتظري … انتظري ، خذي ثمنه .
رجعت إلى المنزل مستغربة ، أخذته أمي من يدي متلهفة .
- وأخيرًا جاءت بائعة البخور ، كنت أنتظرها منذ أسابيع ، لكن الحمدلله جاءت قبل أن يحصل ما أخشاه !!
- ما الشيء الذي تخشينه يا أمي ؟!
ذهبت إلى غرفتها ولم تتفوه بحرف واحد.
جلست على الكرسي الخشبي الهزاز ، وقد وضعت سبابتي قرب حاجبي الأيمن متفكرة …
- لو كنت روحًا… فاين أنا ؟!! .
مها حيدر
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏طفل‏‏ و‏ابتسام‏‏

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة