Translate

الثلاثاء، 11 يناير 2022

رفاق الطابة قصة قصيرة الكاتبة تركية لوصيف /الجزائر


 

رفاق الطابة
قصة قصيرة
الكاتبة تركية لوصيف /الجزائر
نشرت الغسيل ،وأطلت من سور بيتها المهترىء ،عندما أحست عودة الهدوء للحى واختفى صخب الصغار الحفاة وهم يجرون خلف الطابة
..انزعجت قليلا ،فالهدوء فى مثل هذا الحى المتراصة أكواخه لا ينبئء بالخير أبدا ،هكذا كانت تردد فى داخلها
يجب أن تسرع لتطل من شق الباب الذى حوى من المسامير مافاق الخشب البالى ،تضع وشاحها على رأسها وتمشى خطوات مبعثرة وتدور بمكانها حتى ترى جمعا فى الهجير يلعبون لعبة الكوتشينة ولم ينتبهوا لوجود الصغار ..
سيقانها النحيفة لم يعد مايكسوها إلا الجلد لتقدم قراءة لحياة هؤلاء جميعا ..
تراءت لها شاحنات والغبار يعم المكان ويظهر أنها لمقاول سيشيد مبانى جديدة ..كانت تسأل عن صغيرها وتنادى حتى هرع لأمه تاركا الصحن ..ضمته وقبلته ثم انهالت عليه ضربا وكان يعانقها باكيا معتذرا ..
كان صاحب العمل يرى حنان الأم وعناق صغيرها ،اقترب وقدم اعتذاره وهو يحمل كيسا به طعام..
قال سمير كان ضيفى وأخبرنى أنه يتيم الأب وأنه يريد شراء طابة وقال...
لم تدعه المرأة يكمل حديثه ،قالت لم يخبرنى بحاجته لطابة أبدا ..ولن اسمح لك بالخروج مطلقا ،سأحبسك فى البيت وتلاعب جروك ..ورفضت أخذ الكيس منه فوضعه بيد الصغير..
جاء سمير لهذا المكان لانه اراد مسك مقود الشاحنة وفعل ،كانت امنيته وحققتها له على أن يحقق لى ماتمنيته..
لم تطل المرأة البقاء وشكت فى تلك الأمنية !!
كانت تتلذذ الطعام وتنصح الصغير وهى تحكم قبضتها على أذنه بعدم الإبتعاد ،فالمكان خطير ،ماذا لو دهسته الشاحنة!!
كان الطفل يسرد مادار بينه وبين المقاول من كلام ،أخبرها أن الجرافة ستزيل الأكواخ و سيعوضنا المقاول ببيت صغير وقال علينا الرحيل باكرا من هذا الحى وعلينا إخبارهم بالعودة لبيت جدتى ..
كان فخورا بالحديث عن صديقه الجديد ..
عيونها الغائرتان احتجزت الدموع كما لو كانت بركة راكدة والتفتت لسمير وهو نائم يحتضنها ..
ربما سمير ثرثر كثيرا مع المقاول لأجل ماوجده فى الصحن ،الضيافة وراءها تهجير للفقراء وقتلهم تحت الردم إن رفضوا التهجير وإن قبلت البيت الجديد ،سأقبل كل ما يأت به المقاول ولكن سأقبل لأجل انتشال ابنى من وكر الإجرام ..
طرق على الباب والمنادى الطفل سمير الذى كان يلاعب جروه ،قالت نسيبة من ؟
قال أنا من قبل المقاول
فتحت ونظرت يمينا وشمالا ودعته للدخول للردهة ..
سيدتى ،اجمعى اغراضك وسأحملها للشاحنة وستدخلان بيتا جديدا هذه الليلة
الرحيل عن الحى وعن رفاق الطابة ،كان سمير يلوح بيده للرفاق الذين انهكهم الجرى وراء الطابة ،بدوا كما لو انهم يحسدون سميرا على الرحيل بكرامة تسمروا بالمكان !!
كان سمير محقا بما أخبرها ،بيت جميل فى حى نظيف ..
المقود تديره يدان قويتان ،بدا كالوحش او هكذا كان المقاول يتمنى رؤيته ..وحش يقود الجرافة ويقتحم المكان فيزيل الاكواخ ..
الفقراء فى دهشة من العائد ورفاق الطابة يعرفونه جيدا ويعرفون سر
الجرافة التى مسحت ألوان الفقر عنه وعن والدته ،صاح فيهم وقال :
عودوا لبيوتكم وأهاليكم والأرض لها مالكها وأنا أنفذ الأمر ..
كان المقاول مزهوا بسمير ،جعله نسخة منه ..لم يطب له الطعام تلك الليلة واخبر والدته انه اقتحم الحى وراى رفاق الطابة واحترموه ..
لم أهدم كوخا يا أمى ولا أريد ،فردت هى لتخبره عن الأمنية تلك..قالت أن سعد المقاول سعى لتعليمك ومحو اميتك كما لم يتمنى أن تصبح مدرسا أو طبيبا ،بل صاحب عمل تقود الجرافة وتكون
سنده فهو لم يرزق الطفل الذى تمنى كما نبهنى قائلا:
لاتقفى عقبة أمام سمير ..
استسلمت لرغبته لا لأمره وشكرته فأظهر احترامه لى فهو يريدك ..
عشت فى الغبار يا أمى الذى تخلفه الشاحنات وهاقد اشتد عودى واكتسبت طباعه وعرفت عند رجال الأعمال اننى ولدالمقاول بل ومن صلبه..
تهجير الفقراء وهدم الأكواخ وصراخ الأمهات وقهر الآباء صورة لم ارها ولكن توقعتها..
لحظة إبعادنا عن الحى ..
،الآن تدك الأكواخ يا امى ورفاق الطابة صدورهم عارية تجابه الجرافة..
رمى بالصحن وبكا ،نظرات رفاقى لى قاتلة اقوى من الجرافة ،مساحات استولى عليها صاحب العمل من الفقراء..
ينتزع حقوقهم بالجرافة وأرادنى الأداة الفاعلة ..
طرق على الباب وتفتح العجوز لتجد صاحب العمل يستجدى بسمير..
ولدى أنا بحاجتك أكثر من أى وقت مضى .
ورفاقى بحاجتى أيضا..
وسأدافع عن عائلاتهم ..
جلبة كبيرة ،شريط يمر امام عينيه الشيوخ والعجائز والأطفال والجراء ورفاق الطابة صدورهم عارية تجابه لحظة تحرك الجرافة .
إنها تتحرك وتتقدم ،لحظات حبست فيها الأنفاس.. وسعدت أنفاس اخرى ..كان سمير فى لحظاته الأخيرة إما يزيل الأكواخ او تزال روحه برصاصة طائشة
كانت الجرافة تتقدم فتقدم الرفاق،العجوز كما لو رمت بسمير لقدر مجهول ،كانت صامتة وكانت تختبر رجولة ولدها ،يرفع شأنها او يحطه وساعتها تترك جسده للكلاب الضالة ..
اوقف صوت المحرك واوقفت معه أنفاسه برصاصة طائشة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة