عبدالمجيد بنداش
ضواحي باريس
__________________
في المقهى
جلست كعادتي في انتظار الصديق الناجم في مقهى كلمونتين،(البرتقالة) أتت شابة جميلة المنظر، تنبعث بها رائحة العطر الطيب، ترتدي قميصا أبيض شفاف و سروالا اسود ضيق لإظهار تضاريس الجسم، طلبت منها أن تأتي لي بإبريق شاي من النعناع و ترفقه بزيت الزيتون وخبز من الشعير.
ثم وجهت نظري في اتجاه الطريق المعتاد الذي يسلكه الأستاذ الناجم كي يصل إلى المقهى لكن هذه المرة لم الاحظ سلته للتسوق في يده ولا حذاءه الرياضي الأبيض الذي يلمع من بعيد ولا ابتسامته العريضة،
قلت في نفسي لربما فاتته الحافلة.
بعد عشر دقائق أتت النادلة وكل الأنظار تتجه حولها من كثرة جمالها الطبيعي الجذاب، أما صاحب المقهى يتابع نظرة الناظرين من الجالسين و الواقفين و المارين، لأنه عدّ النادلة رأس ماله بما تجلب له من الزبناء.
ما أن حطت الصينية وإذا بالأستاذ الناجم يبدو واقفا أمامنا مبتسما
قائلا : أسمح لي اخي عبد المجيد لقد فاتتني الحافلة لهذا أتيت متعطلا،
فأجبته : لابأس اخي الناجم ليست لدي مهمة عاجلة ثم أنا في عطلة.
ثم طلب الأستاذ الناجم فنجان قهوة مع خليط من حليب دون سكر مخافة من تأثير السكر على المرض السكري الصامت القاتل ولاسيما إذا كان مصحوبا بالضغط الدموي والكولسترول كما يردد الاستاذ الناجم.
ونحن نتبادل أطراف الحديث وسرعان ما تأتي إمرأة تحمل رضيعا في ظهرها تبيع المناديل، منحتها بضع دراهم ولم آخذ مبيعاتها. حالها ومنظرها الحزين تجعل مشاعر الشفقة تتدفق إلى السطح.
شرح لي الاستاذ الناجم أن هذه طريقة جديدة للتسول، نساء يحملن رضع وأطفال صغار لا يذهبون إلى المدرسة.
وأنصرفت المرأة، لست أدري إن كانت متسولة أو بائعة أو مريضة أو متسكعة، إلى الطاولة الجانبية منا فلم يشتروا منها شيئا.
بدأ الناجم يسألني عن أحوال الطقس والمعيشة في باريس ولا سيما عن عملي في المتحف. ثم طرح لي سؤال تقني عن كيفية شراء القطع النادرة في المتاحف خصوصا أنه يملك البعض منها.
ثم سألني عن برج ايفل إذا كان يجلب الكثير من السيّاح و بسخرية عالية قال متحسرا :
نحن لدينا برج البرتقال الموجود أمامنا لكن يجلب فقط المجانين لقد أصبح كالأطلال من قلة الصيانة.
وللصدفة يظهر على بعض امتار رجل يلبس ثياب متسخة ورثة يقترب بسرعة الضوء من الطاولة، يسرق كأسي من الشاي دون إذن.
التفت إلي الناجم و هز رأسه قائلا لي:
لا تقلق هذا السلوك عادي نتعايش معه كما نتعايش مع الذباب والنحل في المقاهي.
لم ينه كلامه وإذا برجل يصرخ ويشتم لست ادري من ولماذا؟
وشرح لي من جديد صديقي الناجم أن اخبار السوق تروج بأن هذا الرجل منذ أن اكتشف خيانة زوجته له وهو يعيش هكذا في الأزقة. الشارع ملجأه في غياب مستشفى الامراض العقلية.
طلبت من النادلة أن تأتي لي بكأس كي انهي شرب الشاي.
وأنا في انتظار النادلة لفت انظاري رجل مسن يقود دراجة هوائية قديمة من نوع پيجو 700 تنتمي إلى حِقْبَة الستينيات، وقلت لصديقي : تلك الدراجة الهوائية لها قيمة تاريخية وتراثية مكانها في المتاحف.
فرد علي بتنهيدة كبيرة : يا أخي عبد المجيد في هذا البلد يجب عرض البشر كذالك في المتاحف لان الكثير منهم يعيش معيشة الستينيات، عام الجوع والفقر المدقع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق