شبه أنثى
انا بدون هوية حتى.بدون عنوان على تراب خلقت منه البشرية . حسنا ربما سأعطي لنفسي أسماء لقيطة .أخترت اسم حنان .لأنني فقدته يوم رأت عيني نور الحياة .يوم تاهت الأنفاس بين دنيا بلية ، تيتمت وانا لا اعرف العد ولا معنى ما يخبأه لي الغد ، لم يبقى لي سوى ورقة مكتوبة بحبر جاف وقاس، غادرت والدتي بعد لفظ آخر الأنفاس ،وفارقني والدي قبل ذلك بشهور ،يومها كنت نطفة سوية . وبعد تلك القصة . تجولت بين دور الأيتام ،من قفص لقفص ،كطير مجروح ينتظر فقط يوم الاعدام . لا اعرف أحد ،لا اعرف سوى أسماء ووجوه عابسة ،قفرة ،ترهقها مشاق الدنيا ، يوم أشرفت على سن البلوغ لم يكن لي غرفة خاصة لي ألجأ إليها في عزلتي ، لم يكن لي جدار بغرفتي ،أرسم وأكتب به ما أشاء . يوم البلوغ لم يكن صدر حنون ،أشكو إليها مخاوفي ،وأفراحي ،وهمومي . رغم أنني لا اعرف معنى والدة ،لكن كنت أشعر بشيء يجدبني إليها . كنت دائما أحلم وأتأمل أن أحد الحنان في مكان ما وأطلب من الله ذلك . صبرت انا حنان على القسوة ،والظلم ،والاستعباد ،والمعاملة السيئة ، مرت سنوات على نفس المشاهد تتكرر ،الى أن جاء يوم يشبه كل الايام الخالية من الأرقام . سافرت أنا مع مجموعة تابعة لمدرسة الايتام .وبما أنني كنت متفوقة ،جدا في دراستي ،اختارتني لجنة تابعة الدار أن امثلها بالمسابقة المقامة بخارج الوطن ، وكانت لي اول مرة أركب فيها طائرة . احساس غريب جدا ،وانا انظر من فوق ليس كالنظر من تحت ،فرق شاسع ورهبة كبيرة ،تتملكني حينها ، وعرفت يومها ،ما الفرق بين الاعلى والاسفل . رغم سعادتي كنت أشعر بفراغ وخوف من الموت ،وكأنني احتاج الامساك بيد والدي ،رغم أنه غير موجود ولا اعرف معنى الأبوة ، اغمضت عيناي في غفوة ،واذا بي ارى قوس قزح بألوانه الزاهية يتوسط السماء،ورأيت أبي وأمي يمسكان بيدي فوق الغيوم البيضاء ،امرح وألعب وأغني ،اغنية الطفولة ، وكل هذا كان في غفوة وياليتها لم تنتهي ،ولم أستيقظ .سمع المضيفة الطائرة بالوصول أيقض احلامي الوردية . بعد ساعات بدأت المسابقة المنتظرة ،. وطبعا بدون تفاصيل تحصلت على جائزة أحسن طالبة في علم النفس ، وليس هذا فقط ،لقد رعتني كلية هناك ومنحتني منحة دراسة لان أتخرج ، بالطبع وافقت ،فورا ،ويا لسعادتي التي لا توصف ،رحت يومها أبحث عن من يقاسمني فرحتي ،ولكن دون جدوى ،أمي ليست موجودة . واصلت مشواري التعليمي بكل أجتهاد .إلى أن حصلت على شهادة الدكتوراه .وأصبحت عميدة لكلية علم النفس. تحسنت حياتي . أنتم تتسائلون لما لم أتزوج . اقول :بلى جائني الكثير من عروض الزواج منهم من قبلت وفي مرحلة الخطوبة أتوقف لأسباب لا تناسبني ، وهكذا حتى وصلت إلى الاربعين ،دون أن أشعر ،ولحد هذا السن لم تتوقف عروض الزواج. لكن كنت أرفض ، شاركت في عدة ملتقيات وبعثات الى دول أخرى ،لقبت حينها بسفيرة العطاء والحنان . أستمرت حياتي بنجاحات وشهادات وتكريمات، الى أن وصل بي المطاف على فراش بدى يسرق مني عقلي الذي كان هو باب جنتي بالحياة ،سرق قوتي، سرق ضحكتي ،سرق لهفتي للدنيا ، لكن تعلمت منه في الاخير أنه لم يسرق مني شيء ،بل انا من سرقت نفسي بنفسي ، انا من تبعت حلمي الوردي ،انا من تباهيت بعقلي وقوتي ،أنا من ضاعت بين اوهامها ،تهرب من حقيقتها المؤلمة ،انا سارقة . ولكن لي تبرير وحيد أن كان حقا يشفع لي أمام حقيقتي . لم أرتبط ولم أشأ أن يكون لي رابط مع أحد ،لم أرد أن يكون لي أبن فيأتي يوم وأتركه مثلما تركتني والدتي ،لم أشأ أن يشعر بالوحدة واليتم ،مثلما مررت به انا ،لم أشأ أن أكون له ذكرى من الماضي ، لم أرد أن أكون له ورقة تأخدها الرياح إلى مكان بعيد . لم أكن أريد أن أعيد تكرار المشاهد ، هذا هو قدري انا حنان بالرغم من أسمي الذي يحمل دلالات ،لكنه خال من كل هذا . كنت فقط أبيعه أوهامي للبشر ،وأعالج أحزانهم وفي نفس الوقت لا أجد من يداوي أسقامي . هي نهاية حزينة بالرغم من وجود انتصارات على حب الذات . حنان ترحل للأبد وتترك رسالة أمام جدار ميتم .
الى اللقاء
بقلم دحدوح ياسمينة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق