الفكة
كنت في نهاية الشهر، أردت أن أسحب بعض المال من مدخراتي، ضغطت على الرقم الخاطئ ..
قلت: لا بأس سأودعه الآن في إحدى الماكينات، احتجت لبعض الفكة، سألت أكثر من بائع وكانوا أصحاب السوبر ماركت ولم يكن معهم فكات، حتى مررت ببائعة الخضار، سمينة، سمراء اللون، عبث الكحل بعينيها فصارت كأنها وضعت وحلا على وجهها، كانت عبوساً للغاية لم أعلم هل بسبب الطقس الحار أم كانت في خضم شجار ما!
أخبرتها: هل معك فكة لمائتين جنيها؛ أنا أريد مائة ومائة اذا سمحت.
صرخت فيني، وكنت أظن أن باعة الخضار يمتلكون وفير من المال وخاصة أن اليوم هو السوق في البلدة التي أعيش فيها.
صاحت، كأنها توبخني: لا يوجد مائة ولا مائتين.
لا أنكر أنني فزعت من صوتها العالي لوهلة قصيرة للغاية، ثم ابتسمت، لا أعرف لماذا فعلتها!
هل أردت المزاح أم تجاهلها أم التخفيف عنها؛ لكنني قلت ربما لا تقصد ما فعلته!
تجاهلتني، وواصلت البيع.
بقيت أبحث عن الفكة، لا أعلم لماذا اختفت الفكات فجأة؛ كنت أريد أن أعيد المال بشدة قبل أن تختفي في التفاهات ..
تأففت، سئمت البحث، أجلت البحث عنها لوقت آخر، ذهبت إلى عملي، وأنا أفكر وأحمل العبء وكنت أقول لنفسي لا بد أن أعيد المال بطريقة أو بأخرى، مدخراتي صارت قليلة.
انتظرت ساعة لعل المحلات كسبت رزقها، ثم سألت عن الفكة ولم أجدها مرة أخرى، مررت بالبائعة وكان حولها زحام، قلت في نفسي: الآن سأجد ما أريده.
صاحت مرة أخرى كالمجنونة: أتيت مرة أخرى!
نظر إلي المشترين كأنني شحاذاً ما، هالني الصمت من هول ما رأيت، ثم تركتها ولم أرد عليها، بكيت في الطريق، بقيت أكلم نفسي وأتخيل أنني أوبخها بشدة، ويعلو صوتي، ويتدخل الناس حتى أهدأ.
ذهبت إلى إحدى الماكينات، أصابني الإحباط، أودعت كل ما معي، لم أعد إلى العمل، ذهبت إلى المنزل على أقدامي رغم بعد المسافات، وبقت تلك المرأة عالقة في ذهني وأفكر في الفكات اللعينة التي اختفت فجأة، قررت أن أواجهها وأسترد حقي.
مررت بها في اليوم التالي، بينما أتمشى كنت أعد الكلام الذي سأقوله لها، وأفكر في الطريقة الصحيحة لأعنفها، وصلت إليها، وقفت دقيقة، ثم نظرت إليها؛ وهي تبيع وتوبخ المشترين، كان قلبي يدق بسرعة، حتى اقتربت منها، نظرت إلى بعيون مليئة بالغيظ، كادت أن تقول شيء ما، لكنني تركتها كأن شيء لم يكن!
باسنت مدحت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق