Translate

الاثنين، 13 يونيو 2022

فيوءُ الماضي بقلم / محمد خيرالله - مصر


 فيوءُ الماضي

بقلم / محمد خيرالله - مصر

جلستْ في المكان الذي اِعتادته، ممسكةً إبرة الحياكة، يداها دقيقتان وعروقها بارزةٌ، كفروعِ الريحانةِ اليابسةِ، لاتُخطيء طريقها في نسْجِ الخيوطِ، وحبكِ العقدِ.
تمعنُ النظرَ في الفتياتِ اللائي يلعبنَّ ، يتزحْلَقنَّ، ويرفعنَّ أصواتهنَّ بالصياح ويملأنَّ الفضاء عذوبةً وألحاناً.
بالطريق الجانبي أُخْرياتٌ يضْرِبنَّ بأطرافِ أقدامهنَّ المروجَ، منتظراتٍ دورهنَّ في الأرجوحةِ الدائرية، توارتْ إِحداهنَّ باكيةً ربما سَقطتْ منها لؤلؤةُ حباتِ عِقْدها المنظوم أثناءَ الجريِّ.
الحائكةُ تشْتَمُّ نسائمَ ممزوجةً بأريجِ الياسمين المُنسَدلِ بأطرافِ ضفائرهنَّ الحريرية، ودَّتْ لوأنَّها جَمعتْ هذا الحسنَ كُلّهُ في سلَّتها المثقوبةِ، واِنْطوتْ به في غرفتها.
عيناها سابحتان في ماضٍ بعيد، يوما ما عقدَ لها أبوها الحِبالَ جيداً في جِذْعِ الشَّجَرةِ وأجْلسها على الغصنِ النضرِِ، وبكلا ذراعيهِ دَفَعها؛ فتحرّكتْ وطارتْ هى وقلبها بين السحائبِ، منتشيةً بفستانها الورديِّ المرفوعِ أعلى ركبتيها، تُدَاعبُ وجنتيها لمسةُ حياءٍ،
لقد اِنتظرتْ كثيراً الدفعةَ الثانيةَ؛ لكنّها لم تأتِ وغابتْ طويلاً ومعها تأخرتْ ضِحكاتها وربَّما تخفتْ بين جوانحها.
وعاودتْ صياغةَ قطعَ القماشِ مُستجديةً آخر شعاعٍ للشمس في التريّثِ قليلاً؛ لإنهاءِ خطِّ العنقِ.
يخترقُ سمعها صوتُ النادلِ معلناً قُربَّ اِنتهاءِ الموعدِ، واِنصرافِ الجميعُ، ودعتْ الأنوارُ الأجْواءَ وشَّرَعتْ هي تلملمُ شِتاتَ القميصِ المنسوجِ؛ فوجئتْ بأنَّ أحدَ أطرافِ الفستانِ أقصرُ يسيراً من الآخر؛
فتندمتْ على تفريطها في السويعاتِ المُنقَضيةِ، بُخطى واجفةٍ سارتْ عائدةً أدراجها تَجرُّ أشياءها، في الليل من خلفِ أضواءِ القناديلِ صَنعَتْ أثوابَ الوحدةِ بإحكامٍ، طرَّزتْ منسوجها وجعلتهُ أبهى روعةً وجمالاً، ثمَّ وضعتهُ بجانبِ العديدِ من الأثوابِ المزركّشةِ التي لم تكتملْ داخلَ دولابِ ملابسها البنيِّ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة