الغدر المتربص
علي مقربة من أمه وتحت نظرها يتسلق الطلا《 ابن الظبي》 ويقفز ليختبر رجليه النحيلتين على مواجهة المخاطر إذا أحدقت...يناطح إخوته محاولا التشبث بالأرض.. يبتعد الصغير قليلا عن أمه وإخوته ليحقق أملا للعدو الكامن المرتدي ثوب السكون وإن كانت أنفاسه الجائعة قد طارت ليشمها الصغير.. وهو لا يدري أن خطواته الوادعة تقترب من خطوات الفزع الواثبة حيث أطبقت الأنياب فى حبل الوريد وهو يضرب أقدامه يعلن عن شدة اختناقه وطلبا للنجدة.
في هذه اللحظات الأخيرة اليائسة العاجزة عن النجاة يمر أمام عينيه الجاحظتين شريط شهوره القليلة التي عاشها مع أمه وإخوته وتنسم فيها عبير الحياة.. حين التقت عيناه الصغيرتان بعين الذئب الدامى ورقبته في فمه وكأنه يدعوه ليجلس بجواره ليشاهد معه شريط أيامه الحلوة التي قرر أن يزهقها ويقطع وصلها الماتع و يكتم أنفاس اماله في أن يحيا حتى يشب ويبدأ دورة حياته...
يتذكر مزاحمة إخوانه حين الرضاع وتدريب أمه له على المناورة إذا أطبق الخطر والتى لم تفلح معه فى أول مواجهة.. حتى يصل إلى المشهد الأخير حين ساد صمت القاتل والمقتول وقد سرت الى القاتل رسالة يتخاطر بها المقتول ليفزَعه ما بقيت حياته 《 لقد قتلت معى أمى وأخوتى فقتلت مباهج الحياة 》
توقفت قدماه عن المقاومة معلنة فراق الحياة..!
وصلت إلى الأم التي كانت تقف على مقربة من صغيرها رسالة بالفراق الأبدي وهي ترى الأنياب قد غرزت في وريد صغيرها وقد التقت عيناهما وهو يرسل لها إشارة السلام والوداع دون ان يستطيع ان يلوح لها بالفراق..
حينها استدارت الأم لتسير على أقدام متثاقلة لا تحملها وعيناها تفيض من الدمع حزنا ان لو كانت هى طعمة الجائع الدامى ...
صارت منكسة الرأس تكذب نفسها ان ما رأته خيال وأنها سوف تلقاه أمامها ..
ترى..
هل كانت تلوم نفسها أنها لم تغامر لإنقاذ وليدها ليحيا وإخوته وتكون حياتها هى فداءه كشيمة الأمهات ؟
هل تقتلها نظرات صغيرها المحشورة في الفم الدامي وهي عاجزة عن إطلاقه ليحيا ؟
هل كانت تحقن قلبها الودود الصافى بسيل من الكراهية لعلها تستطيع أن تعود لتنتقم من قاتلها في إبنها ؟
هل أثقلت هذه الأفكار أقدامها المترنحة وهي تنظر إلى صغارها لتخبرهم أنكم لن تروا اخاكم ثانية.
بقلم / طارق الصافي - مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق