Translate

الاثنين، 13 يونيو 2022



بذرة وثمرة

بقلم / عواطف عليلة - تونس

كالطفلة كانت ، تدلت من أنوثتها بريق الجمال والبراءة أينما حلت ، قدر يأتي اليها ليبسط كل ما تحلم به أي فتاة في العشرين من عمرها ،كان عليها أن تختار بين الزواج او التعليم فلا يستقيم الوضع مع بعضهما في نفس الوقت ليس لأنها لا تستطيع بل لانها كانت مجبرة وليست مخيرة مع الأسف، كان عرض الزواج نوعا ما مغرياونظرا لظروف عائلتها كان الأنسب لها أن تكون فرصتها الوحيدة في تحقيق ما كان صعبا أو شبه المستحيل لأفراد عائلتها ...بالفعل تركت المعهد واصدقاء الدراسة وودعت الصبى وذكريات الطفولة واستقبلت حياة جديدة وفي خامرتها أحلاما وفي قلبها مشاعر تترواح بين الغبطة والألم ،فأي قدر سيحملها ؟فمقدامها مثل التحدي ومجابهة المجهول بكل صعوباته و تفاصيله ....تزوجت وأنجبت منذ العام الاول من زواجها وكانت بعمر الزهور تشعر بأنها طفلة تحمل بين ذراعيها طفلة، أهي المسؤولية الجديدة التي تنتظرها؟ أم لم تكن تصدق أنها في أرض الواقع وعليها أن تكون أمّا واعية وناضجة، وزوجة تؤدي واجبها على أكمل وجه؟ ...كانت هذه المرأة تنزف ألما لأنها تركت الدراسة وفي الوقت الذي أنجبت فيه تكون صديقاتها في الجامعة، لم يكن الأمر هيّنا على نفسها ورغم هذا الاحساس كتمته ولم تظهر الا بثوب القوة دائما، فكان عزاؤها آنذاك طفلتها الجميلة التي كانت مصدر قوتها حين نظرت اليها مرة وقالت لها:" ستدرسين يا جميلتي وتكملين ما لم أحققه أنا ولن أتنازل عن انك ستكونين من الأوائل دائما وتتفوفين وتدرسين الطب ."...لم تكن تعي أنها تحاول تعويض ما فقدته وكان أملها، في التحدي وكسب الرهان بينها وبين نفسها من خلال أبنتها...بالفعل كان الحلم يتلاشى منه الغبار كل سنة ويبرز بصورة رائعة ترويها مشاعر صادقة ...منذ أن زاولت ابنتها التعليم وهي الأولى على صفها بنتائج مبهرة وبشهادة كل الأطار التعليمي، لا شك أن البنت تملك وعيا وذكاء وفطنة ولكن سهر الام على زرع روح التحدي فيها وتكون معها خطوة بخطوةفي كل مرحلة ...كانت تقام حفلة تكريم للنجباء في اخر السنة الدراسية ،لم يكن تكريما عاديا بالنسبة للأم فكل ما يقترب موعد الحفلة ويقترب البوح عن اسم ابنتها كانت تدمع عيناها ويرفرف قلبها وتصفق أيديها وكأن الجائزة لها او شعورها بالنجاح اكتسح قلبها بعد ان انقطعت عن مزاولة دراستها ....مرت السنين والنجاح يطرق بابها وابنتها تجتاز المراحل بامتياز لتلتحق بكلية الطب وأخيرا ، فالله قد كتب الخير والنجاح لهذه المرأة ولكل مجتهد نصيب وتحقق حلمها الذي تواعدته منذ سنين ونسيت الفراغ الذي كانت تشعر به تجاه دراستها من خلال نجاح ابنتها والمفاجأة التي لم تكن تتوقعها في يوم من الايام ان ما حصدته من تحدي وعزيمة وسهر وجد، جنته من تشجيع ابنتها واصرارها لتكمل هذه المرأة تعليمها بالجامعة وهي بسن مشرف على الاربعين بعد سنوات من الانقطاع .....لربما تكريما من ابنتها ردا لجميلها او ان الله أراد بها خيرا لما سعت اليه من خير وبث روح المحبة والتربية الصالحة ....بالفعل تحقق حلم المرأة الذي انقطع منذ سنين بسبب اصرار الابنة ودعمها وتحقق الحلم الثاني وعادت الى الجامعة لتدرس وهي الآن تقوم بتحضير رسالة الدكتوراه في علم الاجتماع ..
فما نُبتت فيها بذرة الا والحصاد فيها ثمرة، فلا شي مستحيلا ولو مرت عليه السنين ، فقط وصفة كفيلة لتحقيق كل ما حلمت به هذه الام ، الصبر والثقة بالله وبالنفس، والإصرار على النجاح وكسب الرهان بينها وبين ذاتها ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة