Translate

الجمعة، 22 يوليو 2022

آنهيار السدّ ............... بسمة رجب - تونس

 آنهيار السدّ

بسمة رجب 

 تونس

إنّه الفجر الربيعيّ النّديّ ..وها هو النّوم يجافيني ..يحدث هذا الأمر رغما عنّي إذ أحبّ مواصلة رحلة الهروب ساعتين أخريين على الأقلّ.. في هذا الوقت الميّت أكون بخير ..بخير جداّا..
أزحت السّتارة وفتحت النّافذة .. استعذبت هذه النّسمات الباردة ..استنشقت هواء جميلا ملء روحي وعيناي مغمضتان ..احتضنت نفسي..وضعت رأسي على كتفي.. واكتفيت ..
شعرت أنّ هذه الغيوم تبتلع كلّ شيء والكون في حالة ولادة ..
وهذا الضّوء الذي بدأ ينتشر يزعجني ..وشعرت أنّ هناك من يستمع إلي ..
هل أنا المجنون!؟
كانت تصفني بالمجنون..هي التي جعلتني أحبّ أن أكون مجنونا ..هي لم تعد موجودة ، لكنّها عشّشت بداخلي وكلّ طاقاتي وخيالاتي معها ..وَيْلَ نفسي من وحشة الرّوح!؟
أشعر أنّي الغريب مذ فقدتها ..لا أفهم إلى الآن كيف حصل الأمر !؟ عقلي يؤنّبني « لقد خذلتك !؟لم تنتظر اكتمال التًحقيق لتثبت براءتك … أنت سجين سياسيّ .. أنت صوت حرّ في زمن الخوف ..أنت مثقّف شجاع..هل كان كثيرا عليها آنتظارك خمس سنوات !؟ انس أمرها لأنّها فكّرت في نفسها وقبلت أوّل عرض زواج ..!!مثلها مثل غيرها ..لقد آختارت أقرب الطّرق إلى الأمان …".
أمّا قلبي فعالق في فجوة آلتماس العذر لها ، بلغني أنّها سعت للتّواصل معي ،لكنّها فشلت في ذلك لأنّ حبيبها بقي سنتين كاملتين لا أحد يعرف عنه شيئا ، في الأثناء ضغطت عائلتها بكلّ قوّة وأصرّت على تزويجها..بلغني أنّها هربت إلى عائلتي وآحتمت بهم. لكنّ والديّ عملا بما يقتضيه العرف الآجتماعي ّ والأصول وأعاداها إلى أهلها معزّزة مكرّمة على دموع أمّي وزفرات أبي ….
طويل زمن هذا الفجر!!كأنّ نسائمه تخبر عن زخّات مطر عائدة..كان الرّذاذمتقطّعا طول اللًيل موسيقاه أبهجتني حتّى آستغرقت في النّوم ..
أريد أن أصرخ وأخبر الدّنيا أنّني الجسد بلا روح ..
أنً اللّيل بداخلي طويل !! ..أنّ رسوماتي النّاجحة هي ترجمان وجعي …أنّي لا اتلذّذ أيّة تكريمات ….
رفعت رأسي عن كتفي وقد وخزني ألم حادّ..آلمتني رجلي …أقف على رجل واحدة كلّ هذا الهذيان ولم اثبّت الأخرى الخشبيّة..كان خبرا قاسيّا ذلك الذي تلقّيته في المستشفى تحت حراسة مشدّدة .. أخبرني أحدهم بوجه بارد مثل لوحة معدنيّة أن درجة التعفّن كبيرة وقد مسّت العظام ..تحدّث عن تسوّس مسّ قدمي …
تعقّدت حالتي في دهاليزهم المهينة ..كنت معتقلا سياسيّا نكّلوا به تعذيبا حتى فقد الإحساس بالألم ..كنّا نُلقى مثل الجيفة ننزف من كلّ فتحة حُلْم…أكداس من نداءات الحريّة والعدالة والدّيموقراطيّة …
تتعفّن الجراح وتتقرًح وتصدر روائح كريهة …
العلاج الوحيد هو الصًبر وقوّة التحمّل وغسلها بماء وملح نتكبّد عناء في الحصول عليه …أصبت بالسكّري في الأثناء ، لم اتفطّن إلى أنّ عدوّا آخر ،لا يقل ّ بشاعة عنهم ،قد آخترق حصوني ونخر عظامي…
أنا كومة ذكريات حزينة ….
قال ذلك الطّبيب أن البتر ضروري لحماية بقيّة رجلي ،فقدمي لم تعد صالحة لتحملني ..أخبرني عن أمر السكّري .لم أشعر حينئذ بأيّ شيء…فقط أردت أن أموت في تلك اللّحظة …
وإلرّغبة نفسها تزداد إلحاحا كلّ صدمة جديدة ..هل أكثر إفلاسا من رؤية تلك الشّعارات المقدّسة …شعارات حرّيّة الشّعب وحقّه في الحكم و….أراها مطيّة سهلة للجبناء الأمس يتسلّقون بها أعلى المراتب ويدوسون على النّاس..خونة لصوص..إنّهم فقاقيع الرّبيع العربي …ربيعهم هم ورياح السّموم لي ولشعبي ……
بسمة رجب من تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة