Translate

الجمعة، 22 يوليو 2022

الفطرة الضائعة بقلم / حبيبة نقوب الجزائر


 الفطرة الضائعة

بقلم /  حبيبة نقوب
الجزائر
صرخ أحدهم من أمّي أنا؟ هل أمّي التي ولدتني ؟ هل يكفي ذلك لتكون أمّا حنونة مربية وراعية؟ لقد حيرتني معنى هذه الآية " إنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ " آية 2 سورة المجادلة ، ماذا أقول ؟ لم أجد التعبير السليم لإيصال فكرتي ليس لصعوبة تفكيري و لا لقلة تعبيري ولا خانتني الكلمات... لكن عجز اللسان عن التعبير من الشيء غير المعقول، عجزتُ أن أطعن في الفطرة، عجزت عن الخروج عن المنطق... هل ضاعت الفطرة مع الإنسانية؟ هل غاب الضمير؟ أم تاهت النفس في الهوى اللئيم ؟
لم أتعلّم من مدرسة التعليم، لكن علمتني مدرسة الحياة، أنّه ليس كل أمّ أنجبت تعتبر أماّ.
فقد نجد صفات الأمّ الحقيقية التي لم تنجب من صلبها، قد نجد صفات الأمّ الحقيقية في الجدة، أو في العمّة أو في الخالة أو في مربيات الأطفال أو...
لكن لم أجدها بذاتي في أمّي التي ولدتني ، ربما تتسألون لماذا أقول هذا، ربما تقول هذا الشخص عاقا لأمّه، ربما، تتهموني بالجنون، أو تتهموني بالتيهان و ربما و ربما ...لكن لما تعرفوا حقيقتي و عمري سوف تصنفوني في الخانة المناسبة لما كتبت، أو ربما سأثير شفقتكم و أجلب مشاعركم النبيلة، أو استضعف عطفكم في لحظة التيه؟ فقد يبكي أحدكم و يتألم و يستغرب في نفس الوقت، أنا متأكد لوكنت أمامكم لأخذتموني بالأحضان، أو لتمنيتم أن أكون ولدكم و لو بالتبني... سوف تتسألون و تتحيرون حتما ماذا أخفي وراء آلامي و أحزاني و آهاتي ؟ ماذا حدث لي؟ من أكون؟ أذلك الطفل الساذج أم ذلك الطفل الذكي ؟ أم ذلك التائه في دجى السديم؟ أم ذلك الغارق في البحر المهيّج تحركه أمواج البحر مدا وجزرا؟ أم ذلك الطير الذي يسبح في الهواء و هو فاقد اتجاهه، يا ترى إلى أين يستقر؟ أيستقر نحو اليمين أم نحو الشمال ؟ .
من يرشدني ؟ من ينقذني ؟ من يخرجني من المتاهة ؟ أليس لكل متاهة بداية ونهاية؟ لكن غابتا عني كلاهما، لأنني فجأة وجدت نفسي في وسطها ؟ لا أعلم كيف وصلت إلى هنا؟ أم وضعوني هناك دون درايتي؟ أم أنني من ضحايا القدر، أم جئت عن سوء اختيار وتقدير؟ أم جئت من حيث لا أعلم؟ أم لنزوة من أحدهم ؟ و يا ليتني ما جئت نهائيا؟
إلى حد الآن الكثير منكم يتساءل مرات عديدة ما سرُّ تدمير نفسيتك لهذا الحد ؟ ؟
سأخبركم الآن من البداية، لكن بعد ما تسمعوا حكايتي وطريقة معيشتي، فأنا ذلك الشخص المتذبذب الحال شارد الفكر أحيانا أجد نفسي أعيش مع أمّي وأحيانا تدفعوني غصبا عني لأعيش مع أبي، إنّ صح التعبير ترمي بي كالكرة وسط الملعب فأجد نفسي في كل مرّة محملا بحوائجي وحقيبة ملابسي ومحفظة مدرستي التي تزن أكثر من وزني مرميا أمام محل أبي لبيع المواد الغذائية، أحيانا أبقى أنتظر بالساعات... متى يأتي أبي؟ أبعد ساعة أو ساعتين؟ أو في نهاية اليوم؟ أو قد لا يأتي في ذلك اليوم نهائيا، أبقى أتخبط في ظل الانتظار غير المعهود، و هل أستطيع أن أعيش معه؟ رغم أنني أدرك جيدا أنه عاجز عن إعالتي، لذا أرغب أن أعيش البعد المحتوم والوحشة لأعيش مع الفطرة و لو أنني أشعر إن مشاعرها ضاعت مع ملهياتها، متى أعود مرّة أخرى؟...
و ما تلبث أن تمرّ بضعة أيام حتى أجد أمّي ( ؟ ) تأخذني من جديد دون سابق انذار مهددة إيّايَّ بأن لا أرجع أبدا للعيش مع أبي (؟) و تتكرر هذه الحادثة مرارا و تكرارا ... ترمى بي ثم تأخذني بنفس السناريو " اذهب عند أبيك لا أريد ان تعيش معي هو من يتحمل مسؤوليتك". ماذا أقول فطبيعتها النرجسية هكذا منذ عرفتها...
و كأن طبيعتها تعود من جديد تهمس في وجدانها متناسية مسؤوليتها اتجاه أبنائها تبحث عن راحتها متناسية فلذة أكبادها منشغلة بحياتها تتنقل من مكان إلى مكان و من ولاية إلى ولاية همّها الوحيد إرضاء نفسها وتلبية رغباتها، أي فطرة هذه؟ أي أم هذه ؟ أي مربية هذه؟ أي مسؤولة هذه ؟ أليس من المفروض من يعبد هوى نفسه و يعبد عمله و يعبد الدرهم والدينار لا يستحق أن يكون أمّا .
أتوجد أمّا تعامل ابنها بهذا السلوكيات؟ أليس لها قلب حنون؟ أم ليس لها عقل راجح؟ أم طغى عليها حبّ الذات وسيطرت الأنا لديها؟ كما يقول المثل أعيش أنا ولتغرقوا في الطوفان... فالقلوب التي تخون مودّتها أحيانا فالموت أرحم لها بلا رجعان...
أعرفتم الآن من أنا ؟
فكيف لا تتدمّر نفسيتي؟ و يتشتت فكري ؟و كيف لا يختل عقلي؟ أو يعقل أتمكن من استيعاب معلوماتي و أتحسن في دراستي ؟
كيف أشعر براحة البال اطمئنان النفس في ظل هذه الحياة المضطربة ؟ أيعقل أمّ حاجات تلعب بعواطف فلدة كبدها من أجل تلبية عواطفها تجاه الجنس الآخر ؟
كيف طوعت لها نفسها أن تدوس شعور الأمومة التي تتمناها كل أنثى؟ كيف لا يؤنبها ضميرها أم دفنته في السديم ؟ أم رمته في بحري لجئ ؟ أم غاصت في ملذات الحياة والترف اللئيم؟ أم ماذا حدث؟ لم أجد جوابا لسؤالي مهما فكرت و خمنت ؟ لكن كما تقول جدتي الطبع يا ولدي يغلب التطبع، فكل إناء بما فيه ينضح ، والخطأ ليس من الآن ولكن الخطأ على من انتسب اسمي له، للأسف لم يستخير ولم يستشير ولم يتعلم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم: " اختاروا أخوال أبنائكم " فكنت الضحية وبقية اخوتي، بعد طلب أمّي الطلاق، أتعلمون من أنا؟ أنا طفل عمري عشر سنوات أعرفتموني الآن من أكون؟ كيف تصنفوني الآن يا ترى؟
العبرة
مستقبل الولد من صُنع أمّه
عقوق الأمّ لابنها من أكبر الظلم في الحياة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة