Translate

الأحد، 17 يوليو 2022

نذير خالد الرقب الأردن

 

نذير

خالد الرقب 

الأردن

كان النسرُ يقفُ ثابتَ القدمِ كالجبالِ على عرشه الصخريّ، حتى مرت أمامه كالضوء المتقطع فراشةٌ ،فسألها في وقارٍ فيمَ ارتجاجُكِ كأنّكِ تقفينَ على أرضٍ متزلزلةٍ ؟أهاربة اَنت من مفترسٍ يطاردُكِ ؟ وفيمَ دورانُكِ في حيرةٍ كالعاشق؟ .
الفراشةُ في صوتٍ مُتَحشرِجٍ مضتْ أيامٌ ربيعية،ٌ وصيفيةٌ لهوتُ فيها أنتقلُ من زهرةٍ إلى زهرة ،ٍ أصغي الى خريرِ مجاري الماء،
أرتِشفُ عطرَ كل زهرةٍمتفتحةٍ وألثمُ شفاهَ الورودِ، أمسحُ دموعَ الأقاحي ،أغازلُ خيوطَ الشمسِ واعزفُ ضوءَ القمر، ألهو معَ صَغارِ البشرَ وقتَ الضحى،أشبعهم ركضاً خلفي وهم يلهثون ويلهثون أنا أراوغهم مُطْلقا ضَحَكاتي الساخرة، أنام على خدودِ الوردَ وافترشُ الّندَ وأصحو على وَقْعِ قطراتِ الندى
والآن. ....
والآن ماذا ؟ يسألُ النسرُ .
_ بالأمس كنتُ اشدو والآن أشكو .
_علامَ الشكوى ؟
_ إنه الخريفُ يعقبُه الشتاءُ إقفارُ الأشجارِ، عطرُ أزهارٍ متطايرٌ، ورودٌ بلا شفاهٍ، اقاحٍٍ بلا دموعٍ، خيوطُ شمسٍ مُهتَرئةٍ، ضَوءُ قمرً خافتٍ ، صغارُ لايلهون، خدودُ وردٍ متجعدةٌ مصفرة ٌ ، ضبابٌ ،أشواكٌ، رياحٌ عاتيةٌ، امطارٌ غزيرةٌ . برقٌ رعدٌ سكونُ ليلٍ مجنونٍ، صمتٌ مخيفٌ في الغصونِ ، نومٌ تنكرت له الجفونُ، دموعٌ .... دموعٌ .... إنه الموت ( انهارت الفراشة باكيةً ) هوتْ تحتَ أقدامِ النسرِ تتزلزلُ وتترجرجُ وتلوحُ لها الذكرياتُ كبقايا رؤيا منامٍ ولم تكدْ تلفظُ أنفاسَها الأخيرةَ حتى التقمها بسرعةً البرقِ جندبٌ لونه كصفارِ الخريفِ ملتهماً إياها.
مدّ النسرُ قهقهةً دوّت في مَسمعِ الغابةِ كلّها قائلاً بتهكمٍ: قد أحيا ألله بك جندباً لولا الخريُف ما سَعِدَتْ مَعِدَتُه بكِ وغداً تسعدُ به معدةُ غيره، ومع ذلك الربيع آتٍ يزهو خضرةً من جديد. ثم صاحً صائحٌ كأنه صوتُ الغرابِ. .. يمضي الربيعُ، ويأتي حرُ الصّيفِ، ثم اصفرارُ الخريفِ، فارتواءُ الشتاءِ، وانتَ أيها النسرُ تبقى شامخاً ثابتَ القَدَم فمنْ سيهزّ عرشَكَ الصخريّ . ولكن ثقْ تماماً أنك فانٍ ويبقى عرشك الصخريُّ دليلاً على ماضٍ كنتَ تستعرضُ فيه مكاناً وتستطيلُ زماناً .
وكمْ نسرٍ سيخلُفك ؟؟ واحدٌ ، عشرةٌ، مئةٌ . ... ولكن سيخلف الفراشةَ ألوفا بل ملايين. ....
ترَقْرقت العبراتُ منْ أربعة النسرَ سجاماً ومد نظره إلى السماء مردداً :
لا اشتكى الدنيا ولا أحدَاثَها
فهذه مشيئةُ ذي المشيئِة فيكَ
لو أملكُ الأقدارَ أو تصريفَها
لأمرْتُها فَجَرَتْ فيما يُرضَيكَ
فردَ عليه الصوت :
انظر الى شتى معاني الجمال
منبثةً في الأرضِ أو في السماء
إلا ترى في كل هذا الجلال
غير نذيرٍ طالع ٍ بالفناء
انكسرت أنفاسُ النسر ، ِوهوى من على عرشه الصخري ، نظر إلى السماءِ ثم نظرَ إلى عرشه الصخري ثم طارت روحه محلقة في السماء ..... وبقي العرش الصخري ثابتا مكانه .
خالد الرقب _ الأردن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة