Translate

الأحد، 17 يوليو 2022

الملطوش للكاتب / وليد محمد عدس - سوريا


 الملطوش

الكاتب وليد محمد عدس

الدولة : سوريا

في بلدة وادعة جميلة اشتهر أهلها بألقابهم أكثر من أسمائهم، عدنان المُعلم الودود المبتسم دائماً الأنيق في لباسه وعطره وتسريحة شعره وأحاديثه. لقبه أهل البلدة بالشلهوف لغرامه بالنساء وقلبه الكبير الذي يتسع لعدد لا يستهان به منهن حسب ظن أهل بلدته به .
الشلهوف الذي يحارب يومياً في زحمة الركاب للصعود الى الحافلة برغم ما يحظى به من تقدير وواجب من أهل البلدة وإفساح المجال له كي يصعد. في يوم غائم عاصف تزاحم الركاب على باب الباص لكنه صعد دون وحل على حذائه وأطراف بنطاله السفلية ودون آثار غبار الباص على معطفه فالوصول لمتن الحافلة انتصار هائل عظيم. صعد الأستاذ وفي حركة عينيه لهفة للفوز بكرسي يجلس عليه في رحلته اليومية إلى دمشق كي يسترخي استعدادًا للعراك العقلي مع طلبة لا يرحمون وهو لا يرحم نفسه الا إذا قدم كل ما عنده .. حركة عينيه العجولتين للفوز بكرسي يريح جسده المرهق من سهرة حمراء وقراءة في رواية سخيفة لساعات نزولاً عند رغبة صديق ألح عليه برأيه فيما كتب والذي كتبه لا يستحق القراءة ولا يصلح لجريدة صفراء تهتم بقصص العشاق من أهل الفن والساقطات من بنات المراقص الليلية الرخيصة ... فجأة توقفت عينا الشلهوف على وجه مدور كبدر في منتصف الشهر وتعلقت عيناه بعينيها وكأن تيار من كهرباء القلوب انتقل عبر عيون حسناء الباص الى صدره الذي بدأ ينوء ببوادر عشق يتذوق طعمه للمرة الأولى ولن ينساه بقبلة أو جلسة في مكانٍ قَصِيٍّ بعيداً عن عيون العزّال ... تثاقل في مشيته وعيناه في عينيها حتى طأطأت رأسها خجلاً، اندفع برفق ليفوز بالكرسي المقابل لكرسيها حيث تجلس بجانبها امرأة يبدو أنها أمها.
جلس في كرسيه لا يفصل بين وجيف القلبين ولهاث العشق إلا الممر الذي ازدحم بالركاب وبشابين التصقا ببعضهما يقهقهان كسكارى يوم الخميس بعد خروجهم من حانة شعبية تقدم مشروباً رخيصاً لو شربته النياق والأباعير لما قويت على الوقوف على قوائمها. حقًّا ما أضعف الرجال أمام لغة العيون والابتسامات لأنها تمخُرعباب القلب والروح، لقد أحبها ولأول مرة يعرف طعم الحب رغم التهم التي يكيلها أهل بلدته له حول شغفه بالنساء حقا الحب لأول مرة له ولو قُدِّر له أن يصرخ لفعلها ولو عرف أنها ستنجو من حبه لصرخ معترفاً لها قبل أن تضيع ويضيع معها حفقات لقلب يعرف الحب وطعمه للمرة الأولى ويستمر لأيام وسنوات ينتظرعودتها من العاصمة لضيعتهم التي تفخر بهواء نقي نظيف وشمس مشرقة وعادات أكل عليها الدهر ولم يشرب لتبقى الغصة في حلق العاشق المغفل الذي يحترم العرف والتقاليد ويداري ما اتفق عليه بسطاء بلدته بأنه عيب وتطاول على الأخلاق والقيم حسب زعم سفهاء القيم والأخلاق البالية.
تهادت الحافلة وتوقفت في ساحة داخل العاصمة خصصت كموقف لحافلات عدة بلدات، نزل الركاب ولم يوفق الأستاذ في الحديث مع حبه الأول ولو بكلمتين ليعرف من تكون نزيلة الفؤاد الكسير والروح المتيَّمة والقلب الذي يقرع طبول العشق . غادرت الحبيبة وواظب العاشق الولهان في الحملقة في وجوه الراكبات في باصات ضيعته في رحلته اليومية لسنوات طويلة وقلبه المتيم يئن تحت وطآة حبه الضائع كمعتوه حتى لقبوه بقريته بالملطوش. هاجر من بلده الى بلدان أخرى ومازالت عادته الحملقة في وجوه الراكبات عسى أن يلتقيها تلك التي حطمت كيانه وعاش على أمل أن يحظى بها، وعندما همَّ بالعودة من مهجره بعد أن هرم وشاخ سأله أحد الأصدقاء بقوله: "نريد أن نزورك في بلدك". أجاب: "أهلا وسهلا لكن لا تسألوا عن الأستاذ عدنان نور الدين بل اسألوا عن الملطوش المفتش عن حبيبته المفقودة والذي لقب سابقا بالشلهوف ومازال البحث جاريا عن المحبوبة التي أدمت قلب الشلهوف سابقا والملطوش حاليا ً..!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة