Translate

الجمعة، 22 يوليو 2022

السوق ............... يونس بن الربيب - المغرب


 السوق

يونس بن الربيب، 

المغرب

دخلت الى سوق ممتلئ عن آخره بالناس، و كأنه يوم الحشر، لقد كان مزدحما أكثر من اللازم، و كانت هناك روائح السمك الميت و المتعفن تنبعت بين الفينة و الاخرى من جميع الاتجاهات، و كانت حيوانات الحمير و البغال و الخيل مربوطة قرب جدران البراريك* المتراكبة، تستريح هناك من تعب جر عرباتها طوال اليوم، كانت الحيوانات تهش الذباب و تتغدى على بقايا الخضر و الفواكه الفاسدة، تمضغها و تجترها بلذة و إشتهاء عجيب، و طيور مالك الحزين المتسخة، فقدت لونها الأبيض الثلجي و صار لها لونا يميل الى الرمادي، كانت جالسة على حاويات القمامة الممتلئة عن آخرها وسط السوق، تأكل هي ايضا و تتفرج على الناس، و تطير كلما اقترب منها طفل يلعب هناك يحمل مقلاعا في يده يقنصها به،قد خرج لتو من جحر براكة، و أحيانا أخرى لا تبالي الطيور بوجود احد، لقد إعتادت هذا وتأقلمت مع الوضع الفوضوي، ورأيت رجلا شبه عاري يهمهم كلاما غير مفهوم و يأكل بطيخة من القمامة كما تفعل الطيور، كانت حاويات القمامة قد فاضت جوانبها و إمتد فياضانها ليعانق السوق و الرجال و النساء و الأطفال و الخيل والحمير و البغال، و رأيت الفتيات الجميلات اللائي كن قد تزين و مشطن شعرهن و ظفرناه و لمعناه، و كحلن عيونهن، كن في أبهى حللهن، و خرجن مع اهلهن لتغيير روتين الجلوس في البيت، و شم الهواء، كان الباعة يزعقون بجمل متكررة لجدب المشترين، كانو يتصببون عرقا و قد تطاير لعابهم في السماء، و انعكس ضوء الزوال الذهبي على ملامحهم و بدت مختلفة و أكثر حدة، و كان الناس يتأففون من بعضهم لانهم جاؤو الى السوق، و لمحت عيني رجلا يضع يده في جيب رجل اخر، و رأيت ناسا مبتهجون، ولم ادري سر سعادتهم، و اخرون مقطبون جبينهم، و مشيت وسطهم الى ان خرجت بشق الانفس، و التقيت رجلا يسأل عن الساعة و هل أدن العصر؟ و اجبته بالله اعلم، و رد علي لابد انه ادن فالشمس اقتربت من مغيبها، و سألني مرة اخرى، هل لا يزال الانسان على طهارة ان داست رجله على روتة بغل؟ و اجبته مرة اخرى بالله اعلم، و نظرت الى ملامحه فكانت تشبه تماما ملامح الرجل الذي وضع يده في جيب رجل أخر، و أدبر يمشي، ومشيت و رأيت فعلا ان شيئا ملتصقا بنعله، و انصرفت غير مباليا الى أن خرجت في شارع رئيسي، و جدت باعة أخرون يهرولون ويجرون عرباتهم نحو السوق، فسألت رجلا يتفرج: ما بال هؤلاء الباعة؟ فقال: انظر خلفهم، فنظرت فعلا و وجدت رجالا بألبسة رسمية و قبعات خضراء يحملون بأيديهم هراوات سوداء، و مضيت أمشي و أمشي و رأسي يطن بأصوات الباعة و ذاكرتي ممتلئة بوجوه الناس و الصخب و الأسماك و الحاويات و البراريك و البؤس و كل ما شاهدته بداك السوق العجيب حتى ظننت اني في يوم الحشر، أو في نومة بعد العصر، لكن كان ذلك حقيقي و واقعي، واقعي جدا جدا.
*أكواخ صغيرة مبنية بالطوب و مسقفة بالقصدير.
يونس بن الربيب، المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة