Translate

الجمعة، 22 يوليو 2022

غيابٌ طوعيٌّ وحضورٌ دائمٌ قصّة قصيرة عامر عودة - فلسطين


 غيابٌ طوعيٌّ وحضورٌ دائمٌ

 قصّة قصيرة

عامر عودة- فلسطين


- أنا متأكّد أَنَّ دار أبي ريّان هُم مَن أطلقوا النّار على بَيْتَيْنا.
- وهل يوجد شَكٌّ في ذلك؟
- بالطّبع لا. لكنَّ الشُّرطة لَمْ تفعل شيئًا على الرّغم من تقديم شكوى ضدّهم!
- الشّرطة غائبة عن بلدنا يا ابن العم. فكلّ يوم تقريبًا نسمع دويَّ إطلاق نار. حتى أصبح اليوم الّذي لا نسمع فيه صوتَ الرّصاص يومًا غير عادي! وقد قُتِلَ خِلال أربعة أشهر ثلاثة شبّان، دون إلقاء القبض على القتلة! هذا ناهيك عَنِ التّخريب والسّرقات والتّهديد.
هذا ما دار مِنْ حوار بين أدهم وابن عمّه زِياد في أحد مقاهي بلدتهما. وقد كانا شديدَيَّ القلق والغضب بسبب إطلاق النّار على بَيْتَيهما، نتيجةَ خلاف عائلي قديم بين عائلتهم وعائلة دار أبي ريّان.
أَشعَلَ أدهم سيجارة ونظر حوله... اقترب من زِياد بعد أنْ سَبَرَهُ وقال له بصوت خافت:
- لقد جَزُلَ الأمر. يجب ألّا نسكت. فلأوّل مرّة تُطلَقُ النّار على بيوتنا، وهذا أمرٌ خطير... سكوتنا يُتَرجَمُ إلى خوف، مِمّا يشجّعهم على إعادة اعتدائهم مَرّة أُخرى، خاصة أنَّ الشّرطة لا تقوم بواجبها لردعهم.
- وماذا سنفعل؟ ليس بأيدينا سلاح.
تساءَل زِياد بِحيْرَةِ، وسادَ الصّمت.
نظر أدهم حوله بِتَوَجّس... مال برأسه ناحية زِياد وقال بصوت خافت يشبهُ الهمس:
- بما أنَّنا لا نملك سلاحًا، فسنرجم سيّارة أبي رَيّان العربيد بالحجارة وهو في داخلها.
اِتّسعت عينا زِياد دهشةً... رَدَّ على أدهم بصوت مُتَهَدّج:
- لكنّه سيعرف وينتقم.
- اِخفض صوتك.
نَهَرَهُ أدهم . وتابَعَ:
- لَنْ يتعرف علينا أحد. سنغطّي وجهَيْنا. أمّا بالنّسبة للشّرطة فَلَنْ تلتفت إلى مثل هذهِ الحوادث. فإذا كان إطلاق الرّصاص اليوميّ وجرائم القتل المتزايدة لا يعنيها، فهل ستبحث عَن شابَّيْن رَميا سيّارة واحد مِنْ أهلِ البلد بالحجارة؟
نظر زِياد إلى عَينيّ أدهم بقلق وخوف، وساد الوجوم... ثمّ قاما مغادريْن المقهى إلى بَيْتَيْهما...
عندَ الغَسق، اختبأ ملثّمان في العِقدِ الثّاني مِنْ عمرهما داخل حرش قريب مِنَ الشّارع الرّئيسي للبلدة، يراقبانِ السّيّارات المارّة وبِيَدِ كل واحد منهما حَجر. ورغمَ الخوف الّذي كان يسيطر عليهما، إلّا أنَّ إصرارهما على الانتقام كان أقوى. وفي الوقتِ المتوَقّع، ظَهرَ الهدف... توفَّزا كجنديَيْن يحملان قنبلتيْن يدويّتيْن... إنّها سيّارة أبي ريّان... انتظرا حتّى أصبحت في أقرب نقطة منهما، وقذف كلّ واحد "قنبلته"... الحَجَر الأوّل أصابها بِدِقَّةٍ، أمّا الثّاني فقد أخطأها مصيبًا سيّارة أخرى كانت تَعبر في الاتّجاه المعاكس. وبالصّدفة كانت تلكَ السّيّارة تابعة للشّرطة. هربَ الملثّمان إلى داخلِ الحرش، ومنه عاد كلّ واحد إلى بيته.
في اللّيل حام طائرُ القلق فوق رأس زِياد، وهو يفكّر ساهمًا في كيفيّة إصابته لسيّارةِ الشّرطة بالخطأ. هاجمتْهُ الهواجس، وتسلّلت جيوشُ الأفكار السّوداوية إلى رأسه. اِعتراهُ النّدم على اشتراكه مع أدهم في عمليّتهِ النّزقة تلك. ورغم أنّه كان مطمئنًا مِنْ أنَّ الشّرطة لن تستطيعَ التّعرّف عليهما، لكن مع هذا لم يُغمض له جفن...
صُدِمَ، وَوَجَفَ قلبه خوفًا، عندما شاهد مِنْ نافذته سيّارَتيْن للشّرطة تَقِفان بِجانب بيت أدهم... بعد دقائق شاهدَه والأصْفاد بيديه يجرّه شرطيّان. دُهِشَ! كَيف استطاعتِ الشّرطةُ التّعرّف على مَن كانَ المسؤول عن رجم سيّارتها بحَجَر رغم أنّه بالخطأ، ولَمْ تستطعِ التّعرّف على مَن يَقتل مَع سبْقِ الإصرار والتَّرصُّد، أو على مَن يُطْلِقُ الرّصاص على بيوتِ النّاس يوميًّا؟! اِختلج قلبه توجّسًا وتسارعت نبضاته... أخذَ العرَق يتفَصّد مِنْ جبينه... اِنتظر أنْ يأتوا لأخذه هوَ الآخر. لكنّهم لم يفعلوا، بل رموا أدهم داخل إحدى سيّاراتهم وغادروا المكان مسرعين... وبعد قليل، وكما في كلِّ يوم تقريبًا، سُمع دويُّ إطلاق نار في البلدة!
(عامر عودة- فلسطين)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة