قصة قصيرة
يفصل بينهما بحر
بقلم
سيدة بن جازية. تونس
قررت الرحيل لتغيير المصير . حملت بعض أدباشها و اوراقها و لفافة المال المجمع منذ سنة وانتظرت قدوم الوسيط ،قبل الغروب التقته ملثما قميء الهيأة عفن الرائحة بحذائه المطاطي الأسود و قبعته المقلوبة بدا كقطاع الطريق على حدود الحياة البشرية ،فقدمت له اللفافة متنهدة.لم تعد تطيق البقاء ولو للحظة بهذا المستنقع الٱسن بالأدران و النفاق و الفصام لقد انقطعت انفاسها بهذا الوطن المعدم رغم محاولات النضال و التصبر ..
هرولت وراءه مثل الشحاذين و المارقين ،كان يحث الخطى ملتفتا يمنة يسرة وصولا إلى مكان خرب مهجور.افتك منها حافظة الأوراق ورمى بها خلف المكان والزمان ودفع بهامتها كجثة هامدة إلى الداخل دون اعتبار لنفسيتها المنهارة فهو لا يحسن التعامل مع البشر كبشر بل كأرقام و مبالغ هكذا علمته حرفته وقسوة الحياة التي انجبته من رحم الرذيلة ...
كل اللهجات تسمعها في حين ، مكان مزدحم بالهاربين والمارقين و الحارقين و المدمنين وأصحاب الشهائد العليا المعطلين .
تصلك ابتهالاتهم و تضرعاتهم يطلبون الله أن يكون معهم و في عونهم أثناء هذا الرحيل المفعم بالخبايا والمغامرات ...
أزهار في مقتبل العمر اختاروا نهج المغامرة و الأنين رغم ايمانهم بفشل الكثير واحتمال تحولهم في سويعات إلى طعم للتنين والحوت الكبير تحت ضوء القمر الحزين .
مرت الساعات طوالا حتى زفروا للرحيل بحضور زورق صغير يستوعب مائة و يركبه الكثير والكثير غير عابىئن بالمصير .
يغوص في البحر ملتفا بالموت الاكيد ثم يبتعدون أميالا ثم تبدأ مفاجأة المغفلين. وجب الآن التخلص من نصف الركاب ,"اختاروا الآن يا ملاعين من يريد البقاء ومن يذهب قربانا لرب البحر العظيم ."
تبدا الخديعة و التلاطم والتدافع في صراع مرير. بسرعة يتخلص الأوغاد من الكثيرين ولا يبقى إلا من كتب لهم خوض المغامرة الثانية مع المناخ و القرش أبي سكين.تمر ساعة حبلى بالأنين حتى تقلب الأمواج زورق الموت الغرير ويبقى كل فرد يصارع وحده الواقع الأليم مستنصرا بصدرية النجاة أو خشبة أو قنين. يا الله ، يا رحمان يا رحيم انصر عبدا ضاقت به السبل والى الغرب حالمين بالخلاص يا معين ...
تلوح من بعيد بارجة بحرية لحرس الحدود وكأن أملا عظيما لاح للغابرين يلوحون و يصفرون حتى يروهم فيطلقون صفارات الانذار ويرقبونهم تحت ضوء نور الفجر العظيم كيف ينطفئون في مياه المتوسط واحدا واحدا كفقاعات مواد الغسيل هذا مصير كل من باع وطنه. وجاء ليفسد راحة الايطاليين ذوقوا وبال الغباء أيها الفضوليين...
هكذا يجمعون المال لتجربة الانتحار بالاتجار في الأمل البعيد
إلا أن بعض المتمرسين يواصلون طريقهم في صمت كالسباحين ليصلوا إلى شط لامبادوزا فرحين.
العدد ليس كبيرا من بينهم ناجية واحدة قد أسعفها الحظ الكبير لتصل إلى أرض أحلامها تقبل تربتها وتركع لسمائها الكبير ...
مرت الأيام والشهور وتفرق الجمع كشحاذين ومعتوهين في بلد الكفرة و الٱثمين لكنها تقسم أن وجوههم أرحم من الأهل الساخرين. هاقد بدأت تقسم وقتها بين أشغالها المتعددة كخادمة صباحا و حاضنة لطفلة مساء و غسالة مواعين ٱخر الليل الحزين.
لم يعد لها وقت كي تفكر بالعائلة و الوطن و الأصحاب حتى اسمها قد نسيته وأصبح الكل يعرفها سوزان.
سوزان لا يؤلمها الوطن الغارق في الصراعات و ثلة المجرمين
ذلك قدر منذ سنين أصبح همها كيف تنقذ البقية من قبضة واقعهم الأليم فيلحقون بها إلى عالم خال من النفاق و الدهاء و ابتسامات الساخرين...
وانتشر الحلم بين الملايين فإما حياة وإما فناء وفي الوطن ما عادوا يهتمون بحق الفرد في البقاء ...
سيدة بن جازية. تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق