Translate

الاثنين، 22 أغسطس 2022

قصة قصيرة بعنوان" "ستمطر" بقلم إبراهيم محمد

 قصة قصيرة بعنوان" "ستمطر"

بقلم

إبراهيم محمد


الـقــصـــــــة:
_____________
كنا نقف في انتظار الأتوبيس عند المحطة وقت الظهر، وكان قد طال انتظارنا.
قال رجل تبدو عليه العصبية:
ـ أقف تحت الشمس منذ ساعة ونصف!
وكانت حرارة الجو لاسعة، والصهد علي أشده.
قال شاب مبتسما وهو يمسك يد حبيبته التي ترتدي نظارة طبية:
ـ الشمس حامية علينا كالحكومة.
وضحكت فتاته، وقالت:
ـ تدخل السياسة في أي شيء دائما!
وطفقا يضحكان جانبا.
ظللت واقفا أحاول أن أجد لي مكانا يمكن أن أستظل تحته. لكن تشبث الناس بالمظلة الوحيدة الموجودة جعلني أيأس.
وبالقرب كانت تقف امرأة في أواسط الثلاثين من العمر، تمسك بيد طفلها، وتحمل في يدها الأخرى كيسا بلاستيكيا أسود. والولد يحاول أن ينتزع يده الصغيرة من يدها الممتلئة، لكنه لا يستطيع.
سألتنا:
ـ يا حضرات. ألن يمر الأتوبيس هذا اليوم؟
أجابها عجوز يمسك في يده جرنال.
ـ ربما يتأخر.
وأقترب نحوها. دار بينهما كلام، وربما لم تجد حرجا من محادثة رجل في عمر أبيها في شؤون حياتها.
كان الولد لا زال يحاول أن ينزع يده من يدها لكنه لا يفلح.
وكنت أتنهد، شاعرا بأنني سأختنق من الرطوبة. وكذلك كان الجميع.
حتي الشاب وفتاته توقفا عن المناجاة، وظلا ينظران إلى الطريق في ضجر.
فجأة هتف الطفل بصوت عال:
ـ أنها ستمطر.!
لم يلتفت إليه أحد.
فكرر بصوت أعلي:
ـ أقول لكم أنها ستمطر. وسينقلب هذا الجو الخانق إلى رياح باردة ومطر.
نظرنا إليه مبتسمين.
قال الرجل العجوز:
ـ طفل يتمني..
وقالت العاشقة لفتاها:
ـ أتمني لو يكن لنا ولدا مثله. أنظر لوسامته!
أما هو فقد تهلل وجهه حين أحس بأنه موضع نظرنا، وظل يؤكد أنها ستمطر..
قالت أمه:
ـ لا تأخذوا علي كلامه. أنه "عبيط"..
هتف في غضب:
ـ دائما تقولين ذلك!
يلوي وجهه عنها، بينما تمد يديها نحوه لتصالحه.
يحل صمت فترة.
لم يأت الأتوبيس. ولم يهبط المطر. فأغتم الجميع أكثر، وأخذنا نتفرق قليلا.
مشي الشاب وحبيبته بعيدا. وعاد الرجل العجوز إلى جرناله. وسحبت الأم ولدها – الذي بدت عليه ثقة غريبة – بقوة. ومضت.
بقيت وحدي..
وفجأة سمعنا صوت مدو في السماء. أنه صوت رعد! تكرر مرتين. ثم هبت رياح باردة قوية. كل هذا في لحظة!
نظرت للأعلى فوجدت الشمس قد توارت، وغيمة كبيرة تكونت تنبأ بمطر قادم.
وبالفعل هبط المطر..
وبضراوة!
وظهر الأتوبيس أخيرا!
صاح السائق والمطر يبلل وجهه:
ـ بسرعة من فضلكم..
وسار بنا الأتوبيس.
كان الرجل العجوز قد جلس إلى جواري، وعاد لمطالعة جورناله.
وفجأة لكزني وقال:
ـ أنظر.
نظرت من النافذة. وابتسمت. وابتسم هو أيضا..
لقد كان الولد الصغير. يسير إلى جوار أمه بعدما أفلتت ذراعه أخيرا، والمطر يبلل وجهه. وينكش شعره.
أشارت أمه للسائق، فتوقف كي يركبا.
تأملته مجددا بعدما صعد الأتوبيس: كان مرحا وخطاه تشبه الرقص. وكانت السعادة تتجلي وترتسم فوق قسمات وجهه الصغير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة