Translate

الاثنين، 22 أغسطس 2022

عائد من الموت قصة قصيرة بقلم حصة سعد البوحيمد - السعودية

 عائد من الموت قصة قصيرة

بقلم

حصة سعد البوحيمد - السعودية

يرتخي بجسده المختمر في روتينه اليومي، على مقعدٍ في المقهى القريب من منزله، والمعتاد على ارتياده هو وزملاؤه منذ كان طالباً في الجامعة، يبدو بملامح متورمة ومزاج متعكر من أثر النوم، يوميء للنادل حسن الذي بات من أصدقائه ويشاطره يومياته وهمومه، شاب مكافح رضي بالعمل هنا رغم شهادته الجامعية، حاول إقناع سعود مراراً أن يعمل معه في المقهى حتى يجد مايناسب تخصصه، لكن عملقة الطموح في داخل سعود تأبى الانصياع؛ يلوح له حسن : أهلاً سعود، ويبدأ في تجهيز قهوة المساء له،
نظرته الخاطفة تجوب المكان، ثرثرة الشباب تتعالى في المقهى ، لم يبق لهم سوى الثرثرة في زمن القحط، في أقصى يساره يلمح رجالاً تختلف ملامحهم وثيماهم ، تخترم مسامعه بعض من تمتماتهم النارية، يستدير برأسه جهة الهمس المتيقظ متفحصاً، وجوه مستطيلة وأنوف معقوفة ولحى مطلقة، وعيون سوداء تمشط المدى بنظراتها ثم تنسحب،
يعود وجلاً إلى ذاته، متمنياً فراسة أرسطو لفك رموزهم ، يتصفح هاتفه المحمول ريثما تجهز قهوته، يبتسم بتهكم وهو يقرأ العروض الوظيفية التي طالما عبثت بأمنياته ورمت بأحلامه على رصيف الانتظار، ثلاث سنوات مضت وهو يطرق الأبواب بحثاً عن موطئ عيش، لم يجد لمعدله المنخفض محطات عبور ، وقد ركله الحظ من دائرة العمل الحر ، فقطع دابر محاولاته وماتت في قلبه الأمنيات،
يتأمل في اللاوجود متخطياً أسوار حاضره
تترنح أمامه قائمة أمنياته المبتورة، ، حلمه أن يكون ضابطاً يتربع في رأس القائمة ، يبتسم لموقفه وهو طفل لم يتجاوز الرابعة حين كان يتسوق مع والدته، ورأى عسكرياً، أفلت يده من يد والدته متجاهلاً نداءها وركض متجهاً إليه ومد يده الصغيرة ليسلم عليه وقد شعر بزهو حين ابتسم له العسكري وبادله التحية، يتكرر ذلك المشهد كلما رأى رجلاً يلبس زياً عسكرياً
يتذكربدلته العسكرية التي خاطتها له أمه وهو طفل عند خياط البدل العسكرية، لم يتمالك مشاعره فرحاً حين لبسها فطاف بها الحي وهو يرشق أقرانه بنظرات التباهي ثم نام محتضناً فرحته، اجتهد لتحقيق حلمه، حمل شهادته الثانوية المدعمة بشهادة تفوقه متوسماً القبول ولبس البدلة التي أحبها رسمياً، اصطدمت نشوته بقرار الرفض فعاد يلتمس طريقاً آخر، رضي بالقسم الذي تيسر له فكان معدل تخرجه أقل بكثير من مستوى طموحه،
لاح في خاطره قول أحد أساتذته نقلاً عن الغزالي : ( إذا كان العمل رسالة الأحياء فإن العاطلين موتى).
يتمتم بأسى: أدركني الموت ولم يتحقق حلم امرأةٍ ترتقب نجاحاتي على قارعة الحياة بعد معترك الإعداد الذي قادته بمفردها، يرعبه قول الفيلسوف آلان:
(إذا توقف النشاط أوضعف شاخ الدماغ وتراجع) .
يقطع تأمله صوت حسن وهو ينقر على طاولته : القهوة ياصديقي!
يلملم روحه المهلهلة ويعود لواقعه، يمسح وجهه بكفيه وهو يعتدل جالساً .. يعيد التفاتته إلى اليسار فتتنازعه الرغبات، يلتقط كوبه وبعزم العائد من الموت ينظم إلى طاولة أصحاب اللحى.
حصة سعد البوحيمد - السعودية
قد تكون صورة ‏شخص واحد‏

هناك تعليق واحد:

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة