Translate

الثلاثاء، 14 فبراير 2023

الدرويش وأهل القرية للكاتب المبدع / عبد العزيز عميمر الجزائر

 الدرويش وأهل القرية

للكاتب المبدع / عبد العزيز عميمر

 الجزائر

يسير بسرعة،وينظر للأفق البعيد،طويل القامة، لباسه تعلقت به الأوساخ،أمّا شعره فطويل،يتدلّى على كتفيه،خصلة تلو الأخرى،شبيهة بالضفائر، ضفائر لفّها الدهر،وزادتها الأتربة التصاقا،شعره لم يعرف الماء منذ مدّة، أما المشط فيخاف على اسنانه،لذا لم يزره، ، يبدو شعر كعش اللقلق الذي يفضّل الأعمدة الطويلة ليعشش، ويرعى صغاره.
من حين لآخر يتطوّع واحد من أهل القرية فيأخذ الدرويش لمصبّ ماء شبيه بالشلاّل،موجود في منحدر الوادي،لكنّه صعب المسالك ،لا تجد أين تضع قدميك لكثرة الحجارة والأشواك والتوائه وكأنه ممر ثعبان حفره أثناء زحفه ، يغتسل الدرويش ويتبرد،فيتحوّل إلى صفّ الآدميين، ويتلاشى خوف الأطفال، وتطفو شجاعتهم على صفحة الطمأنينة.
السّكان لا يعرفون الكثير عن الدرويش،نهضوا ذات صباح وفتحوا أعينهم فكان أمامهم ،هو لطيف ومهادن لا يؤذي الناس،لا يتكلم إلا نادرا،حتى ظنّ الكثير أنه أبكم، وإذا تكلّم يرمي مفردات وجملا بالمعاني ،تحتاج للشرح والتفسير،كما يقول أهل القرية، لذلك يحسنون إليه، فيطعمونه .
أثر الدرويش في بعضهم بتنبؤاته لأنها تصدق أحيانا،ويمدهم بقوة العزيمة والطاقة الإيجابية،صار طالعهم ومبشرهم بالخير، : هذا العام ،هو عام الخير ،عام القمح مع الشعير،وعام الخرفان والحليب ،وإذا رأى امرأة حاملا : يعيش ويأتي ومعه رزقه، وبيده مفتاح .
الفقر لم يترك لهم شيئا ، لذلك فكلام الدرويش مسحة حنان، وبريق نجدة، فتمتدّ أعينهم وينزع عنها الحجاب ، ويدخلون ( مغارة علي بابا) فيغنمون على عجل مالذّ وطاب، ويمتطون أحصنة بيضاء مجنّحة،يطوفون بها في البراري ويرون مدفونهم يخرج من اللاشعور خلسة عن الأنا المراقب، فيحسون بأنه يتحقق فيعيشون لحظات سعادة وحبور مسروقة من الزمن، ويغرسون شجرة امتدادهم في التقدير الذاتي.
فتحت قلوب أهل القرية للدرويش،فإذا غاب سألوا عنه،لا يرغبون في غياب فألهم وطالعهم،لقد أنبأهم ذات مرة بمجيئ عواصف رعدية وسيول،ومادامت لغته بالمعاني لم يفهمه إلا القليل،في تلك الليلة اكفهرت السماء واسودت وانفجرت الرعود بقوة القنابل فارتجفت واقتلعت قلوب أهل القرية ، هولا وفزعا، وحملت الفيضانات ما حملت ! وهدمت بعض البيوت ،وأخذت فلسهم المدخر،كان قبلها الدرويش قد أشار وهو يصيح : أهربوا! أهربوا! جاءت كرة مكوّمة سوداء،تأخذ الشجر والحجر ! أهربوا!. الفوق،الفوق،غطوا رؤوسكم ،يارحيم غطينا بجناحك.
مدة من الزمن وخيط المودة قائما بين الدرويش وأهل القرية،إلا أن جاء ذلك اليوم حينما أمسك بعض الشباب الدرويش وكتّفوا يديه، بغية محاكمته،لكفره وادعائه معرفة الغيب،وميل الناس إليه دونهم،وهبّ القرويون لساحة الزيتونة،كبيرهم وصغيرهم،وقد اختمر غضبهم ،واقترب انفجار بركانهم ، وحان تفقيس بيضهم، إنه بيض الديناصور،عازمين على نصرة حلمهم خوفا من سقوطه، لأن ذلك يدمي قلوبهم ،ويذهب ببريق أملهم ،هي فرصة لنصرة حلمهم ،وسحق خوفهم ، وحماية درويشهم ،إن تعرّض لأذى من قبل هذه المجموعة التي يسميها أهل القرية بالفرقة الضالة التي فهمت الدين بالمقلوب، وأعطت ظهرها للحب وخاصمته ،وقذفت التسامح،وتصالحت مع ( دراكيلا ).
قرئت لائحة الإدانة والتهم ضد الدرويش والكلّ ساخص بأعين مسمّرة ،وتوقفت عقارب الزمن عن الدوران ،وساد هدوء رهيب حذر،حتى الأنفاس انقطعت، قلوب مرتعدة ،وممغنطة بوجه الدرويش وهو صامت،حتى الأطفال صاروا ينادونه: عمي الدرويش! بعدما كانوا يخافونه ويهربون،كلام الأطفال كان حقنة تمرّد لأهل القرية دفعت الحناجرللصياح: اطلقوه حالا،فهو مظلوم! واعطيت الكلمة للدرويش ليدافع عن نفسه،وبعد صمت وإلحاح من السكان الذين دفعوه دفعا ليتكلم قال :
أحبكم كلكم بطباعم كما أنتم،وأغطيكم ببرنسي،لم ارتكب ذنبا سوى أنني ساعدتكم على سقي بذرة الخير،وإخراج أحلامكم من الدهاليز لترى النور،اشتقتم للبسمة فأهديتها لكم وتعطشتم لحياة أفضل،فمنيتكم،فشعرتم بدفء الحياة، وبنمو غرسكم،ولم يتمم الدرويش حديثه حتى قفز فرد من الفرقة،وبيده خنجر ! يلوح به مرددا : سأريك يا مجنون! يا مهبول ! ياكافر ! ويعلو الصياح، وتعمّ الفوضى،وفي هذا الوقت بالضبط تهتزّ الأرض ويخرج دخان كثيف ،وزوبعة تراب ،دوامة حجبت الرؤية! واقفلت العيون بستار رموشها،لكن الدرويش ،يحجب عن الأنظار،يختفي ،وكأن الأرض ابتلعته،لا أثر له،ربّما رفع، يندهش ويتعجب أهل القرية! فاتحين أفواههم ،وعيونهم جاحظة لهول المعجزة الخارقة! أمّا أفراد الفرقة فيهرولون، ويغادرون القرية ، دون رجعة،خوفا من أهلها،ومن انتقامهم .
وتمضي مدّة على هذه الحادثة، ويقول الكثيرون بأنهم رأوا الدرويش في الليل متكئا على جذع الزيتونة ، ووجهه جميل مضيئ وهو يبتسم ،وبيده مصباح صغير بألوان مختلفة.
ومن يومها صارت ساحة الزيتونة رمزا ومعلما للاجتماع وفكّ الخلاف وإصلاح ذات البين،والغريب أن المظلوم والمطارد صار يلجأ للزيتونة ليستجير بها، فلا يجرؤ أحد على الا قتراب منه.
وازدانت القرية بسوار أخضر من شجيرات الزيتون فكانت حزاما يحرس القرية وأهلها .
عبد العزيز عميمر من الجزائر.
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏وقوف‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة