Translate

الثلاثاء، 14 فبراير 2023

الحُبُّ الصّامتُ ... بقلم الكاتب المبدع / فريد المصباحي المغرب

 الحُبُّ الصّامتُ ...

بقلم الكاتب المبدع / فريد المصباحي
 المغرب
تسلّلتُ خُفيةً إلى بيتِ والدي لأكتشفَ معالمَ مجهولةً ...
مكانٌ ضيّقٌ فيه كثيرٌ من الكتُبِ ، كان يُبهرني والدي بسرْدِ بعض الحكاياتِ وكنتُ أظنُّها جزء من حياته ، يَحكيها وهو في غايةٍ من السعادةِ ، يفتحُ عيناهُ أحياناً ، ويغمضُهما أحياناً ، يرى ذاتَهُ فيها ، يوحي إليَّ أنها مُدوّنةٌ في مُخيلتهِ ، ويحاولُ أن نستمعَ إليه ، خوفاً من أن يطالَها النّسيانُ ...
متعةُ التخيُّل لتفاصيلَ ما يَحكيهِ ، جعلتْني أدخلُ عالمَهُ الخاصّ لأُزيلَ عنهُ غبارَ الأيامِ ، وأقتحمَ تلك الكنوز ...
أول عبارة صادفتْني عبارة " لا يمَسّه إلاّ المطهّرون" ، تراجعتُ قليلاً ، تجنّبتُ الكتابَ ، فمدَدتُ يدي إلى كتابٍ لم يُطبَعْ بطريقة عصرية ، بل هو مخطوطٌ باليدِ ، تصفّحتُهُ فوقعَت عينايَ على عنوانٍ بارزٍ كُتِبَ بالمدادِ الأحمرِ (طرائف ونوادر) ، تأبطتُهُ فخرجتُ مُسرعاً ...
جاذبيةٌ لم أكدْ أقاومُها ، حبّبَ إليَّ والدي بطريقةِ سردِهِ لمغامراتِ أبطالِ قصصِهِ القراءةَ إلى درجةِ العِشقِ ، لمّا أدخُل عالمَ الكتبِ تراني كرائدِ فضاءٍ ، أحلّق في الأجواءِ ، فرحةً وٱستكشافاً ، يستولي عليّ نَهمُ القراءةِ ...
أعمارُنا الصغيرة كانت مع المجلاّتِ المصوّرةِ ...
كانت تلكَ المجلاتُ مشوّقةً ، مثيرةً للإهتمامِ ...
ولاحقاً تنوّعت قراءاتي أكثرَ ومضيتُ نحو القراءةِ المحترفةِ ...
كنتُ في وقتٍ ما أقرأ أربعُ ساعاتٍ يومياً ، اليومُ الذي لا يُسعفني فيه الوقتُ أعوّضُه بالليلِ ...
كنتُ أجالسُ صديقاً لي يشاركني القراءةَ ، قلتُ له يوماً :
" تذكّر يا محمّد سيأتي يومٌ لن نجدَ هذا الفراغَ الذي نحنُ فيه ، والظُّروفَ التي نتمتّعُ بها ، فلْنغتَنِم هذه النّعمة في القراءةِ والإستفادَةِ ..."
كنتُ أقرأ الكتابَ والسعادةُ تغمُرني ولا أبدأ في الآخر حتى أكملَ الأوّل وبعد الإنتهاء منه أرتاحُ يوماً أو يومين لأستشعرَ المُتعةَ التي عشتُها أثناء قراءتي لهُ ، خارجاً منهُ بخلاصةٍ مفيدةٍ ما زالتْ تلكَ الكُراساتِ بحوزتي ...
فالكتاب عالمٌ نُحيطهُ ومحيطُهُ لهُ شاطىءٌ تنتهي إليه سُفنُنا ، لنأخذَ قسطاً من الراحةِ ، والتزوّد بالمؤونةِ لٱستكمال المسير وإكمال الرحلة في القراءة وٱكتشاف المعرفة ...
لقوة حُبّي المجنون للقراءة كنتُ أقرأ حرفاً حرفاً كُتب على جريدة ما ...
أجمعُ الصفحاتِ مِن على جنباتِ الطريقِ وأمسحُ الجُزءَ المُتَّسِخَ منها وأحتفظُ بالنظيفِ لأقرأهُ لاحقاً ، عزّ الكتابُ ونادراً ما نجدُهُ لنقرأهُ ...
أما الآن وقدِ ٱستحوذتِ الأجهزةُ الإلكترونيةُ الحديثةُ على الناسِ ، لم نعُد نرى أحداً يحملُ كتاباً ، وهَمَ مَن ظنّ أنّهُ يقرأ من الأنترنيت ...
وكذِب مَنِ إدّعى أنهُ يقرأ كتاباً على شاشة الكمبيوتر أو الهاتف ...
توهّمَ من ظنّ أن صيغة PDF للقراءة ، هي خزانةٌ وليستْ كتاباً ..!
عالم الأنترنيت عالمٌ وبحرٌ لا شاطىء لهُ ، يحتَوينا ولا نحتويهِ ، يجمعنا ولا نجمعُه ، يستحوذُ علينا ولا نكادُ نَستوعبُه ...
يؤدّي بنا لعوالمَ لا نكاد نعودُ منها ، نتيهُ في عوالمِه ، أقفاصٌ من حديدٍ ، وأوهامٌ كبيتِ العنكبوت ، إرتفعت جهودُنا وقلّت معرفتُنا ...
عالمٌ أبعدنا عن الحقيقةِ ، كثُرت الحقائقُ فضاعتِ الحقيقةُ ، سادَ فيه التّافهُ ، وتاهَ فيه ذو المبادىء وغابتِ الكرامةُ ، وعُزِلتِ الأُسرُ عن بعضِها ، وغابت فيه العِزة والرجولةُ والشهامةُ ، ماتت فيه الضمائرُ والقلوبُ ، وكثرتِ فيه المذاهبُ والآراء والتعصّب لها ، حتى حارَ فيها اللّبيبُ والحكيمُ ...
عالمُ الأنترنيت رغمَ فوائدِه ، قضى على ما تبقّى من الحياءِ ، فلم تعُد الأنثى تخجلُ من مُبارزة الذّكرِ وجهاً لوجهٍ ...
تُخاطبهُ بكلمات الغَزلِ والمجاملةِ وكلماتِ العشقِ والغرامِ وبدون خجلٍ ولا وجلٍ ...
وتجرّأَ التّافهُ في الإنتقادِ والتنقيصِ من شأن الأنبياء والأولياء والعُلماء ...
والهجومُ على القرآن وكتبِ الأوّلين والآخرين صارَ ديدَنَ الأصاغِر ...
بقلم : فريد المصباحي/ المغرب
قد تكون صورة ‏شخص واحد‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

قدر العرب للشاعر متولي بصل

    قدْرَ العربْ متولي بصل مصر *** غدا يعرفُ الناسُ قدْرَ العربْ وأنَّ العروبةَ  مثل الذهبْ وأنَّ البلاءَ على قدْرِها عظيمٌ وكمْ منْ بلاءٍ ح...

المشاركات الشائعة