( قاضي الدم )
جات لحد عندك ياشيخ ( علي ) ماذا أنت فاعل
قال هذه الكلمات وهو ينظر إلى المرأة ويمسح دموعه التى تتساقط كما الشلال
أمعن النظر وشاهد نفسه شاب في العشرين من عمره تخرج للتو من كلية أصول الدين ، وعاد محمل بالدين وأصوله إلى قريته التي لا تعلم عن دينها الكثير ، بل دينها العصبية والقبيلة
أفاق من ذكرياته على صوت يقول ( ياعود طري واتلوي، ميل ومال على الأرض، امبارح كان في وسطنا، والليلة تحت الأرض"،
اتنين عليك واتنين على النخلة.. خدوك يا حبَيِبي ساعة الغفلة".
وقفوا الحدادي على جميزة ..ناضرين الصقر ساعة عوزة
وقف على البيت غراب البين ماكانش يومك ياغالي يازين )
فخرج يهرول مسرعا وكاد أن يسقط عندما التف طرف السجادة على عكازة الذي يتكأ عليه ..وهو ينادي ياحجة ياحجة قولي للي بتعدد دي تخرج بره داري نهائي ، لم يسمع إجابة لنداءه من الحاجة ولكن رد عليه أبن أخيه عصام حاضر ياعمي الشيخ خلاص مشيت ، ما تشغلش بالك ، واقترب منه وهو مطأطأ الرأس ، ايه ياعمي هنعمل أيه ، قال هذه الكلمات وهو ينهن بصوت مكتوم، رد الشيخ علي العمل عمل ربنا ، أروح الأول أشوفه ، خرج يجرجر قدميه التي لا تحمله وحاول عصام أن يسنده ويكون عكاز له ولكنه رفض وقال له أنا لسه شديد ياعصام ، استقلا السيارة ومن ورائهم خرجت عشرات السيارات تنهب الأرض نحو المشفى الحكومي ، وعندما وصلوا جاء الطبيب إلى الشيخ علي والذي كان يعرفه أشد المعرفة وقبض على يده وشد عليها، شد حيلك يا شيخ علي ، أمر الله نفد ،
نظر الشيخ إلى عيون الطبيب والتي كانت عبارة عن جمرتان حُمر يا دكتور عاوز أشوف حسن
أخذ الطبيب بيده إلى المشرحة وفتح أحد صناديقها وأخرج جثة حسن ، وكأنه نائم ، العيون مغلقة والشعر الناعم يغطي جبينه ، ولحية سوداء صغيرة تحيط ذقنه ووجه بياض مشرئب بالحمرة وكأنه خارج لتوه من الحمام ، ضم الشيخ علي رأس حسن إلى صدره ثم قال إنا لله وإنا إليه راجعون ، احتسبتك ياولدي شهيد عند الله ، شهيد الغدر وشهيد كلمة الحق ،
ثم انسابت الدموع تغطي وجنتيه وتبلل شعر صدر حسن الذي كان يغطيه ، والتي كانت جدته تمسح على هذا الشعر في صدره وتقول له ياحسن في صدرك شعره من الأسد ، أنت راجل وقوي وما تخاف كيف الأسد ،
بكى الشيخ علي وأبكي كل الحضور على حسن ، فمنذ ساعات كان معه يقبل يده ويستأذنه للخروج لقضاء بعد المصالح الخاصة بيوم عرسه ، ولم تمض ساعة حتى جاء الخبر المشؤم ألحق ياشيخ علي حسن أضرب بالنار على الزراعية ، خرجت القرية عن بكرة أبيها ، والجميع لايصدق ما سمع حسن قُتل لماذا ، وهو الشيخ بن الشيخ وليس لهم ولا عليهم عداوة لأحد ، حسن المحب للجميع الخدوم للكل ، فرحه بعد أيام قليلة ، ياااااه السنين عدت ياحسن وكبرت وهتبقى عريس ياولدي يافرحة قلبك ياشيخ علي ، منذ ساعة كان يقول ذلك الشيخ علي ، وتذكر كيف أنه عاد من تعليمه الأزهري إلى قريته يُعلم ويُجاهد ، ويُحارب الجهل والفقر والتخلف ، ويحارب أسوء عادة في القري وفي الصعيد وهي عادة الأخذ بالثأر والتي تقضي على الأخضر واليابس ،
الثأر شر لا بد منه هكذا كان يقول بعض من أصابهم فيروس الثأر،
وأصحاب الدم ماينفعش يرفعوا راسهم إلا لما ياخدوا بدمهم ولو بعد سنين، وفى تلك الفترة يعيش الناس أسوأ أيامهم ، فلا زراعة ولا صناعة ولا عمل لهم إلا كيفية التخطيط للأخذ بالثأر
حتى تحين لحظة الأخذ بالثأر، وقتها تقوم العائلة التي أخذت ثأرها بإطلاق النيران، فرحاً وابتهاجاً بعودة الحق ورفع الرأس مرة أخرى ،
وينصب سرادق العزاء ، وتنوح النساء وتلطم الخدود
ومن له ثأر يبيع أرضه لشراء السلاح للأخذ بالثأر، وبعض الناس تقضي عمرها كله تشتغل عشان تجيب سلاح وتاخد تارها وبعض الناس تؤجر حد ياخد بثأرها، ومن لم يأخذ ثأره يشعر بالعار والمعايرة والشماتة ممن حوله ، وعليه أن يرد اعتباره وكرامته ، وأن يرفع رأسه ، وإلا يلبس الطرحة ويعيش عيشة الحريم ، الشيخ علي حاول هو ومن معه أن يحد من هذه الكارثة حتى أنه لقب بقاضي الدم في قريته نسبة إلى شيخ القبيلة الذي يحكم بين الناس في مسائل القتل والجروح والديات في جرائم الثأر ،
خرج الشيخ علي من المشفى الحكومي يستند على عصام ابن أخيه ، ووجد عائلته في انتظاره وقد أمسكوا برجل في الخمسين من عمره ، وعندما رأي الرجل
الشيخ علي قال له هل دقت حرقة القلب ،هل جربت موت الضنى، هل جائك خبر أغلى من عندك على غفلة ، هل مازالت لا تصدق أن ابنك مات وفارق الحياة ولن يعود ، هل شعرت انك بدون جلباب وإنك عار ، هل حسيت باللي أنا حسيته لما ابنك مات زي أبني ، أبني اللي أنت بتدخل وعاوزني أسامح واتصالح مع اللي قتله ، أنا قتلت ولدك يالا نتسامح ونتصالح ايه رأيك ، رد الشيخ علي أنا عمري ما أجبرت حد على الصلح والسماح أنا ممكن اقعد شهور وسنين علشان أقنع بالصلح إنما عمري ما أجبرت حد أنه يسامح ، ياعصام سلمه لمأمور البندر ، وفي لحظة اقتحمت المكان سيارة نصف نقل وألقت حمولتها في منتصف الطريق ولاذت بالفرار وكانت الحمولة عبارة عن مجموعة من خيرة شباب عائلة هذا القاتل وقد تم قتلهم جميعا ،
وهنا أخرج أحد الأفراد بندقيته وصوبها تجاه القاتل ياعمي احنا مش قليلين علشان الحكومة تاخد حقنا ، احنا لازم ناخد حقنا بيدنا وسحب الزناد للضغط عليه وهنا تصدى له الشيخ علي وأخذ الرصاصة بدل من القاتل
تمت
الاسم / محاسن علي عبد الرحيم مقلد
الشهرة سنا الشرق ام محمد
البلد جمهورية مصر العربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق