قدور الشر
يصنعون من الشياه ذئابًا ويشكون من وحشية افتراسها.
لم يسْتغرب كما استَغربَ شرذمة الوجلين المتملقين هذه، وقد سمع رجيف قلوبهم يكاد يكسر أضلاعهم، عشم مطففين أن يجّمَ مكيالهم، يسوقون بعصا تزلفهم تهانيهم المزيفة، أصوات مخنوقة يرافقها رشفًا للرضاب؛ سحقَتْ رقابهم قوائم كرسي منصبه الجديد، ذلك المنصب نَوَال يده المدماة ودسائس ومكائد نصبها أفخاخًا في طريق المعارضين والمناوئين لنظام الحكم كما كانوا يطلقونها عليه، عندما كان طالبًا جامعي، لم تتعدى أحلامه وظيفة تحفظ ماء كرامته، وكأي مواطن متذمر.. لعلع لسانه في المقهى والشارع وبعض التجمهرات هنا وهناك، إنسان حر.. كان له رأي في الشأن السياسي أبداه بكل حرية من غير أريحية! ولم يدرك إنه شريك الأفكار مع الخط المعارض..الذي يحارب بوسائل غير شرعية ومنافية لضمير السلطة!دارت رحى الاجتماعات السرية في العاصمة، تزاوجت أرائهم فأنجبت قوانين هجينة كان هو أول ضحاياها؛ وضعوه في خانة الخونة والخطرين، صادروا وظيفته ورموه في الشارع بين أناس نضح إنائهم أخيرًا، ولايعرف ما سر هذا الغيض المكظوم، ألسن البقر انقلبت وأصبحت دقيقة كألسنة الأفاعي، أوقدوا للشماتة نارًا، وتهديد إيحائي لاذع، تأسّدَ الجبناء وعاملوه كفريسة ليعتدوا عليه ويتكالبوا حوله: صه على جبينك ملف مطموغ وإلا أيها الحثالة...، أكثرهم جرحًا أقربهم صلة به، وبين الفينة والأخرى تسوق الوشاية جهات أمنية فيُقتاد بالركلات معصوب العينين، جهة مجهولة وتحقيق مرير، وشاية كاذبة من حقود حسود شعرَ إن حاجبه علا عينه فإمتعض، أو طالبا بثأر على أخصومة تافهة قديمة، فكان كل يوم يطلق سراحه فيه عيدًا واستجابة لدعوات زوجته التي تقضي أيامًا تخفف الأورام المبعثرة فوق جسده وتقلب أثار التعذيب الكهربائي، فأحدث الخوف المتكرر رجيفًا في قبله وأرق دائم، مما إضطره الهروب إلى حيث هو نفسه لم يتوقع أن يذهب إليه مطلقًا، يبحث عن نسمة اِطمئنان؛ وهنا حدث ما لم يكن بالحسبان، في أروقة أكبر مقرات الدولة وبالصدفة التقى بأعز صديق عليه، بينهما عشرة "زاد وملح"، تلقفه بالأحضان والترحيب وتبادلا التحية يخالطه شعور الخوف والطمأنينة، بعد فنجان القهوة استفهم كلاهما عن الأخر فوجد صديقه فردًا مهما في الحاشية، حكى ماآلت إليه ظروفه، حدّق في سحنته مطولاً ثم قال: لاعليك سهلة جدا، أولا تعلم أن كل شيء تغير...! من الأن أنت من الوطنيين المخلصين وبكفالتي، ومن ذلك اليوم أصبح كما قال، نفّذ ماطلبوه منه بالحرف فتلطخت يديه بدماء لايعرفُ أصحابها وسجّلَ فديوهات فضائح من لايخصه فاعليها، إبتزاز.. تهديد..خطف..إغتيال فلقي المديح والاِستحسان أمامه على مكاتب الكبار ولسان حال صديقه يقول: تفوق الطالب على الأستاذ فنال مانال منهم وتدرج شيئًا فشيئًا حتى نالَ أول منصب محى كل سجلات الشبهة التي أحاطته بعد تسنمه، تحوّل من مرعوب إلى مُرعبٍ ومن مُعذَبْ إلى جلاد، وهنا تأمل في وجوههم، هذا الوقح وذاك الحقير وحتى تلك الغير متربية أما آن الأوان لأسحقهم بحذائي انتقامًا، أم أترك الخوف الذي أذاقوني إياه ينخر قلوبهم وأرمي عبارات مشفرة مقلقة تزرع في قلبهم رهاب دائم، فأتاهم مالم يتوقعوه...
علي الجوراني/العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق