Translate

الأحد، 8 مايو 2022

الظل عبدالعزيز محمد عطية مدني - الخرطوم - السودان


 الظل

كان هائما دوما على وجهه مستغرقا فى الصمت ينأى بنفسه عن من حوله لا تظهر على ملامحه إى أشارة بما يعتمل فى دواخله؛ فلا تبدو عليه سمات الحزن أو الفرح أوالخوف؛ ليس عابسا وليس بشوشا؛ غير غاضبا أو مسرورا؛ منكفا على نفسه؛ لم يتمكن أحد من رؤيته وهو يتحدث حتى مع نفسه ويخيل لك أن شفتيه قد أطبقت تماما على فمه وظن الكثيرون بأنه أبكم؛ كانت تبدوا عليه وسامة تتوشح عينيه وجبهته الواسعة ووجهه الدائري وشعره المجعد من فوق هامته؛ وطوله الفارع كل هذه الملامح ألبسته علامات الوقار التى ترفض أن تتخلى عنه وهو أكثر زهدا فيها؛ فتطفأ عليه مزيدا من الغموض واسرار من الحيرة وتساؤلات يتناقلها الناس فى دهشة حتى فى ملابسه التى يرتديها تبدو نظيفة يوم بعد يوم؛ ولم يراه احد يستبدلها ولم يتجرأ أحدهم فى سؤاله عن سر نظافة ملابسه الرثه؛ ولا يعلم له اسما يطلق عليه فتزداد محفزات الدهشة بين الناس من حوله؛ وقد حاول الكثيرون الإقتراب منه والتنفج من مزاجه الهادي دوما ومشاركة وحدته فى الزهد عنهم بدافع الشفقة مرة وبدافع الفضول أكثر؛ والبعض منهم يحاولون التقرب إليه تزلفا كأحد أولياء الله الصالحين فيبتعد عنهم مسرعا متجاهلا وغير عابئا بتوسلاتهم وإغرائهم بالهبات للتحدث إليهم أو الدعاء لهم أو التعلق حتى بأمل ما يرجئ منه؛ فشل الجميع فإن يستنطقون صمته؛ دوما يتجول فى شوارع المدينة وأزقتهاحافيا؛ لم يراه أحدا مستلقيا أو نائما؛ ربما تجده هنا أو هناك فى ناصية الشارع أو على الرصيف أو فى مدخل المدينة أو على وأطرافها المترامية حيث لا يوجد مكان محدد يؤويه؛ يستعمل يديه فى الإشارة أن كان جائعا ولا يتوسل الناس إلحافا؛ فيتسابق الجميع لأشارته الشحيحة فى رغبته للأكل أو لجرعة ماء يطفأ بها ظمأ النهار وهو يلاحق ظله كلما أبتعد عنه.
تعددت القصص التى تروى عنه؛ بعضهم يجزم بأنه درويش كشف الحجاب له فاصبح سائحا مع نفسه تعتريه تجليات الحضرة فيستغرق فى أسرار محبته ويعيش فى عزلة المجذوب لذات المحبوب لا يرعوي لإنس ولا جن؛ سابحٌ فى ملكوت الذات الإلهية. لا يعلم سره إلا الله وقد صدّق الكثيرون ذلك فهو ليس به مس من الجن أو دلالات من أفعالِ شيطانيةِ؛ و يعتزل الجميع فى خلوته بنفسه حافيا نظيف الملابس يفوح منه عبق طيب طوال الوقت لا يتوقف للحظة حتى يلتقط أنفاسه أو يلتجأ لظل يستعطف برودته طوال أيام الصيف الحارة ولا يلتمس دفء فى الشتاء ولا يعتريه خوفا من البلل حينما تدمع السماء فيظل كما هو قبل أن تنزل عليه حبات المطر.فاصبح مريدوه يتعلقون به عن بعد لا يراهم ولكنهم يروه.
قصة أخرى تحكى عنه بأنه فقد أفراد أسرته جميعهم والديه وزوجته واربعة من الابناء الذكور ومثلهم من الإناث فى ليلة واحده فى حادث سير على الطريق السريع خارج المدينة؛ فاصابه الذهول يومئذ. ولكن لا تكاد هذه القصة تجد لها مكانا عند الناس وذلك لطبعه الخجول وهدوءه ووقاره وإعتزال الحياة فى زهده عن الدنيا؛ وطرد فكرة مرضه بالذهول أو الجنون.
فى السنة التاليه منح الدارس درجة الشرف الاولى لرسالة الدكتورة عن بحثه الميداني فى المعينات الظرفية لتصديق الناس لرؤية الظل فى البحث عن الحقيقة. (عبدالعزيز محمد عطية مدني - الخرطوم - السودان )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة