بالأبيض و الأسود
- من سيلقي كلمة التّأبين ؟
قالتها وهي تحبس دموعها.
نظرات دهشة انطلقت من العيون، و لا جواب صريح سوى استنكار و ذهول.
- سألقيها أنا، قالتها بحزم و استدارت نحو غرفتها.
كان ألبوم الصّور على طاولة صغيرة، اعتادت أن تقلّب فيه كلّما راودها الماضي في حلم جميل أو كابوس، صوره بالأبيض و الأسود فقط كالحقيقة المجرّدة ففي عرفها الصّور الملوّنة تحمل تزييفا تجعل النّاظر مخدوعا، تأمّلت صورة قديمة لها حين كانت طالبة في المرحلة الثّانوية و قد ارتدت الزّيّ المدرسيّ و ابتسامة واسعة ارتسمت على شفتيها عربون إيمان بغد قادم جميل.
وسرعان ما صارت الصّور بين يديها باهتة و كأنّ غشاوة حاصرت عينيها، كلّ ما تراه تاريخ لم يمثّلها مطلقا، هي و هو نقيضان اجمتعا دون امتزاج و مع ذلك أصرّت على عدم الانسحاب و الاستمرار حتّى اللّحظة، كانت طالبة مثاليّة أو ربّما أشبه بامرأة آلية أجادت القيام بمهامها بأكمل صورة، نسيت نفسها و أصبحت ظلّا .
كلّ عزائها أنّها استطاعت أن تكون أمّا ناجحة، و ما تبقّى لا يهمّ.
فتح ابنها الأكبر الباب و راح ينظر إليها بعتب كبير: أحقّا ستلقين كلمة التّأبين؟
و ماذا ستقولين؟
لم تجب، بل راحت تتأمّل صورة جميلة جمعت أولادها و أحفادها، و أخذت تتمتم بصوت هامس:
فخورة بحصاد مواسمي
و ما تبقّى لا يهمّ.
روضة الدّخيل
سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق