Translate

السبت، 4 يونيو 2022

الرواية بين المتعة والفن بقلم / ناجح صالح


 - الرواية بين المتعة والفن

سألني سائل أليست الرواية ضربا من ضروب المتعة واللهو ، فما جدواها وما نفعها ؟
وقبل الاجابة على هذا التساؤل الساذج أقول أن القرن التاسع عشر شهد مولد أدباء روائيين في بعض أقطار من العالم كانت لهم مكانتهم المرموقة .
ففي روسيا وحدها كان تولستوي وتورجنيف ومكسيم غوركي ودستوفسكي وتشيخوف .. وهؤلاء كانوا قمما شامخة ، أثروا الانسانية بشرارة أفكارهم المتوقدة ، وأنهم وصفوا المجتمع الروسي وصفا دقيقا بما فيه الطبقة الحاكمة المترفة التي أذلت شعبها الذل المقيت ، وكيف كانت معاناة هذا الشعب المغلوب على أمره بما كان يحتويه من فقر وبما يفتقده من حرية .. وهي أسباب دفعت الى الثورة فيما بعد .
وفي فرنسا كان فيكتور هيجو وأميل زولا و بلزاك يضعون لمساتهم السحرية في وصف ذلك المجتمع أبان تلك الحقبة الوصف الدقيق المحكم لنتعرف على كل شاردة وواردة ، وعلى ذلك الترف الذي يحظى به البعض بما فيه من لهو وعبث ومجون .. انها باريس مدينة الفكر والأدب والمتناقضات ، فيأتي القلم ليتحدث عن أجواء ما كنا نعرفها .
وفي بريطانيا كان ديكنز ومن قبل كان شكسبير ، واسم ديكنز وحده في عالم الرواية ما يحدث ضجة لما كان لقلمه من سحر عجيب ووصف مذهل .. ترى كيف كانت لندن في تلك الفترة رغم الثورة الصناعية التي ابتدأت منها ، وكيف كانت طفولة ديكنز نفسه .. ألم تكن طفولة بائسة تعسة !
في قصة مدينتين يتراءى لنا المشهد وكأنه قريب عنا نتأمله ونتحسسه ليصيبنا دوار من ذلك كله ، انها رحلة طويلة معقدة بين لندن وباريس ، فأي وصف يسحرنا به ذلك القلم .
وفي عودة الى السؤال المطروح ، فان الرواية هي فكر وأسلوب وفن ، تلك هي الرواية الهادفة الجادة ، ولا شأن لنا بالرواية الرخيصة التي تثير في القارئ غرائزه الحيوانية .
انه حقا لا تخلو الرواية من متعة ، لأن هذه المتعة هي التي تقودنا الى الاستمرار دون توقف ، وفي ذلك فن قلما يقدر عليه الكثيرون .
وهذه المتعة تقودك الى معرفة لست في غنى عنها .. وما العلاقات الاجتماعية الا جزء من هذه المعرفة ، كيف هي علاقة الرجل بالمرأة وكيف هي علاقة كل منهما بالمجتمع .
ثم كيف هو الحب ؟ وبأي منظار ننظر اليه ؟
ترى هل القلم قادر أن يهز مشاعرك ويوقظ فيك أحاسيسك تجاه موقف من المواقف التي غالبا ما تتكرر كل يوم .
وان كان لك ادمان على قراءة الرواية فستجد نفسك يوما مشبعا بل متخما بحصيلة من المفردات اللغوية لم تكن تعرفها من قبل .
واذا كان لديك دافع فطري في حب القلم فستجد نفسك تنقاد رغما عنك الى الابحار في رحلة الأدب ، ولا تجد لك سبيلا للخلاص من أسره ، وسيكون لك أسلوب تنفرد به وحدك .
فأي رحلة هذه التي تكون فيها على وفاق مع هذا الكتاب أو ذاك ، مع هذا الأديب أو ذاك !
انه ذوقك أنت من يدفعك لاختيار الكتاب واختيار الكاتب معه ، ذلك أنك تأنس به وتجد فيه متعة ألذ من متعة الطعام ، اذ هي تغرس فيك أشياء لم تكن تعرفها وأن عقلك بدأ يتسع معرفة وثقافة .
فهذا نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب .. ترى ما الذي احتوته رواياته حتى ينال هذا التكريم ؟
ان أغلب روايات نجيب محفوظ لاسيما الثلاثية كان أبطالها من أحياء شعبية وسط القاهرة ، هذه الأحياء تزخر بتراث يشد الأنفاس لما فيه من نفحات وايقاع ، علاوة على صراع الطبقات من أجل لقمة العيش ، ودور الطبقة الوسطى سيما فئة المثقفين منها في رسم صورة نابضة للحياة في ربوع المجتمع المصري .
ان الرواية جزء لا يتجزأ من هذا الأدب الزاخر بمعانيه ، لذا فهي عامل مؤثر في اعطاء جرعة من مفاهيم الحياة بكل زخمها وقوتها واندفاعها . ش
قد تكون الرواية سياسية وقد تكون اجتماعية وقد تكون عاطفية ، وقد تكون مزيجا من ذلك كله .
والروائي المتألق المقتدر هو من يمسك زمام العصا من جميع أطرافها لتكون الرواية همزة اتصال بينه وبين بيئته التي يحياها بكل مقوماتها وهواجسها ونبضها .
وبعد ذلك كله ألا نريد أن نتعلم من تولستوي وديكنز وأميل زولا ونجيب محفوظ دروسا في أدب الرواية لتكون لنا عبرة في حياتنا من أخطاء ربما نقع تحت طائلتها دون وعي أو بصيرة . بقلم / ناجح صالح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة