Translate

‏إظهار الرسائل ذات التسميات قراءة نقدية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قراءة نقدية. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 31 مارس 2023

ندوة مناقشة كتاب الفنان محمود مختار للصحفي والناقد للفن التشكيلي والمؤرخ والشاعر القدير الأستاذ ماهر حسن والتي أقيمت بأتيليه القاهرة



احتضن أتيليه القاهرة  ( جماعة الكتاب والفنانين ) حفل مناقشة وتوقيع للكتاب الأحدث للزميل ماهر حسن عن النحات الرائد محمود مختار باعث فن النحت المصري والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب سلسلة ذاكرة الفنون التي يشرف عليها الفنان والناقد التشكيلي والأديب عز الدين نجيب وقد شهدت الندوة حضورا حاشدا ضم صحفيين وأدباء ونقاد وفنانون تشكيليون وكتاب وقد شارك في المناقشة الدكتور حسين عبدالبصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، والأديبة والناقدة دكتورة منال رضوان.




وفي كلمته قدم الدكتور حسين عبدالبصير مقابلات تاريخية وفنية بين مدارس النحت الفرعوني وأشكاله وأنماطه وغن انعكاس النحت الفرعوني على أسلوب مختار والذي من جانبة حقق إضافات تحديثية للمدرسة الفرعونية في النحت فضلا عن حضور الحس الوطني والهوية المصرية على منحوتات مختار الذي ترك وراءه عشرات الأعمال غير أن تمثال نهضة مصر جسد الصحوة الوطنية والنهضة الإبداعية والفكرية على أكثر من مستوي.


و تحدثت الكاتبة والناقدة د. منال رضوان حول التقنية الأسلوبية التي اتبعها الكاتب، حيث أوضحت بأن ماهر حسن وكأنه وضع مختار ككتلة عمل على تشكيلها مستخدما التشكيل السردي لإيضاح فكرته والتي تركزت في المقام الأول حول الاهتمام بالجانب الإنساني،

وكيف استخدم الكاتب المهارات المتعددة في الانتقال بين الحس الصحفي، ووجود الجمل التفسيرية التي تلاحق الأسئلة التي تدور في ذهن القارىء، وبدت كتابته وكأنه يقوم برسم (بورتريه) لمحمود مختار مستخدما فكرة الظل والضوء لإبراز الملامح الإنسانية في عمله؛ فكانت لحظات الإخفاق والنجاح أو التوهج والانطفاء في حياة مختار بمثابة الظل والضوء الذي يبرز أدق تفاصيل شخصية العمل.

كما استخدم الكاتب حس الإبداع لديه كشاعر، كبديل عن الخيال والذي من المفترض أن تبتعد عنه السير الذاتية وإلا كنا بصدد معالجة درامية ولم يكن هذا هو المطلوب بحال؛ لذا فإستخدام الجمل البسيطة بحس شعري جاء في محله وأخرج العمل من مأزق المباشرة التي قد تجعل القارىء يفقد شغفه تجاه استكمال العمل.

ومما يذكر أن الفنان الرائد محمود مختار، من الدفعة الأولي من خريجي مدرسة الفنون الجميلة التي أسسها الأمير يوسف كمال وهو مولود في 10 مايو 1891 وتوفي في 28 مارس 1934 عن ثلاثة وأربعين سنة. وهناك متحف يضم أعماله إلى جوار دار الأوبرا وله عشرات التماثيل التي عكست الروح المصرية وجسدت الكثير من أجواء القرية المصرية وكان الفلاحة بطلة للكثير من أعماله وأيضا النهضة الوطنية في أكثر من مجال ومن أشهر منحوتاته تماثيل: «نهضة مصر»، «رياح الخماسين»، تمثال «سعد زغلول»، وغيرها.وكان قد سافر إلى بعثة تعليمية لفرنسا.

بقي القول أن كتاب مختار هو الكتاب الثامن للزميل ماهر حسن ستة دواوين شعرية وكتابين في التاريخ.


وقد صدر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور هيثم الحاج على، ضمن سلسلة  ( ذاكرة الفنون)  التى يترأس تحريرها الفنان والناقد التشكيلى عزالدين نجيب، كتاب محمود مختار للزميل ماهر حسن، والذى يتناول مسيرة أبوالنحاتين المصريين وباعث فن النحت المصرى.

الكتاب اعتمد أسلوب السرد الأدبى، ويطوف خلاله ماهر حسن، الشاعر والكاتب الصحفى بـالمصرى اليوم، حول لقطات إنسانية من حياة مختار، ليعرض بأسلوب نقدى أعماله الفنية، وأبرزها بالطبع تمثال نهضة مصر، وتمثالا سعد زغلول فى القاهرة والإسكندرية.

والكتاب، الذى يقع فى 7 فصول، يقدم خلاله الكاتب بلغة أدبية تفاصيل درامية من حياة أبى النحاتين المصريين، الذى ولد فى 10 مايو 1891، ورحل فى مارس 1934 عن عمر يناهز الـ 43، تاركا وراءه آثارا نحتية وقفت أوروبا كلها أمامها إجلالا وتقديرا، ونظرت لمختار باعتباره الفرعون الجديد.

تناول حسن الجانب الإنسانى فى حياة «مختار»، استدعاها مما سجله ابن شقيقة الفنان الراحل، بدر الدين أبوغازى، وزير الثقافة الأسبق، (1920- 1983)، بكتابه الذى كتبه عن خاله فى الستينيات، ومما يحسب للمؤلف أنه لم يقيد نفسه بالشكل التقليدى عند كتابة السيرة الذاتية، صانعا لنفسه مسارا متحررا يخصه، حيث خرجت الكلمات من حكاءٍ قادر على استمالة القارئ الذى لا يملك إلا أن يبحر معه.



 


 


الجمعة، 17 مارس 2023

قراءة الناقد اللبناني الكبير سليمان جمعة لنص قصة قصيرة جدا للاديب العراقي مهدي الجابري

 قراءة الناقد اللبناني الكبير سليمان جمعة

لنص
قصة قصيرة جدا للاديب العراقي مهدي الجابري
_________
تمن
وضب لابنه الكرسي، أجلسه، أخذ يتمايز به، رسم له مخططاً يؤمّن مستقبله.. استفاق وهو يتصببُّ عرقاً؛ قرر مراجعة طبيب العقم للمرة العاشرة عله يحظى بامتداد يخلده.
مهدي الجابري.. العراق
_________
///القراءة ///
معاناة العقم
تتحول الى هلوسة وتفرغ شحنتها في المنام او السرحان ..وكذلك في التفتيش عن مخرج في الطب احيانا وفي الخرافة احيانا التي لم يتبناها النص..
اذن نفس العقيم مشتتة متشظية تخاف من ان ينبتر نسله ولا يكون له امتداد ..ذلك يمليه عليه الواقع القبلي وحب البقاء والخلود .. فالبنية المعرفية هذه تفرض نفسها على تفكيرنا ووجودنا فنحاول ان نتغلب عليها بالنسل ..
والتكاثر ..وهنا اتخذت منحى واضحا ان الاب في تصوراته وضب له لغير موجود كرسيا وخطط لمستقبله ..وهذه ايضا تمليها بنية معرفية متخفية ..وهي ان الاهل يتدخلون في رسم مستقبل اولادهم ايكون لهم صورة او تعويضا لما لم يستطيعوا تحقيقه هم..فيسخروا طاقات اولادهم لهم ..لرغباتهم ..
وذلك في بنية اخرى تسمح باجتياز الحدود ..وذلك يكون في الحلم ..الذي يتجاوز الاشكاليات ويلغيها ..
والتكرار في الذهاب الى الطبيب هو لتأكيد فكرته ..ومحاولة للتغلب على عقمه..
هل حقق له المنام بعضا من امله ؟
هل اشكالية واقعية اذا تفاقمت سيطرت على الانسان حتى تتجلى في المنام ؟
النص يغوص في كشف المعاناة واقعا وتخييلا ..
وما تصبب العرق الا لغة النصب ..الذي يعانيه في الحالين ..
صاحيا وغافيا ..
وكذلك الامنيات قد تتحقق او لا تتحقق .لذا كانت صيغة الماضي تقول ان الامر حدث وانتهى واصبح الامر خبرا ..يمتد في الماضي ..وضّب...أجلس ...اخذ يتمايز .. "وهو يتصبب"
حال لاستفاق..اي ماض ..
ولكن العقم الخلقي قد لا يصلح .."وجعلناه عقيما".
او نهبه الذكور والاناث ..
قد تكون صورة ‏‏شخصين‏ و‏نص‏‏

الخميس، 16 مارس 2023

بين ظل وضوء الواقع, قراءة في المجموعة القصصية (غبار الرفوف) للقاص الأستاذ الدكتور مصطفى لطيف عارف للدكتورة بيداء جبار الزيدي

 




بين ظل وضوء الواقع, قراءة في المجموعة القصصية (غبار الرفوف) للقاص الأستاذ الدكتور مصطفى لطيف عارف للدكتورة بيداء جبار الزيدي الدكتور الناقد مصطفى لطيف عارف في مجموعته القصصية (غبار الرفوف) راوي عليم يسرد من الواقع ما يذهلنا ويؤسينا في آن واحد, يأخذنا الى زوايا نعيشها كل يوم ولكنها في الظل عمداً, فيكشفها ويشاركنا فيها آلاماً مريرة, في هذه الاقاصيص الفكرة تدور حول نمطين من المصاعب الواقعية والأزمات العراقية, الأولى في ما قبل 2003 والثانية في ما بعد هذه الحقبة, لقد بدت هذه الاقاصيص وكأنها توثق تأريخ أو تسجل وتشخص وتنقل مآسي بوعاء سردي تتلبسه شخصيات متنوعة تعاني الظلم والاضطهاد والتهميش والأمراض النفسية والجنون أحياناً , وقد خصّ مدينة (الناصرية) جنوب العراق ببعض الأقاصيص في خصوصية النقل الحرفي ليجعل القارئ متأرجحاً بين الواقع والايهام باللاواقع لما فيه من مفارقات اليمة يصعب تصديقها. فتراه ينقل اسماء أماكن واقعية عن (الناصرية) كـ (حي اور) , (الشرقية).. او اسماء مقاهي , او اسماء شخصيات كرجل الدين المعروف بـ (ابو عفاف) .. أو اسماء مدارس مثل مدرسة (الجمهورية).. كما نجد دقة وصف الأجواء الاكاديمية فضلاً عن الأجواء التي يعيشها المبدعين والمثقفين والفنانين والعلماء والأدباء , وهذا يتأتى من معايشة بتفاصيل هذه الشرائح والوقوف على بعض المشاكل الاجتماعية والثقافية والسياسية فيها, مع حساسية إزاء هذه الاحداث والمفارقات والمآسي ونقل يشبه رصد الكاميرا والتركيز على نقاط من اللون وتكثيف الاضاءة عليها دون غيرها.. تمارس بعض الشخصيات في القصص دور الجلاد والضحية في وقتاً واحد, وهي وسيلة عرض للمشكلة والتبرير لها, او هي عرض للسبب والمسبب معاً : كما في قصة (اغتيال البلد) التي تعرض لمشكلة ثقافية اجتماعية تربوية اخلاقية وهي بيع الرسائل والأطاريح والبحوث الجاهزة بأنواعها العلمية والأدبية مقابل المال , وهذه الجريمة المخالفة للضمير كما ترد بشكل سؤال يجيب عليه البطل/ الضحية , مبرراً ومحتجاً بالفقر والبطالة بعد ان أحيل على التقاعد ومرضت زوجته وعجز عن سد اجورها الصحية: "لماذا تكتب الرسائل والأطاريح الجامعية مقابل المال؟.. أحلت على التقاعد منذ سنوات ولم احصل الى الآن على راتبي التقاعدي .. وعندي عائلة كبيرة زوجتي أصيبت بمرض السرطان ولا املك أجور عمليتها الجراحية ولم اتمكن من دفع اجورها حتى فارقت الحياة .. بلدنا ذبح بسكيت الجهل والجهلاء " ص133-134. ثم تداخل الشخصية التي تمارس دور البطل والضحية معاً المشكلة لتدفع عن نفسها هذه الجريمة تدفعها بأخطاء الآخرين ومشاكل اخرى لتبرر جريرتها : "ولماذا تحاسبني ولا تحاسب جشع الأطباء والصيادلة"
ويعرض القاص لمشكلة اخرى تتكرر في أكثر من قصة من قصص المجموعة وهي مشكلة " التعيين" بعد التخرج والحصول على الشهادة الاكاديمية لممارسة المهنة اذ ينال الشخصيات المظلومية العلمية والحيف الاجتماعي جراء الحرمان من ذلك , فمعظم الشخصيات عراقية غادرت للدراسة في جامعات عالمية وحصلت على شهادات الدكتوراة او شهادات في تخصصات نادرة ورفضت ان تهب عطاءها الاّ للعراق بلدها , فما ان تعود حتى تواجه بالتهميش والاهمال واللاتعيين , بل أكثر تلك الشخصيات تتجه الى القطاع الخاص او الى مهن لا تتناسب مع مكانتهم العلمية ودرجة وعيهم الثقافي : كبيع السكائر او سائق اجرة او صاحب محل تجاري او حمّال .. "حصلت على شهادة الدكتوراة من بريطانيا .. سوف لن تتعين حتى تنتمي الى جهة سياسية تلتزمك او تفتح محلاً تجارياً تعمل فيه اعمال حرة .. انا احمل شهادة علمية بالفيزياء النووية عرضت عليّ جامعتي في بريطانيا التعيين ومنحي بيتاً وراتباً مغرياً رفضت تلك الامتيازات وفضلت العودة الى بلدي العراق وجئت مسرعا كي اقدم خدماتي"ص23 ويداخل هذه المشكلة الكبيرة بمشكلة التشظيات والانتماءات السياسية وكثرة الاحزاب ومحسوبيتها لدى الادارة وتوزيع فرص التعيين بينها , فتشيع البطالة , ويلجأ البعض الى ممارسة مهنة مقابل "أجر يومي" لا يكاد يسد رمق الحياة: "سألتها انتِ تحملين أعلى شهادة جامعية وتعملين بأجر يومي؟ .. خرجت خائباً من واقعنا المرير" ص10-109 يميل القاص الى جعل البطل في اقاصيصه في الذروة من التفوق والرفعة وهذا من منطلق "والضد يظهر حسنه الضد" اذ يجابه بالتهميش والاهمال غالباً وربما بما لا يستحق من الاهانة بدلاً من التكريم والحفاوة كما في قصة (ذلة الأمل) , او في قصة اخرى: "أعلن رئيس هيأة التحكيم الفائز الاول.. وقلت تمنيت لو كان تكريمي في بلدي" ص129/ ص77 وغالبا ما تكون تلك الشخصيات بعد ان تعود الى البلد تُصعق بما تُقابل به: "تركت العراق لأكثر من ثلاثين عاماً .. أريد الذهاب الى مدينة الناصرية.. شاهدت الحفر والتخسفات في الشارع السريع والتي تؤدي الى الحوادث المميته والحفر الجانبية على الطريق" ص29-140 ولكن القاص في عرض بعض المشكلات يصاحب ويزاوج بين الظالم وحتفه. وهي نهاية وشيكة لكل ظالم عاجلاً ام آجلاً كما في قصة (فوبيا الضمير) وسميع الذي اختلس اموالاً من الدولة وفُصل , ولكن بعد الاحتلال اصبح (ملياردير سميع) ثم فقد عقله دون أن يهنأ بماله الحرام وتنتهي حياته بما جنى على نفسه من وارث لا يرحمه وهي زوجته التي تتنعم بماله الحرام: "دهسته سيارة مصفحة مسرعة من سيارات زوجته التي تقلها الى النادي , وانتهت حياته" ص154. وهذا المخبول وامثاله يتحكم في مصائر اولئك المجتهدون من اصحاب الكفاءات: "سأل نفسه سميع اليوم عندك دوام ومن الذي تعينه في وزارتك الجديدة؟ اجابه الوهم اليوم تعين الذي يدفع اكثر, تعين كل شخص يدفع مبلغاً كبيراً من المال ونجعله من الكفاءات واصحاب الشهادات العليا التي نحصل عليها من اصدقاءنا المقربين" ص154 ثم يعرض القاص مشكلة اخرى تناثرت حباتها الموجعة على أغلب الأقاصيص وهي (الارهاب والتفجير والاغتيال) الذي طال امن البلد ثم جاءت فتوى المرجعية لتعيد الأمن والامان وتخلص البلد من ظلمهم فهور يعرض جانب من الذين ضحوا بدمائهم الزكية من كل الفئات والاختصاصات الطبيب والاعلامي .. وليس الجندي فقط , ويصّور جانب آخر هو بؤس الضحايا من الأبرياء : "بكيت دما على شبابي الذي تلاشى .. عندما انفجرت العبوة قربه افقدته الحركة والنطق" ص120. "قُتل ملاك القناة الفضائية بالكامل ونحرت الحقيقة معهم "ص151. "ولدي الوحيد محمد الطيب الذي استشهد في ريعان شبابه عندما صدرت الفتوى المباركة .. للتصدي للدواعش"ص24. ويرسم القاص صوراً مؤلمة لأب يصف ابنه وقد زفته اليه سيارات الشرطة والاسعاف شهيداً مع ان زواجه الاسبوع المقبل, واخرى تصف اغتيال زوجها الدكتور اثناء عودته من الجامعة بسبب الصراعات الطائفية, وآخر اختطفته الجماعات الارهابية وعليه دفع الجزية والفدية لهم ويضطر ذويه لبيع بيته بثمن بخس من أجل انقاذ حياته. فيُسلم لهم مقطوع الرأس واليدين , والكثير من المشاهد المتنوعة على هذه الشاكلة من الألم : "يحمل سيفا كبيرا قام بضرب العسكري بقوة بتر يديه وقطع رأسه"ص126. "أعددت اطروحة جميلة تناقش الاوضاع توصلت الى نتائج مذهلة بينت حقيقة شخصيات بارزة في المجتمع العراقي .. هددت من بعض المتسلطين .. وقبل أن تصل الى قاعة المناقشة اغتيلت .. قدمت حياتها ثمنا لكشف المستور"ص33. ويعرض القاص لمشكلة الآثار النفسية التي خلفها النظام السابق اي قبل 2003 , والشخصيات تسترجع ذكريات ممضة تقترن بواقع اسوء : "رجعت بي الذاكرة الى الستينات عندما قرأت أول قصيدة .. اعتقلت وسجنت" ص128. كما يعرض لحقبة الثمانينيات حيث الحرب الطويلة, ومرحلة التسعينات حيث (الحصار الاقتصادي) : "اعتقل وحبس مدة زمنية كانت تهمته الانتماء الى جهة سياسية معادية بعدها اطلق سراحه بعد تحطيم نفسيته وترك عاهة دائمية في جسده.."ص82. ويعرض ما عانى الشعب من جوع وفقر مدقع جراء سنوات الحصار الاقتصادي: "لا نملك قوتنا اليومي.. اتذكر جيداً عندما اكلنا نشارة الخشب والحجارة التي تطحن لنا مع الطحين.. باع والدي ابواب بيتنا.. نساؤنا تملك عباءة واحدة ترتديها كل نساء البيت .. عانينا من الحرمان وتجبر المسؤولين في زمن الحصار الجائر .. وفي الليل لدينا (لالة) نشعلها .. نسمع الاخبار عن طريق مذياع قديم يعمل على البطارية.. هجم الحرس لاخماد الانتفاضة الشعبية التي ارادت الاطاحة بالنظام وهناك اطفال يسرقون الدوائر الحكومية"ص97. فضلاً عن الاعدامات آنذاك والتعذيب ومقارنة كل تلك المآسي مع ما يحدث, بعد 2003 حيث الموت بأشكاله المتعددة كالانفجارات في الاسواق والاماكن العامة: "المأسوف على شبابهما استشهد في انفجار سيارة مفخخة في سوق الوحيدات عشية العيد"ص102. كما يتعرض القاص الى الفوضى والاعتداء على الكادر الطبي: "ذهب سنان الى المستشفى ليلاً دخل عليه مجموعة من الاشخاص يحملون رجلاً مصاباً بطلق ناري قاموا بتطويق
كما يتعرض القاص الى الفوضى والاعتداء على الكادر الطبي: "ذهب سنان الى المستشفى ليلاً دخل عليه مجموعة من الاشخاص يحملون رجلاً مصاباً بطلق ناري قاموا بتطويق المستشفى وتوجيه الاهانات والاعتداءات على الاطباء.. حرقوا المستشفى وتم تدميره بالكامل وسجلت الجريمة ضد مجهول" ص9-54. كما يعرض القاص (واقع الثقافة الحالية) ومشكلة العزوف الثقافي عن المطالعة والاقتصار على الاهتمام بوسائل التواصل الاجتماعي: "المكتبة المركزية.. فوجئت بانها تحولت الى دائرة حكومية اخرى وانطمست اثار المكتبة والكتب والثقافة" ص71. ويصور القاص في نصوص اخرى كيف كان يتردد القراء على المكتبات وعلى مدار الاسبوع من المثقفين والشعراء والكتاب وطلبة المدارس في العطل الصيفية اما بعد 2003 فانحسر هذا الامر كثيراً مما يبعث الحزن. كما يعرض القاص مشكلة الحاق التهم بالآخرين خدمة لأهداف حزبية او طائفية او سياسية – ويعرض في القصص ضحية أُتهم بالجنون: "القي القبض على موظف معي اختلس اموالاً من الدولة. سجنت بدلاً عنه لم يصدقني أحد حتى عائلتي وزوجتي واطفالي وزملائي وجيراني .. وجدت نفسي في هذه المستشفى" ص184. فضلاً عن التهاون في محاكمة بعض المجرمين: "لماذا لم يتم اعدام هذا المجرم الخطير؟ اجابني لا توجد عندنا اوامر بذلك"ص170. كما تعرض القاص الى مشكلة ملاحقة من يتحرى (العدالة) وزج المجرمين بجرمهم : "ولم انت هنا مسجون مع المجرمين.. لأنني حكمت عليهم بالإعدام.. تم سجني هنا سنوات عدة واتهامي باني ابله"ص172. ويعرض لمشاكل اجتماعية اخرى منها (المخدرات): "هناك مجموعة من الطالبات .. تتعاطى المخدرات داخل المدرسة بصورة سرية"ص156. كما يتعرض القاص لتاريخ مدينة الناصرية في اشارات متعددة من معالمها الحضارية مثل: الزقورة, والاهوار: "انها اقدم بقعة على ارض البشرية ضمت بيت النبي ابراهيم عليه السلام.. في اعماق الاهوار الطيور من فوقنا .. والاوز .. والاسماك"ص167-168. كان القاص اذ يعرف مشاكل عراقية عامة نجد في اغلب الاقاصيص يكشف الاضواء عن (مدينة الناصرية) جنوب العراق ويحيطها بالخصوص كما تحيط الكاميرا بالاهتمام جزئية خاصة.

الجمعة، 3 مارس 2023

قراءة تأويلية بقلم الأستاذ الناقد البارع / زين المعبدي، لنص القاص/ محمد ابو الفضل سحبان - المغرب

 قراءة تأويلية بقلم الأستاذ الناقد البارع زين المعبدي لنص القاص/ محمد ابو الفضل سحبان

المغرب
مشروع حيوان
كمموا فمه، صفدوا يديه، رجليه، غطوه بإزار أبيض.!
استبشر خيرا وقد ظن أنهم أخيرا سيدفنونه؛ أخبروه في قاعة الفحص أن عمره ما يزال طويلا، وأن التحاليل طلعت كلها ايجابية : انفلونزا الخنازير ،جنون البقر، جدري القرود ..!
إبتسم قائلا : كل هذا بسبب هذه البالوعة اللعينة مشيرا إلى بطنه .. ألا يوجد لديكم تطعيم ضد داء فقدان القناعة.؟!
محمد أبو الفضل سحبان / المغرب
**مشروع حيوان**
إنطلاقة العنوان كإنطلاقة مدفعية طائشة من جندي نام أثناء وقوفه على المدفعية التي كان يحمى بها وطنه ونفسه فأصابت أعز ما يملك (إن لم تكن قد أصابته هو)
وكيف يقوم الحيوان بمشروع؟
سؤال المتلقي،وهو في متعة وإشتياق
وتنكير المفردتين للعنوان يوحي بالشمول
لنأتي بالتصوير الذى صور فيه المتكلم الإنسان المُكرم من ربه يهان من بني جنسه.
وفي مراوغة من سبحان ينقلنا من مشهد إلى مشهد آخرمثير
حيث يقول
كمموه
سؤالي:
من هو المكمم ؟
لك ما شئت من التأويلات أيها المتلقي قل: مواطن وطن أمة فكرة قلم....الخ
فقد أخرسوا لسانه وضيقوا أنفاسه حبسوا الهواء لكي يتنفس الكمية التي يسمحون له بها.. .
ثمة فاصلة تنقلنا إلى مشهد آخر وهو أنهم قيدوا يديه لكي لا تلوح حتى إلى ربها،
ولكي لا تدافع عن نفسها ثم تأتي فاصلة للإجاز (بحذف حرف العطف وذلك لمنع حدة الصوت والتكرار الممل وهذه مهارة كاتب)
وكإقتصاد في الحروف للإيجاز وكذلك خرق للغة ولكن على أصولها لإيصال المعنى.
من الفم إلى/ اليدين إلى/ الرجلين/ بطريقة تنازلية بديعة موحية بمدى الإضمحلال الذي تعانيه بعض البلدان من تعليم/ وصحة/ وفقرثقافة وغيرها..
جملة/ غطوه بإزار /كفيلة أن تنقل المتلقي من العنوان المنفتح المحير إلى ما هو أعمق /مشروع حيوان /التكميم/ والتصفيد/ والتقييد/ إلى جو الموت وتقوسه وما يؤكد على ذلك اللون الأبيض الذي يحيلنا لإكتمال الصورة بلون (الكفن ) هو في حد ذاته إسقاط جميل على الظروف السيئة
كل ما سبق من مشاهد عبارة عن حدث مسرحي في لقطات أو مشاهد متتالية وامضة تسيِّر قضايا مختلفة تختلف حسب الذائقة لدى كل متلقي.
ولكن بصورة مؤثرة وموجزة ومكثفة وعلى الرغم من كل هذا العذاب إستبشر خيراً مفارقة فجة فكيف بعد الموت إستبشار ؟
والمثير هو إستعجاله على الدفن وهذا يحيلنا إلى أن الموت لديه أفضل من الحياة.
(منتهى الألم).
والغريب أنه ظل حيا يسمعهم وهم يبلغونه من معمل التحاليل أن نتائجه كانت كلها إيجابيه
( إنتقل بنا الكاتب لمشفى)
وما أدراك من قاعة الفحص التي مر بها ذلك المسكين!
والتي تدخلت في كل شئ حتى في علم الخالق وتحديد أعمار البشر وإن لم يكن تحديداً دقيقاً .
فتبشره بطول العمر وعدد من الأمراض فيضحك ذلك المكمم، المصفد، المقيد،
يضحك بكل سخرية على حاله وعلى إستغبائِه جاعلاً النص برمته مفارقة فجة فما بين الضحك والألم والحزن مشوار معاكس وكأنه يسخر من نفسه ومن مدى جهله ومن مدى إستجهاله وصدمنا حين قال البالوعة اللعينه مشيراً إلى بطنهِ وكأن الكاتب كان معي أول أمس وأنا أنوه في منشور لتلك الجزئية الأخيرة وهو همنا ملأ البطون ولا يعنينا فراغ العقول!.
فقد طلب بغباء من خصمه أن يعطيه التطعيم
وهذا تنويه للجهل
وحتى وإن كان المتكلم يقولها بسخرية.
نص مكثف بحرفية عالية
مع تحفظي بجملت ( طلعت كلها)
زانه أنه درامي مسرحي يكاد يكون مكتمل الأركان
يثير قضايا أوطان وأمم صنعت لنفسها طاغية يكتم أنفاسها ليتحدث بإسمها ويأكل لحومها إن جاع.
كما أن صوت الراوي ظل متماسكاً كشخص مشارك على خشبة المسرح فهو الراوي العليم،الذي أنطق المحتضر المشرف على الموت وهو البطل وجعله شخصية أساسية خرساء همست في منتصف النص ونطقت في آخره حين علمت أنها في الضياع لأنها محاطة بالأمراض المذكورة.
كما أن السرد لم يخل من الوصف والحركة والزمن القصير
وكذلك الصدمات التى تدغدغ فكر المتلقي فيعيد القراءة ليستجمع المشاهد بشكل منطقي من تأويله.
بورك المداد.
زين المعبدي

الأحد، 19 فبراير 2023

قراءة تحليلية ناقدة بقلم الكاتبة والناقدة / مها السيد الخواجه، في المجموعة القصصية سرير فارغ للكاتبة والأديبة / سمية عبد المنعم

 



قراءة تحليلية ناقدة بقلم الكاتبة والناقدة / مها السيد الخواجه، في المجموعة القصصية سرير فارغ للكاتبة والأديبة / سمية عبد المنعم والصادرة عن دار أفلاك للطبع والنشر في طبعتها الأولى للعام ٢٠٢٢ م والتي شاركت في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ٥٤

بداية من الغلاف وهو العتبة الأولى للكتاب من وجهة نظري أنه جاء معبرا في تصميمه الموحي البسيط، وهو عبارة عن ملاءة بيضاء غير مرتبة، مع آثار لأقدام حيوان أليف، ثم الاسم المميز الذي توجت به المجموعة (سرير فارغ) فالسرير رمز الراحة والاستقرار والحميمية، واقتران اللفظ بما يتضاد معه المتمثل في كلمة (فارغ) فيه إبراز للمعنى المراد وهو: الوحدة، الفراغ، التشتت، والاضطراب.

وقد تكونت المجموعة من خمسة عشر قصة قصيرة أبرزت فيها الكاتبة قدرتها على جذب انتباه القارئ وأسر لبه لمتابعة القراءة .. عن طريق إبحارها في المسكوت عنه وتقديمه في إطار قصصي مميز.

السمة الغالبة لمجموعة القصص هي الوحدة والمعاناة، كل شخصيات القصص تعاني الوحدة وتختنق بها بداية من قصة (شارع) والتي قدمت من خلالها مشهدا مزدوجا للشارع ونظرة المجتمع للمرأة التي قدمت نموذجا لها بتلك الفتاة الشابة التي كانت تغني في الطريق مردتية ملابس مكشوفة، في المقابل نظرته للرجل الذي وقف يتبول في وسط الطريق غير مبالِ بمن حوله، ثم قدمت لنا نموذجا أنثويا مقتبس من أسطورة فرعونية للحب والوفاء بقصة (إيزيس)، بعدها حملتنا معها لنتألم مع تلك الأم الناجية الوحيدة من القصف ومعاناتها في البحث عن أبنائها تحت الأنقاض في قصة (ناجية)، لنذهب بعدها لزيارة المقام ونعرف قصة الشابة التي تزوره لغاية في نفسها تهمس بها ل(الولي)، لتحملنا بعدها على جناح المشاعر المرهفة لنعرف معها قصة (قميص أخضر)، ونهبط بعدها لقسوة الواقع ونصطدم بوجهه المخيف مع ياسين وقصته في (المحجر)، لندخل بعدها ل(الحديقة) ونعرف مغامرة الصغيرتين فيها، لنصدم بعد ذلك عندما نكتشف سبب فرار الفتاة العشرينية من بيتها في قصة (مواء)، ونشمئز من تصرفات زوجها مع صديقه الشاذ جنسياً، الذي وضعت له الكاتبة معادلا موضوعيا بالكلب والقط الذي يرفض محاولاته للنيل منه، وكأنها تقول لنا هذا حال الحيوان، فما بال البشر؟!، لنصحوا بعد ذلك في الفجر ونذهب مع الطفلة وأمها ل(الطاحونة)، ونعود فنشاهد أم أحمد ومواجهتها مع (المبروكة) التي عجزت عن إعادة طفلها للحياة، لنحلق بعد ذلك مع (فراشة خضراء) ونسمع حكايات الفتاة لها، ونعود بعدها ل(تلك الوردة الحمراء) المهداة من حبيب لمحبوبته وظنه أنها أهملتها وغضبه لذلك، لننتبه فجأة ل(ضوء أحمر) وكأنه إنذار ليقول لنا خذوا حذركم ولا تكتموا الحزن

فهو قاتلكم، وتنهمر دموعنا مع صرخة (أغا) يقول لنا أنا بشر مثلكم حتى لو جردت بفعلكم من صورة الرجل الكامل، فما زلت أشعر وأحب، وهكذا نصل إلى (سرير فارغ) فارغ من الاحبة، الاهتمام، الأمان ونسمع الحكاية من الكلب الذي صار وحيدا بعد موت صاحبه..

جاءت اللغة في المجموعة سردا ووصفا بالفصحى البسيطة السهلة السلسة، والحوار تنوع في القصص بين الفصحى والعامية المناسبة للشخصيات.

أبرزت الكاتبة من خلال القصص اهتمامها بالأزمات النفسية للأنثى وإظهارها للمعاناة التي تتعرض لها موضحة تأثرها بما يحدث حولها ويشكل شخصيتها ونظرتها للمجتمع ونظرة المجتمع لها، فالمجتمع رجل وامرأة ولا يمكن إغفال دور أحدهما.

.......

مها السيد الخواجه

دمياط  في فبراير ٢٠٢٣

 

الجمعة، 16 ديسمبر 2022

قراءة الكاتب والناقد / هاني الشرقاوي في نص ( فرحة ) للكاتبة والأديبة والناقدة الدكتورة / نجاح سرطاوي



 العدسة

★★★★
★ قراءات نقدية ودراسات تحليلية للنصوص الأدبية بمختلف أجناسها؛ للوقوف على نقاط القوة ومواطن الضعف بغض النظر عن كاتبها وحجمه الأدبي.
الدراسة الخامسة
نص من جنس القصة القصيرة جدا بعنوان ( فرح ) للدكتورة/ نجاح سرطاوي.
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
( النص )
فرحةٌ
وُلِدَ سليمَ الجسمِ والعقلِ، تكلمَ منذُ صغَرِهِ ببعضِ الكلمات، أخذَ جرعةً فاسدةً من جرعاتِ الأطفالِ الوقائيةِ، على إثرها فقدَ الكلامَ، لم يترُكْ أبواهُ مكانًا للعلاجِ إلا وطرقاهُ ، بعدَها تبيَّنَ أنهُ يشكو مرضَ التوَحُّدِ، لجآ إلى طبيبٍ ماهرٍ حاذقٍ ، خرقتْ كلمةُ ماما سَمْعَها بعدَ ثماني سنواتٍ ، لتقعَ على الأَرْضِ جثّةً هامدةً.
...........................................................................
( مدخل ومقدمة للقصة والدراسة النقدية )
★★★★★★★★★★★★★★★★★★
★ القصة متكاملة الأركان، توافرت لها عوامل النجاح؛ فالفكرة مستحدثة وليست مستهلكة، بالإضافة إلى عنوان غير كاشف لمضمون القصة، وسرد قصصي مرتب ومنظم، ولغة سليمة وراقية، وخاتمة غير متوقعة.
★ القصة من نوع القصص الاجتماعي الذي يناقش قضايا اجتماعية وحياتية تهم القارئ ويكاد يقابلها يوميًا أو قد تكون أحداث القصة حدثت معه بشكل أو بآخر.
★ وهذا ينم عن ذكاء القاصة، فأي كاتب أو كاتبة يهم كل واحد منهما أن يلتف حوله القراء، فيحاول أن ينمق بضاعته ويزينها حتى ينجذب إليها أكبر قدر ممكن من المتابعين.
وهذا ما فعلته القاصة حيث أنها استطاعت جذب أنظار القارئ وسلبت عقله بهذه الاستهلالة، فجعلته يتفاعل معه أحداث القصة وكأنه جزء من شخصياتها.

..................................................................................

( التحليل الأدبي والدرامي للقصة )
★★★★★★★★★★★★★★★★
★ تتحدث القصة عن ولادة طفل لأسرة ربما انتظرت ولادته وفرحت به فرحًا شديدًا .
وتركت القاصة للقارئ أن يتخيل مدى فرحة هذه الأسرة بمولودها من خلال العنوان ( فرحة ).
لكن فجأة انقلب الفرح إلى مأتم وهذا مسار خطير في أحداث القصة.
فكلنا تخيلنا أن الطفل ستمر أيامه كباقي أقرانه في فرح وحزن وسعادة وألم ...
فكل طفل يولد يوضع له جدول معين يتناول فيه الأدوية والعقاقير الطبية التي تحميه من أمراض الشلل والفيروسات الكبدية، وهي جرعات وقائية يتناولها كل الأطفال منذ ولادتهم بانتظام حتى سن سنتين تقريبا.
لكن هذا الطفل المسكين ضربه الإهمال الطبي في مقتل؛ إذ حقن بجرعة فاسدة من تلك الأدوية؛ فجعلته يفقد القدرة على الكلام.
وإني أرى أصابعكم تشير باتهام الطاقم الطبي الذي حقنه بتلك الحقنة الفاسدة.
وقد يكون اتهامكم صحيحًا وقد يكون أيضًا أن هذا الأمر ناتج عن استيراد صفقات دوائية فاسدة ومنتهية الصلاحية من قبل بعض أباطرة الدواء
فالمهم عند هؤلاء هو تعبئة جيوبهم وخزائنهم بالأموال بغض النظر عن أية اعتبارات أخلاقية أو إنسانية، وبالطبع يكون الضحية الشعوب المطحونة والمغلوبة على أمرها.
أي أن طفلنا وقع ضحية الإهمال والفساد وافترسته الأطماع البشرية؛ فاغتالت صحته ومستقبله ودمرت بالضرورة آمال وطموحات أسرته وذويه.
★ وبدأت رحلة العلاج، وأجادت القاصة في أنها جعلت القارئ يتفاعل مع تلك الأسرة المنكوبة، ويتعاطف مع طفلنا ضحية الإهمال والفساد، بل ربما بحث القارئ عن طبيب ماهر وكأنه من شخوص القصة.
طرقت الأسرة كل الأبواب؛ أملًا في العلاج والشفاء وبحثًا عمن يمسح دموع الطفل المسكين ويهدهد جسده المريض.
★ ومن الطبيعي بعد هذا الإهمال الطبي والإصابة بالصمم أن يتقوقع الطفل داخل ذاته ويعيش في عالمه الخاص؛ فهو يرى من حوله وجوها تضحك وتبكي وشفاها تنطق لكن بلا ترجمة أو تفسير.
وصدمتنا القاصة بأنه نتيجة ذلك أصيب الطفل بالتوحد وهو مرض العصر الذي يفترس براءة الأطفال ويقضي على الأخضر واليابس من حديقة حياتهم.
★ التوحد "‏Autism": هو اضطراب مهم يسمى اضطرابات طيف التوحد أو اضطرابات النمو الشائعة سابقًا
ومن أعراضه:
١/ ضعف في التفاعل الاجتماعي ومهارات الاتصال
٢/ أن يكون في عالمه الخاص دائما ، لا ينظر إليك عندما تناديه، المشي على أصابع قدميه ،
٣/ التأخير في بداية الحديث أو التوقف عن الحديث ، التراجع في الكلام ، عدم استخدام الكلام في التفاعل الاجتماعي حتى لو كان يتحدث ، تكرار ما يقال ، استخدام الضمائر بالعكس (بدلاً من أنا ، يستخدم هو).
★ المشكلة في أن متلازمة التوحد هي داء العصر؛ نتيجة ضعف التواصل الأسري وانشغال الأسرة عن أبنائها بالأعمال أو أي أمور أخرى، فتجد الطفل ليلًا ونهارًا لا يفلت الهاتف من يده أو لا تزوغ عينه عن برامج الأطفال.
فيجب على الآباء أن ينتبهوا لذلك ويحسنوا تربية أبنائهم ويمنحونهم الوقت الكافي للعب والتنزه والتواصل مع أقرانهم من الأطفال؛ حتى ينجو الجميع من براثن التوحد ومخاطره الجسيمة.
★ثم كانت المفارقة في أن هذا الطفل كان شفاؤه على يد طبيب حاذق ماهر
وشتان الفارق بين طبيب مهمل تسبب في إحداث عاهة مستديمة وبين طبيب ماهر مسح دموع الألم ونفض عن كاهل الأسرة أوجاعًا كالجبال.
هذا الفارق هو يمثل الصراع الأبدي بين الخير والشر وبين الصلاح والفساد .. هو الحياة بوجهيها الأبيض والأسود.
★ وكان من المفترض أن تنتهي القصة بتلك النهاية السعيدة والتي يتحقق فيها عنوان القصة ( فرحة ) لكننا فوجئنا بوفاة الأم بعد سماعها لكلمة ( ماما ) وهي أول كلمة نطق بها الطفل بعد شفائه، وكأنه أراد أن يكافئها على كل ما بذلته معه من جهود وأن يعوضها عن كل ما أنفقته من صحتها ووقتها ومالها فداء لوليدها.
..............................................................................
( التحليل الفني واللغوي للقصة )
★★★★★★★★★★★★★★★
( العنوان )
★★★★★
( فرحة) عنوان بسيط غير كاشف لمضمون القصة يدعو للتفاؤل ويدفعنا للقراءة والولوج في دهاليز فكر القاصة، وقد يبرز تساؤل : أين الفرحة في القصة؟
اللقطة المضيئة كانت في شفاء الطفل وتلك اللحظة كانت الفرحة الكبرى للأسرة وللقارئ وقبلهما للطفل.
★ربما بنت القاصة عنوانها على أساس كلمة ( ماما ) وهي الجملة الحوارية الوحيدة في النص، هذه الكلمة تبعث الروح والسرور في النفوس، فهي الكلمة التي تبنى عليها الأسر ، وهي الكلمة التي تطرب لها آذان الأمهات.
وكلمة ( ماما ) في قصتنا هي مصدر السعادة والفرحة في كل الأوقات سواء عند الولادة أو بعد الشفاء بل إن وفاة الأم كان تحت تأثير الفرحة الشديدة.
_______________________________________________
( الصراع )
★★★★★
★ كان الصراع في القصة معقدًا تعقيدًا شديدًا حيث أجادت القاصة في بنائه وتشكيل خيوطه بمهارة بل الإبداع في تفكيكه وحل عقده بسلاسة وسهولة حتى تخيلنا أنه لم يوجد من الأساس صراع.
★ انقسم الصراع في القصة إلى قسمين :
( أ ) صراع نفسي داخلي وهو أشد أنواع الصراع تأثيرًا على الإنسان، وبزغ هذا الصراع في علاقة الطفل مع حاجياته ومع تعامل الأسرة والبيئة المحيطة معه، وربما حتى في وخزة ضمير لمن تسبب فى كل هذا الألم للطفل وللأسرة ولنا جميعا.
( ب ) صراع اجتماعي تمثل في رحلة العلاج اليومية حتى شفاء الطفل وكيف واجهت الأسرة ضغوطا وصراعات مستمرة مع كل من تعاملوا معه، وربما ظهر ذلك الصراع للطفل ذاته في الوجوه المتغيرة التي يراها يوميا وربما في تنمر بعض السفهاء عليه ورفضهم لوجوده ولحالته الصحية المتأخرة.
______________________________________________
( اللغة والتراكيب )
★★★★★★★
صيغت القصة بلغة سليمة وسهلة وبتراكيب واضحة وبليغة، فلم تلجأ القاصة لأسلوب فرد العضلات اللغوية _ كما يفعل بعض الكتاب _ وذلك حرصا منها على جمهورها العريض.
لا يوجد بالقصة أخطاء لغوية ( إملائية أو نحوية ) كما أن علامات الترقيم في مواضعها الصحيحة.
وأرفع القبعة تقديرا للقاصة التي حرصت على ضبط الكلمات إعرابيًا حتى يسهل على القارئ تمييزها بسهولة.
_____________________________________________
( السرد والوصف والحوار )
★★★★★★★★★★
★ السرد في القصة مشوق جدا تأرجح مع الصراع في القصة ما بين الهدوء و الذروة، وخدم ذلك براعة القاصة، وتمكنها من أدواتها الفنية واللغوية والأدبية.
★ أما الوصف فلم تبالغ فيه القاصة بل يكاد يكون منعدما، فلم تعطنا معلومات أو صفات حسية أو معنوية عن الطفل أو حتى أفراد أسرته، ولم تصف المشفى الذي لجأ إليه أول مرة أو حتى حجرة الطبيب الذي عالجه وشفاه بإرادة الله.
وربما يكون السبب في ذلك أن أحداث القصة لم تخدم القاصة، وربما يؤثر ذلك على بنية القصة وطريقة اختزالها.
★ أما الحوار فقد كان شحيحًا جدًا ، وهذا من جوانب القصور والضعف في القصة، واقتصر الحوار على كلمة ( ماما ) التي نطق بها الطفل بعد شفائه.
★ وربما قصدت القاصة اختزال الحوار واقتصاره على كلمة ( ماما ) لتختصر به كل أحداث القصة وتختزل به عشرات الحوارات التي تدور في فلك ذات الموضوع.
.
★ فهذه الكلمة المكونة من أربعة حروف هي رمز للحنان والعطف والأمومة، وتشير إلى الجلد والعناء والكفاح في تربية الأبناء.
هذه الكلمة هي بمثابة التاج فوق رأس الأمهات وهي الكلمة التي ترطب خشونة الحياة وقسوة الأيام، هي الكلمة التي تتحمل الأم من أجلها الصعاب وتحمل أثقالا تنوء عن حملها الجبال.
★ كلمة ( ماما ) هي أول كلمات نطق بها الطفل ، وكانت آخر كلمات طرقت سمع الأم
وهذه الكلمة بني على أساسها العنوان وأيضًا كانت هي الخاتمة التي أدت إلى وفاة الأم؛ فكانت الصدمة التي علمتنا ووعظتنا.
_______________________________________________
( الزمان والمكان )
★★★★★★★
★ الزمان : حصلت أحداث القصة في الزمن الماضي بدليل استخدام القاصة للفعل الماضي في سرد الأحداث، ولكن الإبداع يكمن في أن القاصة جعلتنا نتخيل أن القصة ستحدث اليوم أو غدا بتفاصيل مشابهة وشخوص متغيرة إذا استمر الإهمال وتمدد الفساد في ربوع المجتمع.
★ المكان : دارت أحداث القصة في عدة أماكن حيث تنوع المكان ما بين المنزل وبين المشفى والعيادات الطبية التي تناوبت الأسرة على زيارتها وأيضًا لا ننسى التنقل في الشوارع ووسائل المواصلات والمصالح الحكومية لإنهاء بعض المعاملات والتأشيرات الخاصة بالطفل، وتفهم تلك الأمور من خلال تسلسل أحداث القصة.
______________________________________________
( الشخوص )
★★★★★
★ برزت بالقصة شخصيات رئيسة وشخصيات فرعية؛ فالطفل وهو بطل قصتنا بكل ما عاناه من آلام وأوجاع وصراعات داخلية تجرع مرارتها في صمت.
★ والأم وهي شخصية محورية في أحداث القصة بما تحملته من ضغوط نفسية وعصبية وجسدية أودت بحياتها في نهاية المطاف.
★ ثم شخصيات فرعية ساهمت في تغيير مجرى أحداث القصة.مثل الطبيب الذي تسبب في إصابة الطفل وأيضًا الطبيب الماهر الذي استطاع بمشيئة الله ثم بصبره ومهارته أن يرسم الابتسامه مرة أخرى على شفاه الطفل.
________________________________________________
( التكثيف والرمزية )
★★★★★★★
★ أجادت القاصة في تكثيف أحداث القصة ببراعة ودون الإخلال بالمعنى أو ببنية وتركيب القصة.
★ أما الرمزية، ففي اعتقادي أن أسلوب القاصة وطريقة سردها لأحداث القصة يدل على أنها لا تنتمي لتلك المدرسة التي تطغى عليها الرمزية.
تمثلت الرمزية في تسليط الضوء على بعض الجوانب السلبية مثل الإهمال الطبي والفساد المجتمعي وأيضا بعض الأمراض العصرية كالتوحد وما يترتب عليه من نتائج سلبية.
________________________________________________
( الختام )
★★★★
وفي الختام أحيي القاصة التي أمتعتنا بهذه الوجبة الدسمة من الإبداع والابتكار، فقد أجادت في صياغة قصة متكاملة خلصنا منها بعدة دروس وعبر.
بعدسة الكاتب والأديب والناقد /
هاني الشرقاوي ( ابن الكنانة )
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏تحتوي على النص '‏العدسة نقدوتحليل هاني الشرقاوي قراءة أدبية دراسات نقدية وتحليلية‏'‏‏

مشاركات الأعضاء

العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل

  العين السابعة قصة قصيرة تأليف : متولي بصل        شاءت الأقدار أن أشتري شقة في دمياط الجديدة، وكنت في بداية الأمر أشعر بسعادة كبيرة، ...

المشاركات الشائعة